أفرد وجماعات، شيبا وشباب، نساء ورجال، من داخل تونس وخارجها وجهوا بوصلتهم نحو محافظة القيروان التونسية (وسط)، منذ بداية ربيع الأنور إلى الآن للاحتفال بذكرى مولد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلّم.
ويمثل المولد النبوي الشريف مناسبة وقيمة دينية واجتماعية ترتبط بعادات وتقاليد الكثير من التونسيين، حيث يتمسكون بعاداتهم لإحياء هذه المناسبة. وتكون القيروان قبلتهم، فيتحوّل مقام “أبي زمعة البلوي” إلى مزار للوافدين والسكان المحليين والأجانب وتتلى السيرة النبوية في مسجد عقبة بن نافع أحد أقدم المعالم الإسلامية في تونس وشمال أفريقيا، ويحبب فيها مشاركة الأطفال، وتنظّم مسابقات حفظ القران.
تزين المدينة وتلبس أحلى حللها لاستقبال زوارها _ أحباء الرسول_ فتلألأت الأضواء من أزقتها ومساجدها
وتعود أهمية القيروان إلى دورها الاستراتيجي في الفتح الإسلامي، فمنها انطلقت حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنها رقاد لعدد من صحابة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلّم و يطلق عليها الفقهاء “رابعة الثلاث،” بعد مكة و المدينة المنورة و القدس.
خلال هذه الأيام من كل سنة تزين المدينة وتلبس أحلى حللها لاستقبال زوارها -أحباء الرسول- فتلألأت الأضواء من أزقتها ومساجدها. وشهدت القيروان ، مساء أمس، موكب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بجامع عقبة بن نافع يتقدمه الرئيس الباجي قايد السبسي وعدد من المسؤولين في البلاد.ففي تونس يحتل المولد مكانة كبيرة اذ يكاد يكون المناسبة الدينية الوحيدة التي تحرص الدولة وأركانها على إحيائها في طقوس ومراسم معلومة.
ويعد مسجد عقبة بن نافع من أهم المعالم الإسلامية عبر التاريخ. بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه. وفي عام 155 هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201 هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70 و122) مترا. ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية.
تعد مدينة القيروان في تونس مركز الاحتفالات بذكرى المولد النبوي، ويرجع ذلك إلى القيمة التاريخية لهذه المدينة التي تعد مصدر الثقافة الإسلامية في تونس، والتي شهدت أول احتفال للمولد النبوي في تاريخ تونس عام 1329هـ. ويكون الاحتفال عن طريق حلقات الذكر والإنشاد الديني والابتهالات.
تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام 34 هـ، 654 م، في غزوة ضد الجيوش البيزنطية
والقيروان، هي كلمة معرَّبة عن اللغة الفارسية وتعني المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش، وتتّفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقيّة بالموضع المعروف بالقرن على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القيروان، كما تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوي قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام 34 هـ، 654 م، في غزوة ضد الجيوش البيزنطية، في منطقة عين جلولة 30 كلم (غرب القيروان)”، فأُخذ ودُفن بموضع القيروان.
خلال هذه الايام، يتحوّل ساحة باب الجلادين (المطلة على المدينة العتيقة من الجهة الغربية)و جامع عقبة بن نافع و مقام “أبي زمعة البلوي” إلى مزار للوافدين والسكان المحليين. وتروي كتب التاريخ، أن المقام يحوي رفات الصحابي الجليل أبو زمعة عبيد بن أرقم البلوي، وتلفت الروايات إلى أن البلوي كان حلاق الرسول محمد، وأنه احتفظ بشعرات رأسه، وهي مدفونة معه.
تشير كتب التاريخ إلى أن تونس هي أول من شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 912 ميلادي، حيث تم الإعلان عن تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية
و تتفنن نساء القيروان في إعداد أكلة “العصيدة” (مصنوعة من سميد وزيت زيتون وعسل)، بنكهات مختلفة من الفواكه الجافة وتزيينها بحلويات الزينة. واعتاد المشرفين على مقام “أبي زمعة البلوي”، طبخ العصيدة التقليدية بمناسبة المولد النبوي لتقديمها إلى الضيوف، وليتبرك الزوار بهذا التقليد. وتنطلق من البيوت روائح البخور، كأحد أنواع الاحتفالات بهذه المناسبة.
وتشير كتب التاريخ إلى أن تونس هي أول من شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 912 ميلادي، حيث تم الإعلان عن تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية، وذلك قبل فتح الفاطميين لمصر عام 969 ميلادية وتأسيس القاهرة التي اتخذوها مركزا لنشر ثقافتهم وعاداتهم . ويؤكّد علماء التاريخ أنّ أوّل احتفال تونسيّ رسميّ بالمولد يرجع إلى العهد الحفصي وتحديدا في ظل عهد السلطان أبي فارس عبدالعزيز (1394م 1434م).