بعد 29 عامًا على انطلاقتها كحركة مقاومة إسلامية في الأراضي المحتلة، الحركة التي عاصرت الانتفاضتين الأولى والثانية وما بينهما، والتي وصلت بعد ذلك لسدة الحكم عبر انتخابات برلمانية اعترف العالم بنزاهتها بأغلبية ساحقة، لتدخل بعد ذلك في نفق الانقسام وحروب ثلاث مع الكيان الإسرائيلي، وحصار ما زال مستمرًا ويوشك أن يدخل عامه الـ11، أين هي “حماس” اليوم، وما هو وضعها عربيًا ودوليًا، وما هو مستقبلها القادم؟
حماس من الداخل.. ما حقيقة الخلافات؟
عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية، قال في كلمة خطابية له قبل يومين وسط غزة، إن “الحركة موحّدة بكافة أركانها ومستوياتها القيادية بغض النظر عن جغرافيا المكان”.
جاء ذلك خلال كلمةٍ له في مسيرة حاشدة نظمتها حركة حماس شمال قطاع غزة بالذكرى الـ 29 لانطلاقتها ، وشارك بها عشرات آلاف الفلسطينيين.
الحية أكد أنه “رغم كل المحن والضربات التي تلقتها حماس، ما زالت واحدة موحّدة بقادتها وكوادرها وكتائبها وأنصارها”، مضيفًاً: “نحمد الله على هذه النعمة التي فقدها غيرنا”، في إشارة ضمنية إلى حركة فتح التي ينهكها الانقسام الداخلي والخلافات بين تياري محمود عباس ومحمد دحلان.
وأضاف الحيّة أنه “على الرغم من كل ما تعرضت له الحركة من اغتيالات لقادتها ومؤسسيها وحصار وحروب إلا أنها ما زالت متمسكة بمبادئها، وهدفها المتمثل بتحرير فلسطين باستخدام كافة الوسائل وعلى رأسها، المقاومة المسلحة”.
هذه التصريحات تأتي بعد كثير من الأنباء التي تحدثت بها مصادر داخل الحركة عن خلافات بين جناحي الداخل والخارج مؤخرًا، حيث حاول خالد مشعل – “الزعيم الروحي” الفعلي للحركة ورئيس مكتبها الحالي- نفي وجود خلافات بين قيادة الداخل والخارج في الحركة، وذكر أنه “يُسجل لحماس أنها الحركة الوحيدة التي لا يوجد بين قيادتها أي تباين أو خلاف في القضايا الاستراتيجية والكلية”. لكن مشعل استدرك نفسه خلال مقابلة مع قناة الجزيرة بثّت قبل يومين قائلًا: “الحركة عندما تكبر وعندما تكون بعدة ساحات في الداخل والخارج، وفي ظروف صعبة ومع تعدد زوايا النظر في غزة والضفة والخارج والسجون، هذا كله يخلق اختلافات وتباينات في الرأي بمسائل تفصيلية، كإدارة علاقات الحركة مع الدول، مثل إيران وغيرها، ولكن ليس لدينا اختلاف بالقضايا الكبيرة أو المحورية داخل الحركة، وليس لدينا دكتاتورية أو تعنّت باتخاذ القرار”.
العلاقة مع فتح.. هل تتحسن؟
شكّلت مشاركة وفد من حركة حماس، في افتتاح المؤتمر العام السابع لحركة فتح، الذي عقد في رام الله قبل أيام، منعطفاً إيجابيّاً في العلاقة بين الحركتين، حيث قوبل هذا الحضور بالترحيب من قيادات الحركتين، والذي سبقه أيضَا لقاءً جمع عبّاس ومشعل وهنيّة، في 27 تشرين الأوّل/أكتوبر في قطر، حيث ترعى الدوحة جولات المصالحة بين الحركتين. لكنّ هذا التقارب ليس مؤكّداً أنّه سيؤدّي إلى إنجاز المصالحة، خصوصاً أنّ الحركتين تسعيان منذ عام 2007، إلى تحقيقها عبر مبادرات ولقاءات، باءت كلّها بالفشل.
