لا تزال أزمة حلب تكبر وتتدحرج على الأرض كل ساعة، ولا تزال المدينة تدك بالصواريخ الروسية، ولا يزال أهلها يهجّرون منها، فيما يرتقي العشرات كل يوم، ويصاب المئات الذين لا يجدون العلاج أو المأوى. ولكن في أروقة السياسة الدولية، يستمر الشد والجذب بين اللاعبين الدوليين في سوريا، وتخرج كل ساعة تصريحات جديدة، أملًا في حسم الأزمة لصالح طرف من الأطراف.
Entering the Old City of #Aleppo yesterday to evacuate people. Ruins lined the narrow streets, making it nearly impossible to get through. pic.twitter.com/UEH2hJkrey
— ICRC Syria (@ICRC_sy) December 8, 2016
آخر التصريحات ما قاله وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر اليوم السبت، أن روسيا شكلت أكبر داعم أجنبي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإن دخولها إلى سوريا “أجج الحرب الأهلية وأطال معاناة الشعب السوري”.
تصريحات كارتر هذه جاءت بعد ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة، أن الضربات على مدينة حلب السورية ستتواصل طالما بقي مسلحون داخلها.
وصرح لافروف للصحافيين على هامش اجتماع وزراء خارجية دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي يعقد في هامبورغ: “بعد الهدنة الانسانية، استؤنفت الضربات وستستمر طالما بقيت عصابات في حلب”، وأضاف لافروف: “العالم يتفهم ذلك، ويتفهمه شركاؤنا الاميركيون”.
وقال لافروف في معرض حديثه: “إذا لم يغير الخبراء الاميركيون موقفهم مجددًا، تتوافر عندئذ فرصة لاتفاق على تسوية نهائية للوضع في شرق حلب من خلال مغادرة جميع المقاتلين من دون استثناء”.
كيري: الناس سئموا من هذه الاجتماعات وأنا سئمت منها
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن مسؤولين أميركيين وروسًا سيجتمعون في جنيف اليوم السبت لمناقشة خطة وقف إطلاق النار في مدينة حلب شمال سوريا، وإجلاء المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.
وأضاف كيري من السفارة الأميركية في باريس: “نحن نعمل بجد مع أشخاص، نحن على خلاف معهم لنرى ما إذا كان بإمكاننا إيجاد سبيل باسم الإنسانية، لنتمكن من حماية تلك الأرواح ونحاول فصل الأطراف المتقاتلة ودفع العملية قدما”.
واعتبر كيري أن ما يجري في حلب هو أسوا كارثة منذ الحرب العالمية الثانية، وأضاف “أعلم أن الناس سئموا من هذه الاجتماعات وأنا أيضا سئمت منها”.
من جهته، أوضح مسؤول كبير بالخارجية الأميركية أن اجتماع السبت سيجري على مستوى “تقني وليس على مستوى وزراء الخارجية” وأن كيري لن يتوجه إلى سويسرا. وأضاف أن الأمر يتعلق ببحث خطة حلب في أجزاء ثلاثة هي “وقف إطلاق نار ومساعدة إنسانية ورحيل المعارضة ومدنيين”.
هل يصل الروس والأمريكيون لحل؟
مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا، اعتبر أن الاجتماع الأميركي الروسي اليوم سيكون في غاية الأهمية، لأنه يمكن أن يؤدي إلى تجنب الدمار الهائل في حلب، ووضع خطة لإجلاء المقاتلين والمدنيين من المدينة.
ولم يعد إيصال المساعدات الإنسانية إلى شرق حلب ممكنا، بسبب القصف المكثف الذي يشنه عليها النظام وداعموه خلال الفترة الماضية والذي يتسبب في مقتل العشرات يوميا.
وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع التقني الروسي الأميركي في جنيف الثلاثاء أو الأربعاء، لكنه ألغي وتبادل كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف المسؤولية عن ذلك.
واشنطن وتسليح المعارضة
المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر قال في تصريح صحفي اليوم إن رفع القيود على الأسلحة للمعارضة السورية الذي يتم الحديث عنه يتعلق بدعم العمليات الخاصة الأميركية لمحاربة “الإرهاب” في سوريا، مؤكدا أن ذلك لا يعني مد المعارضة السورية بأي أسلحة قتالية.
وفي رد على أسئلة الصحفيين، قال تونر إن وزارة الدفاع تطرقت مرارا إلى أنشطتها لتشكيل قوات محلية قادرة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “وبما أن سوريا دولة راعية للإرهاب فإن الرئيس من وقت لآخر يسن (قوانين) أو يرفع بالأحرى قيودا تحظر على الجيش الأميركي تقديم مساعدات قتالية لشركائنا الذين ينفذون أنشطة ضد داعش”.
