رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام واللاجئين في الولايات الألمانية الشرقية. تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني هذا في شرق البلاد، حذرت منه الحكومة الألمانية مؤخراً بشكل كبير، حيث أكدت على أن هذا الأمر بات يشكل تهديدًا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. كما الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي العام الماضي مثلاً سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
موقع إلكتروني لبيع الأسلحة ضد اللاجئين
“رعب المهاجرين”.. آخر صيحات الكراهية والتحريض على اللاجئين والمهاجرين إلى ألمانيا، فرغم خرقها لقانون العقوبات الألماني ودعوتها للكراهية وبيعها الأسلحة لمواجهة اللاجئين والمهاجرين، ما زالت هذه الصفحة فعالة على الانترنت وتجد لها متابعين.
يقول الصحفي الألماني جيفرسون جاسه: “كنت أظنها في البداية نكتة سخيفة، موقع “رعب المهاجرين” الناطق باللغة الألمانية، صفحة لم تثر الانتباه بسبب عنصريتها ضد اللاجئين فقط، بل من خلال عرضها للبيع أسلحة تستعمل ضد اللاجئين”.
هذه الصفحة التي تعمل على خادم إنترنت روسي، وتعرض مختلف الأسلحة الأوتوماتيكية وغيرها، تتراوح أسعارها بين 229 و749 يورو للقطعة. ومن بين ما يعرضه الموقع للبيع قوس يطلق أنواعًا مختلفة من السهام البلاستيكية التي يمكن أن تكون قاتلة، والدفع لغرض الشراء عن طريق الانترنت أو عملة الإنترنت بيتكوين*. (*هي عملة يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها).
ورغم أن اقتناء السلاح في ألمانيا يتطلب رخصة خاصة، فإن صاحب الصفحة -الذي يدعي أنه يحاول حماية أسرته- يعرض بضاعته مع تقديم ضمانات لوصول السلاح إلى المشتري من دون مشاكل ومعوقات بيروقراطية مزعجة.
يعرض الموقع رجال يطلقون النار على وقع موسيقى صاخبة على صور ولعب تمثل رجالًا ببشرة داكنة، أو صور لساسة ألمان منهم المستشارة ميركل والرئيس الألماني يواخيم غاوك. وعلى الصفحة رابط لأخبار حول مهاجرين ولاجئين يشتبه بارتكابهم جرائم. وعلى الفيسبوك يشاهد المرء أكثر من 8 آلاف إعجاب.
ومهما طال البحث فلا يمكن العثور في الانترنت على صفحة تخالف الفقرة 130 من قانون العقوبات الألماني مثل هذه الصفحة، فما ينشره أصحاب الصفحة يدخل ضمن نشر الكراهية التي تصل عقوبتها ما بين 3 إلى 5 أعوام سجن، ورغم توقع بأن تختفي الصفحة بعد اكتشافها من قبل السلطات، إلا أنها ما زالت فعالة حتى اللحظة.
النازيّون الجدد.. تطرّف وهمجية ورفض للتعددية
على الرغم من عودة ظاهرة ما يعرف بـ”النازيين الجدد” ونشاطهم الذي بدى ملحوظَا، وهو لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم “حزب ألمانيا القومي الديمقراطي” لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
حيث شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب” (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب” (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسًا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: “اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم”.
اليمين المتطرف في ألمانيا يرفض أيضًا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. وفي الصورة التالية نجد أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة “بيغيدا” في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها “يجب وقف التعددية الثقافية.. وطني يجب أن يبقى ألمانيّا”.
وسائل الإعلام الألمانية كثيرًا ما تحدثت عنما شهدته مدن شرق ألمانيا من احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام “من هب ودب” دون أن تعير اهتمامًا لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعًا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث – وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا – تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة، حيث تظهر الصورة بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق، حيث أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
الأمر لم يقتصر على اللاجئين، فالاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا منتشر ومعروف أيضًا، بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه، حيث نشرت مواقع ألمانية في عام 2013 أنه مع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة “لايبتسغ” وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. كما أن حادث مماثل تكرر بعدها هذا العام عندما وضع مجهولون خنزيرًا صغيرًا ميتًا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
تقول إلكترونية “دويتشه فيله” الألمانية: لأكثر من 10 سنوات ويمينيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمى بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة “تسفيكاو” بشرق ألمانيا، يقتلون أناسًا في مختلف أنحاء ألمانيا، حيث كان ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.
المتهمون الألمان موندلوز و بونهارت” في قتل 8 الأتراك ويوناني وشرطية
هل تحاول ميركل إرضاء المتطرفين؟
يبدو أن موجات التطرف والتعصب هذه -والتي باتت تنتشر بشكل كبير وتضغط على حكومة ميركل بل وتهاجمها وتتهمها بجلب المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا- بدأت تؤثر على ميركل نفسها، حيث انتقدت منظمة “برو أزول” الألمانية قبل أيام -وهي المنظمة المعنية بحقوق اللاجئين في ألمانيا- حزب ميركل “بالانتقال الخطير نحو اليمين على حساب الحقوق الأساسية للاجئين”.
المنظمة وجهت انتقادات شديدة اللهجة لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة ميركل، وذلك بعد الورقة التي تقدم بها أحد قيادات الحزب لمناقشتها في الاجتماع العام للحزب، تضمنت مقترحًا تدعم إجراءات ترحيل المهاجرين ممن رفضت طلبات لجوءهم، إلى جانب تقليص المساعدات الاجتماعية المخصصة للاجئين، إضافة لإنشاء مراكز استقبال لاجئين في مصر.
وتنتقد منظمة “برو أزول” بشدة فكرة إنشاء مراكز استقبال خارج الحدود الأوروبية، وتعتبرها وسيلة للتخلص من المسؤولية تجاه اللاجئين عبر تقديم مساعدات مالية للدول المستقبلة. كما رفضت المنظمة فكرة إعادة اللاجئين من أفغانستان إلى بلدهم مشددة على “أن المناطق التي ينظر إليها اليوم بأنها آمنة، لن تكون كذلك غدًا”.
وكان وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير (حزب ميركل) قد دعا من جهته إلى إدراج إجراءات أكثر صرامة في قانون اللجوء، وتابع لصحيفة “راينشه بوست” الألمانية أنه “علينا في عام 2017 تنفيذ عمليات ترحيل أكبر بكثير مما قمنا به في العام الماضي”.
ومن المنتظر أن تكون سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين التي انتهجتها ميركل في خريف 2015 من المواضيع الرئيسية التي سيناقشها الحزب، خاصة وأن رئيسته ميركل واجهت انتقادات حادة خارج الحزب وداخله عقب وصول نحو 900 ألف طالب لجوء إلى ألمانيا في ذلك العام.
وتسببت أزمة الهجرة في تراجع حاد لشعبية الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لكنه تمكن في الآونة الأخيرة من تعديل الكف لصالحه بمعدل 37% من مجموع أصوات الناخبين مقابل 22% للحزب الديمقراطي الاجتماعي، وفق استطلاع للرأي أجراه مؤخرا معهد “امنيد”.