وعلى الرغم من التقارب الذي ظهر أخيراً بين حركتي فتح وحماس، إلّا أنّ غيوم الانقسام المتلبّدة منذ 9 سنوات تحتاج إلى فعل كبير على الأرض حتّى تنجلي، والأيّام المقبلة ستثبت قدرة الحركتين، ورغبتهما في فعل ذلك.
علاقات حماس الخارجية
يشير قادة حماس أنهم منذ نجاحهم في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، تمكنوا من الحفاظ على علاقات الحركة السياسية مع دول وشعوب المنطقة، من خلال عدم تدخل الحركة في شؤون الدول الداخلية، أو الاصطفاف مع هذا التيار أو ذاك، وهو بالطبع ما أخرجهم من سوريا، بعد احتضان دام لـ11 عامًا، كانت الحركة فيه مُنعمّة وتتلقى كامل الدعم اللوجستي والعسكري من النظام السوري وحليفه الأكبر إيران.
مصر
لكن من جهة أخرى فإن علاقة حماس مع دول ما كان يعرف سابقًا بـ”محور الاعتدال” ليست جيدة بشكل كبير، على الرغم من تأكيد قادتها مرارًا بعدم التدخل في شؤون هذه الدول، حيث ما زالت مصر ترفض تسوية العلاقات مع حماس وتتهمها بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، ودعم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل مصر بعد الانقلاب العسكري في أغسطس 2013 على يد المشير عبد الفتاح السيسي.
حماس: معنيون بتطوير العلاقات مع مصر وكل معطيات التاريخ والجغرافيا تدفع لأن تكون العلاقة طبيعية وجيدة
الحركة كانت قد نفت تلك الاتهامات بشدة، وعلى الرغم من تهدئة السعودية لهذا التشاحن إلا أن موقف مصر من حماس لم يقترن بشيء على الأرض، إذ ما يزال معبر رفح –والذي يعد المخرج الوحيد لقطاع غزة نحو العالم العربي- مغلقًا، وما تزال مصر تعتبر أن هناك علاقة وثيقة بين حماس والإخوان المسلمين وحتى “داعش” في سيناء.
إلا أن الحركة وفي محاولة جديدة منها لتحسين الأجواء مع القاهرة، قالت اليوم في بيان لها إنها “معنية بتطوير العلاقات مع جمهورية مصر العربية، مبينة أن كل معطيات التاريخ والجغرافيا تدفع لأن تكون العلاقة بين مصر وغزة علاقة طبيعية وجيدة”، مؤكدة في الوقت ذاته أن “فتح معبر رفح وإطلاق التبادل التجاري بين مصر والقطاع سيعزز من صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وسيفشل سياسة الابتزاز الإسرائيلي وسيحرم الاحتلال من ورقة ضغط على الفلسطينيين”.
دول الخليج
حاولت حركة حماس أن تخطو مجددًا نحو تحسين علاقتها مع المملكة العربية السعودية بعد وصول الملك سلمان لسدة الحكم، وذلك بمحاولات متعددة لإعادة الدفء للعلاقات عقب انقطاع دام ثلاث سنوات وفتور منذ أحداث يونيو/حزيران 2007، حينما اعتبرت السعودية أن حماس نكثت باتفاق مكة.
وبالرغم من ذلك، لا تزال علاقة الحركة هذه مع السعودية وبعض دول الخليج تعتبر فاترة، وتسير في خط ثابت، دول تقدّم أو تأخير، إلا أن الحركة تحظى بعلاقة سيئة على وجه الخصوص مع الإمارات العربية المتحدة، وهي التي كانت على الدوام ترفض تقريب الحركة، وما تزال تدعم خصمها محمد دحلان، وتهاجم كيان الإخوان الإسلامي في دول عربية عدة، على اعتبار أن حماس جزءًا منه.