الناطق باسم الخارجية الأميركية مارك تونر
ورد المتحدث الأميركي بالنفي على سؤال من صحفي سأله “هل سنشهد تدفقا للأسلحة إلى المسلحين في حلب؟”.
وعندما سئل عن أنظمة الدفاع الصاروخية المحمولة (مانباد) قال المتحدث “موقفنا لم يتغير من أنظمة الدفاع الصاروخية (مانباد) وما قلته آخر مرة لم يتغير، ولا نريد رؤية هذا النوع من الأسلحة يصل إلى سوريا”.
وأضاف تونر “وفيما يتعلق بالسياق العام كنت أشير إلى المعارضة المعتدلة والتي عملنا معها وقدمنا لها مستوى معينا من الدعم وهي قوات سوريا الديمقراطية والتي تحارب شمال سوريا ضد داعش”.
وكانت روسيا قد حذرت أمس من أن قرارا أميركيا برفع بعض القيود على شحنات الأسلحة لمقاتلي المعارضة السورية سيكون محفوفا بالمخاطر، لأن السلاح قد يقع في نهاية الأمر في أيدي “إرهابيين” على حد تعبير المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، كما سيمثل تهديدا للشرق الأوسط والقوات الروسية في سوريا وفق المتحدث نفسه.
وسبق للمنسق العام لهيئة المفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب أن اتهم الولايات المتحدة بوضع فيتو ضد تسليح الجيش السوري الحر، معتبرا ما يجري بحلب مأساة وإبادة على يد روسيا والنظام السوري.
وأشار حجاب حينها إلى أن الولايات المتحدة وضعت فيتو شمل حتى الدول التي وصفها بالصديقة للثورة السورية لتسليح الجيش الحر بالأسلحة النوعية لاسيما الصواريخ المضادة للطائرات.
قصف مستمر والنظام يتمدد داخل حلب
ومع تزامن مع محاولاتِ قوات النظام والميليشيات الموالية له التقدم على أكثر من محور داخل حلب، تعرضت المدينة لقصف عنيف أوقع عشرات القتلى والجرحى في حي المغاير شرقي حلب، في حين ما زالت تتواصل موجات النازحين من الأجزاء الشرقية للمدينة المحاصرة بحثا عن مناطق آمنة.
في هذه الأثناء، أكد ناشطون أن فصائل المعارضة تصدت لهجمات قوات النظام وأسقطت قتلى بصفوفها، كما وقعت غارات ومعارك بريف دمشق ومحافظات أخرى.
كما نقل عن مصادر طبية إن قتلى وجرحى سقطوا صباح اليوم في قصف بالبراميل المتفجرة المحملة بغاز الكلور استهدف حي المغاير المحاصر شرقي المدينة، وما زال مصير المصابين مجهولا نظرا لتعرض كل المستشفيات للقصف، كما سقط أيضا ثلاثة قتلى بينهم طفلان في حي المعادي.
Zu wenig zu spät.#Aleppo heute Nacht: Es regnet weiter Gas und Bomben von #Assad & #Putin.@AuswaertigesAmt @AllemagneDiplo @FranzBotschaft pic.twitter.com/pAEkTiwBLZ
— Julian Röpcke (@JulianRoepcke) December 10, 2016
وكان رئيس المجلس المحلي في المدينة قد قال في وقت سابق إن أكثر من ثمانمئة شخص قتلوا وأصيب ما بين ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف وخمسمئة شخص في شرق حلب المحاصر خلال الأيام الـ26 الماضية، بينما ينتظر باقي السكان من المدنيين المحاصرين حكما فعليا بالموت على حد وصفه.
إلى ذلك قال المسؤول بوزارة الدفاع الروسية سيرغي رودسكوي إن 10500 شخص غادروا شرق حلب خلال الساعات الـ24 الماضية، مضيفا أن قوات النظام سيطرت على 93% من حلب واستعادت 52 منطقة سكنية من المعارضة، كما أصر على أن الطائرات الروسية والسورية لم تحلق فوق حلب منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول.
وتضيف مصادر إعلامية أن عملية النزوح تمت عبر الممرات الإنسانية التي حددتها قوات نظام الأسد والقوات الروسية للمدنيين. وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن نحو مئة ألف مدني لا يزالون محاصرين داخل الاحياء الشرقية لحلب.