ترجمة حفصة جودة
لم أكن يومًا قادرًا على احتواء مفاهيم الخصوصية والتاريخ والتشفير معًا بطريقة مرضية، بالرغم من أنه ما زال يبدو أنه يجب عليّ ذلك، كل مفهوم من تلك المفاهيم له علاقة بالمعلومات، وجميعهم من اهتمامات العامة والخاصة، كما يشاركون جميعهم في مظاهر المجتمع؛ خاصًة المجتمع الرقمي، لكن التجربة علمتني أن أقصى ما يمكنني فعله مع تلك المفاهيم هو إظهار المشكلات التي تتسبب بهم معًا.
دائمًا ما تصيبني الخصوصية بالارتباك، فحسب فهمي البسيط لها، يفضل الأفراد –بدرجات متفاوتة- ألا تكون معلوماتهم متاحة للجميع، أنا أيضًا أرغب في الخصوصية وأتفهم رغبة الآخرين في ذلك، لكن عندما يكون الكيان الذي يرغب في الخصوصية هو الدولة أو شركة أو بعض المؤسسات الإنسانية، فإن إدراكي لمفهوم الخصوصية يُصاب بالحيرة والارتباك.
قد يكون صحيحًا أن ترغب الدول والمؤسسات في بعض الخصوصية، لكنهم في الوقت نفسه يرغبون في خصوصية أقل للأفراد، ما الذي يعنيه ذلك –في الديموقراطية المزعومة- للدولة التي تخفي الأسرار عن مواطنيها؟ ففكرة الدولة السرية تبدو متناقضة مع الديموقراطية، عندما لا يستطيع الناخبون والمواطنون معرفة ما تقوم به دولتهم، ومع وجود عدد لا يحصى من نظريات المؤامرة هذه الأيام، فهي تقول أننا نمتلك خصوصية أقل بكثير مما نعتقد.
أما دعاة الدولة السرية –وبدعوي تحقيق راحتنا- يقومون بالإشادة بالشفافية: إذا لم يكن لديك ما تخفيه وكنت تثق بحكومتك، فما الذي قد تخشاه بعد ذلك؟ إلا أنه يمكن للمرء أن يسأل بكل سهولة: إذا لم يكن لديك ما تخفيه، فما الذي تملكه حقًا، باستثناء الاهتمام الشامل للدولة والتي تقوم بحفظ الأسرار؟
هذا البحث الصغير في الخصوصية يصيبني بالارتباك، هل تعتبر خصوصية الدولة وخصوصية الفرد الشيء نفسه؟ أم أنهما مفهوميّن متناقضيّن؟ هل من مصلحة الدولة أن تسمح للمواطنين بالحفاظ على أسرارهم؟ من المعروف أن الدول ترغب في معرفة أسرار المواطنين وذلك من خلال تعذيبهم؛ لتشجيعهم على الكشف عما يعرفونه، نحن نعلم هذا الأمر من الناحية التاريخية، ونعلم أنه صحيح وما زال يحدث، لكن تأثيره الشخصي علينا يتوقف على المكان الذي نعيش فيه.
لديّ الكثير من الأفكار حول التاريخ أكثر مما لدي عن الخصوصية، هذا الأمر يزيد من ارتباكي أضعافًا مضعافة، أعتقد أن قدرتنا على صنع التاريخ من خلال الذاكرة الاصطناعية؛ هو ما يميزنا، إلا إذا كنا قد نسينا شيئًا آخر، وهو أننا بحاجة لمواجهة أشياء أخرى قادرة على القيام بالشيء نفسه، هل ينبغي على مكتب التحقيقات الفيدرالي “F.B.I.” أو أي وكالة أخرى، أن يكونوا قادرين على اختراق هواتف “أي فون” الخاصة بالإرهابيين؟ إذا كانت لديهم القدرة على ذلك، فسوف يكونوا قادرين على اختراقك هاتفك وهاتفي، هل ينبغي علىّ أن أقوم بتشفير الوثائق بطريقة لا يستطيع “F.B.I.” فك تشفيرها؟ إذا تمكنت من القيام بذلك فسوف يتمكن الإرهابيون أيضًا (هذا لا يعني بالضرورة أنني استعرض الإرهاب كنقطة رئيسية في هذا النقاش، لكنه أصبح المثال الأهم في ذلك الأمر).
على المدى القصير، يجادل العديد من الأشخاص بشأن الخصوصية، وبالتالي فهم ضد الشفافية، لكن التاريخ وعلى المدى البعيد؛ يعني الشفافية وغياب الأسرار، لذا نحن كمؤرخين نصبح صارمين عندما يتعلق الأمر بحقائق الماضي وحقائق الموتى، فنحن بحاجة لمعرفة جميع التفاصيل الحميمية في حياتهم اليومية، فمن غير المعقول أن نقرر الابتعاد عن أسرارهم، والسماح لرجل الثلج بالحفاظ على خصوصياته، أو عدم البحث تحت الأرض لاكتشاف وشوم كاهنة مصرية.
لاستكمال هذه الحيرة، فقد تفقمت مشكلة التشفير لعدم قدرتي على فهم الأمر رياضيًا، فأن افترض (ربما أكون مخطئًا) أن المستقبل سوف يكون قادرًا على شق طريقه خلال أكثر تقنيات التشفير تطورًا اليوم، وأتصور أن جميع الأسرار الدفينة في العالم –سواءًا كانت أسرار المواطنين الخاصة أو أسرار مؤسسات الدولة- سوف تصبح متاحة للجميع، وسوف يقوم أحفادنا بعرض هذه البيانات على الملأ.
بالاطلاع على تلك المعلومات والنظر إلينا، فإن أسلافنا يعرفوننا بطريقة مختلفة عما نعرف عليه أنفسنا الآن، تمامًا مثلما أن ما نعرفه الآن عن الفيكتوريين (الأشخاص الذين عاشوا في العصر الفيكتوري) يختلف عما يعرفونه عن أنفسهم، لذا فالماضي –ماضينا- الذي سيراه أحفادنا بعد خروجنا منه، سوف يكون مختلفًأ عن الماضي الذي عشنا فيه بأنفسنا، سوف يكون ذلك إعادة تفسير للماضي؛ ويتوقف هذا التفسير على المعلومات المتاحة في وقت لاحق وزيادة الشفافية، وقلة عدد الأسرار.
إذا كانت محاولاتنا المستمرة لعرض تاريخ أكثر شفافية، هي مجموع ما نحن عليه كجنس بشري، فإن جنسنا سيصبح الأشد فقرًا في إخفاء الأسرار، وأي محاولة مستمرة للقيام بتشفير غير قابل للخرق، سوف تصبح مخالفة لذلك.
ومع ذلك؛ فإنني أفضل الحفاظ على بعض أسراري، وأفترض أن الآخرين يرغبون في ذلك أيضًا، لذا أعتقد أن رغبتنا تلك هي ما تميزنا كنوع بشري، تمامًا مثل حاجتنا لبناء قصور من الذاكرة.
المصدر: نيويورك تايمز