الأردن
علاقة حماس بالأردن كانت قد تأثرت أيضًا خلال الأعوام الماضية بمدى تأثير حماس بها، فبعدما تولى الإخوان المسلمون في مصر وانفتحوا على تركيا انعكست العلاقة بشكل إيجابي جدًا مع حماس، حتى كادت تعيد الأردن فتح مكتب للحركة لديها، كثمرة لزيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشغل برفقة ولي العهد القطري الشيخ تميم آنذاك في 29 يناير 2012 لعمان ولقاء العاهل الأردني. ولكن تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، وتغير الموازين في سوريا لصالح الأسد، وتوتر في العلاقة ساد بين مصر وتركيا أوقف كل تقارب أردني مع حماس.
قطر
بعد اندلاع الثورة السورية غيرت الحركة رهانها على سوريا وإيران باتجاه قطر، ففي منتصف العام 2012 لم يكن هناك مسؤولاً واحدًا لحماس في دمشق بمن فيهم رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل متجهًا إلى الدوحة، حيث وفرت له ولرفاقه كل الاحتياجات المالية واللوجستية، وبقيت قطر منذ ذلك الوقت الحاضن الأكبر للحركة ورأس قيادتها.
دعمت قطر القضية الفلسطينية كثيرًا وبادرت لعقد اتفاق مصالحة بين المتخاصمين حماس وفتح، حيث دعت عباس ومشعل للدوحة في العام 2013 وأقنعت الطرفين بتوقيع اتفاق مصالحة ولكنه لم يطبق على الأرض. وبقيت قطر حتى هذا اليوم في دعم كل مواقف حماس مع الحفاظ مع علاقة دافئة مع السلطة الفلسطينية.
تركيا
لطالما دعمت تركيا حماس، وهي التي ما تزال تحتضن الكثير من كوادر الحركة بعد خروجهم من سوريا بعد الثورة في 2011، وكذلك مصر بعد الانقلاب العسكري في 2013، حيث تتمتّع حماس بعلاقة ممتازة مع الحكومة التركية، ربما تحسد عليها من خصومها في الساحة الفلسطينية وغيرها.
وبعد اتفاق تركيا والكيان الاسرائيلي على تطبيع العلاقات بين البلدين مؤخرًا، بعد خلاف استمر لمدة 6 أعوام بسبب الهجوم الاسرائيلي المسلح على “أسطول الحرية”، والذي راح ضحيته 10 من الناشطين الأتراك، عبرت حماس أنها تتطلع إلى مواصلة تركيا لدورها في دعم القضية الفلسطينية، وإنهاء الحصار بشكل كامل، علمًا أن الاتفاق الحاصل بين تركيا و”إسرائيل” يسمح لتركيا بجلب مساعدات الإغاثة إلى قطاع غزة، فضلًا عن الاستثمار في مشاريع تطوير في القطاع، والتي تتضمن المباني السكنية ومستشفى ومحطة للطاقة الكهربائية ومحطة لتصفية مياه الشرب.
حزب الله وإيران
علاقة الحركة بـ”حزب الله” اللبناني، والتي كانت قد توتّرت بشكل كبير بعد خروج “حماس” من سوريا وسوء علاقاتها مع النظام السوري في 2011، يبدو أنها ستسير نحو إعادة الدفء العام الحالي، وذلك بعد تأكيد عدة قيادات من حماس أن العلاقة مع إيران عادت لتتحسن مؤخرًا، وبالتالي هذا ينعكس على الحزب الذي لطالما كان حليفًا وداعمًا لحماس قبل الثورة السورية.
فقد نجحت جهود إعادة التواصل مع إيران بالفعل من خلال عودة زيارات قيادات الحركة إلى طهران بذريعة أن الحركة حريصة على علاقة جيدة مع جميع القوى والأطراف، وأن وفلسطين تجمع الكل وكذلك المقاومة.
وفي النهاية فإن حركة حماس ومن خلال ميثاقها تؤكد أن تحرير فلسطين لا بد أن يمر عبر تكامل ثلاث دوائر، هي الدائرة الفلسطينية والدائرة العربية والدائرة الإسلامية، ولمّا كان تواجد حماس في تلك الدول هو بحكم التواجد القسري للمهجرين الفلسطينيين؛ حيث أماكن اللجوء والهجرة الفلسطينية منذ عام 1948م؛ فإنها أولت اهتمامًا استراتيجيًا بتوثيق علاقتها بتلك الدول سياسيًا ودبلوماسيًا، إلا أن ظروف تلك الدوائر تختلف تارة وتتقارب معها تارة أخرى، وهذا ما يقوض حركة حماس في أحيان، ويعطيها الحرية أكثر في أحيان أخرى.
