يختتم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم الجمعة الزيارة التي بدأها الثلاثاء إلى روسيا، وقال بأنها تدلّ على “عمق الصداقة والعلاقات الموجودة بين البلدَين منذ 60 سنة”، مشيرًا إلى أن الجزائر “وفية لهذه العلاقات”.
يمكن لهذه الزيارة أن تكون بوابة لطموحات مشتركة ستؤثر على خارطة التحالفات الدولية، فالجانبان يطمحان لأدوار إقليمية أكبر، ما من شأنه أن يثير حفيظة الدول الغربية التي تسعى إلى “تقليم أظافر” الروس والحدّ من نفوذهم، فضلًا عن المحافظة على مصالحهم في مناطق نفوذهم التاريخية.
الاقتصاد يطغى على الزيارة
طغى الجانب الاقتصادي على هذه الزيارة، وتجلّى ذلك في الاتفاقيات المبرمة بين البلدَين، خاصة “إعلان الشراكة العميقة” الذي سيعطي “آفاقًا جديدة خاصة بتنويع التعاون الاقتصادي، ليشمل مجالات متنوعة كالطاقة والزراعة والأمن السيبراني والتعليم والثقافة والسياحة”.
وتعكس هذه الاتفاقية التي جاءت باقتراح جزائري، حسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -تحيينًا لاتفاقية عام 2001 التي وقّعها بوتين والرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة-، الرغبة في الاستجابة للتطور السريع للعلاقات الوثيقة بين البلدَين في جميع المجالات.
اعتماد إعلان الشراكة العميقة سيكون بداية لمرحلة جديدة أكثر تطورًا في العلاقات الثنائية بين البلدَين، وفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال إن الجزائر “شريك مهم جدًّا لروسيا على المستوى الاقتصادي”، وأن هذا البلد يحمل “أهمية خاصة بالنسبة إلى روسيا ذات طبيعة استراتيجية”.
بدوره، جدّد الرئيس تبون دعوته إلى المتعاملين الاقتصاديين الروس لـ”الاستثمار في الجزائر التي تتوفر اليوم على بيئة استثمارية ملائمة، بفضل الإجراءات التحفيزية والامتيازات التي يتضمنها القانون الجديد للاستثمار”، وفق قوله.
يُذكر أن القانون الجديد للاستثمار في الجزائر، فتح شهية المتعاملين الاقتصاديين بالداخل والخارج، حيث أكّدت مؤخرًا منظمات أرباب العمل للصحافة المحلية وجود أكثر من 100 طلب استثمار أجنبي على طاولة السلطات الجزائرية، مقابل إبداء 1200 متعامل أجنبي نيتهم في دخول السوق الجزائرية.
ركّز تبون في هذه الزيارة على مسألة الانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تشكّل روسيا أحد أهم أعضائها.
أشار تبون إلى “اعتماد خارطة طريق طموحة للتعاون الثنائي، ترمي إلى الاستفادة من أوجه التكامل الاقتصادي بين البلدَين”، ذلك أن تبون يريد أن تُخرج هذه الاتفاقية الجديدة العلاقات الجزائرية الروسية من مربع التعاون العسكري الذي هيمن عليها منذ الستينيات، إلى المجالات الاقتصادية والتجارية وقطاعات حيوية أخرى.
وتشير بيانات جزائرية رسمية إلى أن البلاد تعتبر ثاني شريك تجاري لروسيا في القارة الأفريقية، بحجم مبادلات قارب 3 مليارات دولار في عام 2021، لكن أغلب الصفقات تخصّ الجانب العسكري والميزان التجاري لصالح روسيا.
ويسعى الجانب الجزائري إلى تنويع التعاملات الاقتصادية مع روسيا وألا تقتصر على الأسلحة فقط، وبحسب تقرير معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام، الصادر في مارس/ آذار 2023، تعدّ الجزائر ثالث مستورد عالمي للسلاح الروسي بعد الهند والصين، فيما تعتبر موسكو أول مموّل للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50%.
