ترجمة وتحرير نون بوست
أصدرت مؤخرا صحيفة ناشيونال إنترست مقالا كُتب من قبل غوردن آدامس وريتشارد سوكولسكي تحت عنوان، “لا تدع سياسة ترامب الخارجية تحت توجيه القيادات في واشنطن”. ونوه هذين الصحفيين في مقالهما إلى أنه يجدر على الإدارة الجديدة، تجنب السير على منوال السياسات الخارجية التي توختها إدارة أوباما والتي كانت تحت وطأة تأثير رؤساء المنظمات غير الحكومية والمسؤولين السابقين في هياكل الدولة بالإضافة إلى الإعلاميين الذين ضغطوا على الإدارة السابقة لإتباع سياسة التدخل.
كل شيء، إلى الآن، يبدو جيدا. فمن الذي يريد أساسا إعادة السيناريو الفيتنامي أو العراقي؟ على ما يبدو أن هذين الكاتبين عند تحريرهما لهذا المقال لم يتطرقا فقط إلى مسألة وضع حد للتحويرات التي يمكن أن تطرأ على السياسة الأمريكية، والجهود المبذولة لتغيير النظام، بل ركزا أيضا على الدور الريادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في الأمن العالمي.
ووفقا للجوانب التي تناولاها في المقال، فإن الكاتبان يحثان على إحداث “تغيير ثوري” من شأنه أن يشكل منعرجا خطيرا في السياسة الأمريكية خاصة مع وجود سياسيين مثل دونالد ترامب، وبيرني ساندرز، وباراك أوباما. كما يشاطرهما الرأي العام نفس الموقف خاصة أمثال هيو وايت، وجوناثان روش، وجون ميرشايمر.
من ناحية أخرى، يكمن الخطر في عدم الالتزام بالدقة عند وصف السياسات التي انتقدها الكاتبان بشدة. ففي مختلف النقاط التي سلطا عليها الضوء، عكسا معارضتهما لسياسة توظيف القوة في “الإطاحة بالحكومات ومحاولة التأثير في تداعيات الحروب الأهلية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وقد كان من المرجح أن يكسب كل من آدامز وسوكولسكي (كاتبا المقال)، مزيدا من الدعم من قبل القيادات الأمريكية لو توقفا عند ذلك الحد لكنهما بدلا من ذلك، واصلا مساءلة وتحدي الركائز التي قامت عليها السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. وقد توجها إلى كل الذين يعارضانهما حول أن السياسة الأمريكية الخارجية لا تعدو أن تكون مجرد استعراض للعضلات العسكرية في التعامل مع المشاكل حول العالم”.
وقد فسرا بشكل أوضح أن الولايات المتحدة تؤمن “إيمانا قطعيا” بدورها الريادي وبالمسؤولية الملقاة على عاتقها “كأمة يجب عليها وضع خطط للأمن الإقليمي والعالمي للحفاظ على هيمنتها على بقية الأقطار من جهة والحرص على حفظ الأمن والسلام العالمي من جهة أخرى”.
لكن المهمات الأخيرة التي تصبو الولايات المتحدة إلى تحقيقها قد تم التعاطي معها بنوع من التهكم. كما أنها مختلفة تماما عن الكيفية التي عوملت بها بقية المسائل الأخرى ومن بينها سياسة الدولة الداخلية. لكن النقاط الأخيرة التي تحدثا عنها تعتبر بمثابة جوهر السياسة التي توختها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وهي التي كان لها الفضل في حفظ الأمن العالمي بعد الحربين العالميتين.
وتجدر الإشارة إلى أنه من خلال الخلط بين النقطتين الأولى والأخيرة، حاول الكاتبان الإلقاء بظلال نقائص سياسة التدخل الفاشلة والمكلفة وغير اللازمة على دورنا الريادي في المجتمع الدولي كمحافظين على الأمن والاستقرار العالمي وهو ما نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه بفضل قوتها.
إن السبب الذي يقف وراء الدور الريادي الذي تضطلع به سياسة الولايات المتحدة في قيادتها للمجتمع الدولي وتشكيلها للأمن العالمي، والإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، كان “لفرض الديمقراطية وحقوق الإنسان”. كل هذه الدوافع اجتمعت لترسم أبعاد السياسة الخارجية الأمريكية وهي التي عكست بدورها إيمان الولايات المتحدة بالمبادئ الليبرالية على مستويات دولية ومجتمعية نظرا إلى أن كليهما يكمل الآخر. وبالأحرى، فإن النظام الدولي السلمي يشجع المجتمعات الليبرالية، على غرار المجتمع الأوروبي، على تأييد هذا النظام والعمل به. لكن هذه الدوافع تظل منفصلة لأن نجاحنا سيظلّ يُنظر إليه من وجهات نظر مختلفة.
