ترجمة وتحرير نون بوست
كتب: هيلينا سميث، كريم شاهين
تعهدت الحكومة التركية بالثأر لضحايا الهجوم المزدوج الذي جد ليلة السبت 10 كانون الأول/ ديسمبر، خارج أحد ملاعب كرة القدم باسطنبول والذي أسفر عن مقتل 38 شخصا وإصابة 160 آخرين.
وفي هذا السياق، قال مسؤولون إن التفجيرات التي هزت الأمة، التي لا تزال تكافح ضد نتائج الانقلاب الفاشل فضلا عن العديد من الهجمات التي استهدفت إسطنبول والعاصمة أنقرة هذه السنة، من المرجح أن تكون هذه مُدبّرة من قبل الأكراد الانفصاليين.
وفي هذا الصدد قال وزير الداخلية، سليمان صويلو، في الخطاب الذي ألقاه خلال المأتم الذي أقيم لخمس ضباط لقوا حتفهم في هذه التفجيرات، والذي عقد في مقر شرطة اسطنبول، إنه “عاجلا أم آجلا، سنثأر من المسؤولين عن هذا التفجير، ولن نترك دماءهم تذهب هدرا مهما كلفنا ذلك”.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم استعمال سيارتين مفخختين، محملتان بحوالي 300 كيلوغراما من المفجرات، بالإضافة إلى عبوة ناسفة، في هذا الانفجار الذي جد في حدود الساعة العاشرة والنصف مساء، يوم السبت الماضي في حي بشكتاش، أحد الأحياء التي تقع في الجانب الأوروبي.
كما أسفرت هذه الانفجارات عن مقتل سبعة مدنين و31 ضابط شرطة، حيث جدت بعد ساعتين من مغادرة المشجعين للملعب، الذي استضاف مباراة بين فريق بشكتاش وبورصا سبور.
وفي وصف للانفجار، صرح عمر يلماز، عامل النظافة في مسجد دولمة باهجة، الذي يقع في الشارع المقابل للملعب قائلا؛ “النار بلغت عنان السماء وكان الأمر أشبه بالجحيم. لقد كنت أحتسي كوبا من الشاي في المقهى المجاور للمسجد عندما حدث الانفجار… وقد احتمى الكثير من الناس تحت الطاولات، وشرعت النساء بالبكاء. أما المشجعون الذين كانوا يشربون الشاي، فقد اتخذوا من المقهى مأوى لهم. كما كان الأمر جد مروع”.
بعد ظهر يوم الأحد، عقد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان اجتماعا أمنيا طارئا في اسطنبول وذلك عقب زيارته للجرحى. وفي هذا الاجتماع، أكد الرئيس على إصراره على مكافحة الإرهاب، حيث قال إنه “لا ينبغي لأي أحد أن يشك في حربنا ضد الارهاب. نحن أصحاب هذه البلد ولن نُفسح المجال لهؤلاء الحثالة، الذين يبحثون عن بثّ الخوف فينا من خلال مثل هذه التفجيرات”.
ويُذكر أن تنظيم “صقور حرية كردستان”، تبنّى في بيان نشره على موقعه الالكتروني، هذا التفجير، مدعيا أن اثنين من أعضائه لقوا حتفهم أثناء تنفيذ الهجوم.
وقد جاء في نص البيان، العبارات التالية “لقد استشهد اثنين من رفاقنا بطريقة بطولية خلال هذا الهجوم”. كما صرح التنظيم أن “هذا الهجوم أتى على خلفية العنف الذي تسلطه الدولة على الأكراد في الجنوب الشرقي، بالإضافة إلى سجن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان”.
من جهة أخرى، أشار مسؤولون أتراك في وقت لاحق إلى أن “جميع المؤشرات الأولية تشير إلى ضلوع حزب العمال الكردستاني في هذه التفجيرات”. وفي هذا السياق، صرح نائب رئيس الوزراء، نعمان كورتولموش، أن “كل أصابع الاتهام موجهة إلى حزب العمال الكردستاني، ومن الجلي أنهم أحكموا التخطيط لهذه التفجيرات. وبمجرد أن ننهي التحقيقات سنُصدر بيانا نذكر فيه ما توصلت إليه الأبحاث. أما في الوقت الراهن، لا يمكننا أن نؤكد أي شيء”.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني هو تنظيم انفصالي يقاتل ضد الدولة التركية منذ عقود. كما أنه مدرج من قبل الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية، ومؤخرا نفّذ سلسلة من الهجمات في مناطق مختلفة في البلاد.
وقد تفاقمت حدة التوتر بين كل من الدولة وحزب العمال الكردستاني بشكل مطرد في السنة والنصف الماضية، خاصة بعد فشل محادثات السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، الذي اتهمته السلطات بإعادة التسلح سرا. وقد تلا ذلك فرض حظر للتجول والقتال في جنوب شرق تركيا ذو الأغلبية الكردية.
في الواقع، أنقرة قلقة إزاء الطموحات التي يسعى المقاتلون الأكراد تحقيقها على الحدود السورية، إذ انظم حزب العمال الكردستاني إلى وحدات حماية الشعب ليوسعوا نطاق الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، وذلك بدعم من الولايات المتحدة عن طريق الاستيلاء على المناطق التي سقطت في قبضة تنظيم الدولة.
كما دفعت هذه المخاوف تركيا، للتدخل عسكريا في الحرب السورية عن طريق إرسال قوات خاصة ودبابات لدعم المعارضة السورية في دحر تنظيم الدولة بالقرب من حدودها. وقد استطاعت المعارضة، بفضل المساعدة التركية، الاستيلاء على بلدية جرابلس الحدودية التي كانت تحت قبضة تنظيم الدولة. كما تقدمت جنوبا نحو الباب، وهي بلدة تقع شمالي حلب.
ومثّلت هذه الخطة حاجزا أمام مطامع الأكراد في السيطرة على الأراضي التي تقع في شمال سوريا. إلا أنها زادت من تفاقم الأوضاع مع الأكراد وحلفائهم الأمريكيين.
وفي الأسابيع الأخيرة، اعتقلت الحكومة التركية عددا من كبار البرلمانيين الأكراد بتهمة الترويج لحزب العمال الكردستاني، وهو ما يراه البعض السبب وراء فشل عملية السلام. ومن بين هؤلاءالمعتقلين؛ صلاح الدين دميرطاش، زعيم حزب “الشعوب الديمقراطي” الذي تحالف مع اليساريين، فضلا عن الشباب والناشطين الأكراد.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية، حزب الرئيس التركي، كان أول من بدأ في مفاوضات السلام السرية مع حزب العمال الكردستاني من خلال إزاحة الستار عن القيود المفروضة على اللغة الكردية، إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبح يميل نحو التحالف مع القوميين، الذين تبنوا موقفا متشددا من المفاوضات.
ومن المرجح أن يزيد التفجير الذي جد يوم السبت من حدة التوتر والمخاوف من حالة عدم الاستقرار التي عانت منها تركيا غداة محاولة الانقلاب الفاشلة التي جدت في تموز/ يوليو الماضي.
وفي هذا السياق، قالت وكالة الأناضول التابعة للحكومة، إن “رئيس الوزراء، بن علي يلدرم، أعلن يوم حداد، كما طالب برفع الأعلام في الجو وذلك إحياء لذكرى ضحايا الهجوم الأخير”.
المصدر: الغارديان