أبرز المجالات التي تركّز عليها الجزائر ملف الطاقة في ظلّ الشراكة المميزة بين شركتَي “غازبروم” الروسية و”سوناطراك” الجزائرية، وانتماء البلدين إلى تحالف “أوبك +” الذي انطلقت لبنته الأولى في اجتماع سبتمبر/ أيلول 2016 بالجزائر العاصمة، وضمَّ حينها أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” ومنتجين من خارجها على رأسهم موسكو.
انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”
فضلًا عن تطوير العلاقات الاقتصادية مع موسكو مباشرة، ركّز تبون في هذه الزيارة على مسألة الانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تشكّل روسيا أحد أهم أعضائها، وتأمل الجزائر في أن تكون روسيا دافعًا قويًّا لانضمامها إلى هذه المجموعة الاقتصادية.
وشكر الرئيس الجزائري روسيا على دعمها طلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وقال في هذا الشأن: “نحن متفقون بشأن الوضع الدولي المضطرب جدًّا، ولذا نريد التعجيل بانضمامنا إلى تجمع “بريكس” لما فيه من فائدة كبيرة لاقتصادنا”.
فخامة 🔥🇩🇿🫡#الجزائر #روسيا #تبون pic.twitter.com/nLPwVqxVUm
— Dihya 🇩🇿ⵣ (@dihya_mes) June 15, 2023
بدوره، تحدث وزير الخارجية الروسي عن قضية انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، مبيّنًا أن هناك عدة دول تقدمت بالطلب نفسه، وأوضح لافروف أن “الجزائر بالتأكيد وفقًا لمميزاتها وخصائصها كافة تحتل الصدارة في قائمة المتقدمين”.
وسبق أن تقدّمت الجزائر بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم أبرز الاقتصادات الصاعدة، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومنتدى “بريكس” هو منظمة دولية مستقلة، يقول أعضاؤها إنهم يشجّعون على التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي فيما بينهم، وتمثل دول “بريكس” 40% من مساحة العالم، وتسهم بربع إجمالي الناتج المحلي العالمي، بينما يبلغ عدد سكانها نحو 40% من سكان العالم.
وتعمل الجزائر جاهدة لكسب التأييد للانضمام إلى هذه المجموعة، لما في هذه الخطوة من آفاق اقتصادية إقليمية ودولية مهمة، وسبق أن قال تبون في أبريل/ نيسان الماضي في تصريحات لقناة “الجزيرة” القطرية، إن انضمام بلاده إلى التكتُّل خطوة ستساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني.
ويرى قصر المرادية أن الانضمام إلى هذه المجموعة له أن يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، وجلب رؤوس أموال أجنبية للبلاد، والمساعدة على تطوير قطاع الخدمات، إلى جانب المساهمة في خفض اعتماد الجزائر على المحروقات كمصدر أساسي للدخل القومي.
الرئيس تبون: شكرنا الرئيس #بوتين على دعم #روسيا لترشح #الجزائر للانضمام إلى #بريكس pic.twitter.com/JGLLhIAj1H
— AL24news – قناة الجزائر الدولية (@AL24newschannel) June 15, 2023
من شأن الانضمام إلى مجموعة “بريكس” أن يسمح للجزائر أيضًا بالعودة بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، ومساعدتها في الخروج من عزلتها، فمنذ وصوله إلى كرسي الرئاسة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، يحاول الرئيس تبون إعادة بوصلة دبلوماسية بلاده إلى مكانها المعهود، والخروج من الانطواء والعزلة اللذين عُرفت بهما البلاد في العقود الأخيرة.
لكن هناك شروطًا مهمة على الجزائر أن تحقّقها قبل الانضمام إلى هذه المجموعة، أبرزها تسجيل نسبة نمو اقتصادي تفوق 5%، ورفع الناتج المحلي إلى 200 مليار دولار، وهو ما يمكن أن يتحقق خلال السنة المقبلة، في ظلّ التحولات المهمة التي يعرفها الاقتصاد الجزائري.