وتبعا لما أورده آدامز وسوكوفسكي في مقالهما، فإنه سيتم عرض جملة من الحالات التي تفادى الكاتبان التعرض إليها، والتي تتمثل في مساعدة الولايات المتحدة لمجموعة من الأمم على ردع وصد العدوان وذلك نظرا للمكانة التي تحتلها والدور الذي تضطلع به كمركز للأمن العالمي وقد كللت جميعها بالنجاح:
• برلين (مرتين)
• اليونان وتركيا
• حلف الناتو
• تحرير كوريا الجنوبية في يونيو/حزيران وتشرين الأول/أكتوبر سنة 1950
• الدفاع عن تايوان وكوريا الجنوبية على مدى عقود
• أزمة الصواريخ الكوبية
• حماية إسرائيل من الهزيمة والتدخل السوفيتي سنة 1973
• دفع الإتحاد السوفيتي إلى التراجع في أفغانستان، وإيران في العراق في فترة الثمانينات
• أمريكا الوسطى في الثمانينات
• “حرب الناقلات” ضد إيران
• الكويت
• منطقة حظر جوي فوق إقليم كردستان
• البوسنة
• كوسوفو
• ضد تنظيم القاعدة سابقا وتنظيم الدولة لاحقا
• أوكرانيا
• بحر الصين الجنوبي
إن جلّ هذه العمليات لم تستنفذ كل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتحقيق السلام. فقد كمّلت اتفاقيات الحد من التسلح، وقرارات الأمم المتحدة، ومشاورات حفظ السلام، والمساعدات الاقتصادية والعسكرية الموجهة للدول، هذه الإجراءات التي تتبعها الولايات المتحدة. لكن هذا لا ينفي أن الولايات المتحدة قد أخفقت في حل “القضايا الصعبة” وبالغت في استخدام القوة، في ثلاثينيات القرن الماضي.
في المقابل، فشلت أمريكا باستمرار (في عمليات التدخل التي قادتها في الجانب الغربي من العالم) والتي جدت عقب محاولات تغيير الأنظمة السياسية في الشعوب المسلحة ومحاولة بناء الدول والتدخل في الصراعات الداخلية:
• الحرب الأهلية الصينية
• مهاجمة النظام الكوري الشمالي، مما أثار التدخل الصيني
• خليج الخنازير
• فيتنام
• بيروت سنة 1983
• الصومال
• العراق
• أفغانستان
• ليبيا
في الواقع، تسببت هذه الإخفاقات في ارتفاع عدد العمليات الأمريكية العسكرية البرية وكبدتها خسائر فادحة بلغت 95 بالمائة، كما اعتُبرت تكاليفها العسكرية الأعلى من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية.
كما اتخذت الولايات المتحدة دور “شرطي” العالم من خلال دورها القيادي نظرا لأنها لطالما حظيت بدعم القانون الدولي ومساندة عدد كبير من حلفائها. كما عملت الولايات المتحدة في العديد من المناسبات، وبشكل كبير، من خلال الشركاء أو الوكلاء العالميين أو المحليين، وركزت العمليات العسكرية على القوات الجوية والبحرية بالإضافة إلى القوات البرية التي عادة ما لعبت دور “الرادع”. كما أن العمليات الوحيدة التي تعتبر ناجحة وواضحة وفعالة تمثلت في العمليات البرية التي قادتها القوات الأمريكية لتحرير كوريا الجنوبية والكويت.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم تشكل في أي وقت من الأوقات أي تهديد مباشر على أعدائها لأنها كانت تتبع سياسة دفاعية محدودة. في المقابل، انتهكت مغامرات التدخل التي خاضتها الولايات المتحدة العديد من هذه المبادئ.
في الحقيقة، يمكن لآدامز وسوكولسكي القول إنهما يعارضان سياسة التدخل أكثر من معارضتهما لبعثات إرساء النظام العالمي، ولكن ذلك لا يبدو جليا في مقالهما. فبالنسبة لهذين الكاتبين، من السهل مواصلة الانتقادات المشروعة للدوافع التي تقف وراء سياسة التدخل الأمريكية ولدورها الناجح في العالم. ولعل هذا ليس بالأمر الجديد على الساسة الأمريكيين إذ أن الرئيس أوباما نفسه قد واجه عدة صعوبات في التفريق بين هذين المفهومين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن قادة الدول في الشرق الأوسط وشرق آسيا وأوروبا كانوا يحثون أوباما على اتخاذ موقف، هم لم يحرضوه على إسقاط الدول، بل كانوا يتوقون إلى توفير حماية أفضل لما كان يدعى في يوم ما “بالعالم الحر”. وإذا كانت إدارة ترامب تنوي تعزيز سياسة الانغلاق، فإن العالم سيعود للحالة التي كان عليها في القرن التاسع عشر، التي لطالما دعا إليها كل من فلاديمير بوتين وشي جين بينغ.
المصدر: ناشونال إنترست