حماس ما بعد مشعل
بعد 20 عاماً من رئاسته للمكتب السياسي لحركة حماس وبخمس ولايات متتالية، سوف يترجل القائد الدبلوماسي صاحب الكاريزما الخاصة عن هذا المنصب، والذي كان طوال تلك المدة حريصًا على تطوير الحركة بأكبر قدر ممكن في الداخل والخارج، وقادة سفينتها بنجاح، بحسب الكثير من المراقبين.
مشعل الذي صرّح خلال ندوة في الدوحة مؤخرًا أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للمكتب السياسي للحركة، وأن حماس ستكون على موعد مع رئيس جديد مُنتخَب لمكتبها السياسي خلال عام 2017، يرى أن خروجه من عباءة المسؤولية الرسمية للمكتب السياسي سيمنحه فرصة أكبر وأوفى لخدمة الحركة والقضية الفلسطينية بشكل عام، وسيمنح التنظيم فرصة لتجديد الدماء وضخ قيادات حيوية قادرة على فهم الحاجات وتلبيتها بأفضل الطرق والوسائل.
لكن التكهن بالشخصيات المرشحة لخلافته في رئاسة المكتب السياسي ليس بالأمر اليسير، فحماس تُصر دومًا على السرية والكتمان في كل ما يخصها، معللة ذلك بأنها حركة تحرر ومقاومة وأي إفصاح عن قادتها أو تحركاتهم قد يُعرضهم لخطر الملاحقة الأمنية الإسرائيلية، فينتهي الأمر بهم إما شهداء أو أسرى. ولكن تفيد بعض التقارير الإعلامية أن د.موسى أبو مرزوق واسماعيل هنية، سيكونون أبرز المرشحين لهذا المنصب، فهل سيستطيعون إدارة الحركة بالشكل الذي أداره مشعل لها طوال السنوات الماضية؟ وما الذي سيتغيّر على الحركة ما بعد مشعل؟ الأيام القادمة ستفصح لنا ذلك.
ما مستقبل الحركة؟
لا شك أن الحركة تمر في مراحل صعبة من حيث العلاقات الخارجية مع الدول العربية والإقليمية، كذلك ما تزال تعاني الانقسام المستمر منذ 10 سنوات، بالرغم من كل محاولات تحسين تلك العلاقة. كما لا تزال الحركة التي تنقّلت بين بلدان عدة، وتلقت الدعم من أطراف عدة، تحاول المحافظة على مبادئها التي أسست عليها حتى اللحظة، كما يقول قياداتها.
الحركة ما تزال تعول على سلاحها وقوتها العسكرية التي تتمثل في كتائب القسام
الحركة والتي تتحمل إدارة قطاع غزة، ما زالت تعاني أيضًا من الحصار المفروض عليها وعلى الغزيين، الذين ذاقوا الأمرين، في الحروب الثلاثة الماضية، إلى جانب استمرار الحصار وتشديده عليهم، خصيصَا بعد تولي السيسي لزمام الحكم في مصر.
الحركة تقول وعلى لسان قياداتها إنها على ثقة في المستقبل القريب، وأن تعاملها بصبر وذكاء مع الجوار والإقليم معادلة النجاح لديها، وهي ما تزال تعول على سلاحها وقوتها العسكرية التي تتمثل في كتائب القسام، وعلى تطور قدراتها وترسانتها العسكرية، والتي أكد مشعل مؤخرًا أنها “أصبحت جيشًا كبيرًا لا يستهان به، وقوته تتعاظم يومًا بعد يوم”. فهل رهان الحركة على سلاحها وحده كافٍ لاستمراريتها وديمومة عمرها الذي قارب على الثلاثين؟ وهل ستنجح الحركة في الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيه بالحصار والانقسام وإدارة القطاع وغيرها من الملفات التي ما زالت تنتظر حلولًا ومفاتيح؟