الخروج من سيطرة الدولار واليورو
هناك نقطة أخرى تحدّث عنها الإعلام الروسي وركّز عليها كثيرًا في هذه الزيارة، وهي مسألة الخروج من عباءة الدولار، إذ نقل الروس عن الرئيس الجزائري رغبة بلاده في الخروج من سيطرة الدولار واليورو، وهو الأمر الذي تسعى إليه موسكو وبكين منذ فترة.
ففي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عقوبات اقتصادية على روسيا ردًّا على حربها على أوكرانيا، تعاونت موسكو وبكين لتقليل الاعتماد على الدولار وإقامة تعاون بين نظاميهما الماليَّين.
ترى موسكو في الجزائر مصدرًا مهمًّا لتمويل آلة الحرب في أوكرانيا.
قبل أشهر، صرّح رئيس أمانة منتدى الشراكة الروسية الأفريقية، أوليغ أزوروف، أن موسكو تتفاوض مع عديد من البلدان الأفريقية بشأن التجارة بالعملات الوطنية، وقال إنها عملية تتطلب اتخاذ قرارات من الأطراف المعنية، ويمكن أن تكون الجزائر إحدى تلك الدول.
وتأمل كلّ من روسيا والجزائر إلى الانفكاك من تحكم الدولار واليورو، وبالتالي البحث عن بدائل لا تتحكم فيها الولايات المتحدة والدول الغربية بصفة عامة، وإلى عالم تتعدد فيه الأقطاب، ما يجعلهما تتبنّيان التوجُّه نفسه الساعي لخلق نظام تدرج فيه عملات أخرى غير الدولار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تسهيل المعاملات التجارية الثنائية باستخدام العملات المحلية بدلًا من الاعتماد على الدولار.
مصالح روسية
تأمل الجزائر أن تستفيد دبلوماسيًّا من هذه الزيارة في ظلّ المتغيرات الكثيرة التي تشهدها المنطقة العربية وأفريقيا، وأن تؤكد من خلالها قدرتها على نسج تحالفات استراتيجية، بعيدًا عن الدول الغربية التي ما فتئت تستفزها وتسعى لمقايضتها وابتزازها.
لكن للروس أهدافًا كثيرة من هذه الزيارة أيضًا، فحفاوة الاستقبال التي حظيَ بها تبون في موسكو، تؤكد أهمية هذه الزيارة للكرملين الساعي إلى تثبيت أقدامه في أفريقيا، ويرى في الجزائر المفتاح لذلك، لما لها من مكانة كبرى في القارة الأفريقية.
“الشعب الجزائري البطل”.. بوتين يتحدث عن العلاقات بين روسيا والجزائر خلال لقاءه بالرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الكرملين!#بوتين #الجزائر #فيديو #عبدالمجيد_تبون #تبون #تريند #ريلز #اكسبلور pic.twitter.com/jw8XZXWjbf
— RT Online (@RTonline_ar) June 15, 2023
كما أن نسج علاقات مهمة مع الجزائر يمثل رسالة قوية للغرب، فهذه الدولة العربية تعتبر امتدادًا تاريخيًّا للدول الغربية، ما يعني أن موسكو استطاعت جلب الجزائريين إلى صفّها، وتوجيه “ضربة” للغرب، وظهر ذلك في رفض الدبلوماسيين الجزائريين الانضمام إلى جانب الولايات المتحدة وإدانة موسكو في جلسة الأمم المتحدة التي انعقدت في مارس/ آذار 2022، في علاقة بالحرب في أوكرانيا.
فضلًا عن تعزيز مكانتها في أفريقيا، ترى موسكو في الجزائر مصدرًا مهمًّا لتمويل آلة الحرب في أوكرانيا، فالصفقات التجارية بين الطرفَين لها أن تدعم الاقتصاد الروسي الذي يعاني نتيجة الحرب والعقوبات الغربية المتتالية.