من جديد عاد ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية يتصدر المشهد السياسي، بعد خفوت ضوء هذا الملف “الشائك والمعقد” لعدة شهور نتيجة فشل اللقاء الأخير الذي جرى في العاصمة القطرية الدوحة بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، ولم يتوصل الجانبان لأي نتيجة.
“الملف الأسود” حسب ما يفضل أن يطلق عليه الفلسطينيين، ستُفتح أوراقه مجددا ًوتوضع على طاولة النقاش والحوار الوطني، علهم هذه المرة ينجحوا في إحراز أي تقدم ينعش آمال الفلسطينيين التي أصابها الإحباط لأكثر من 10 سنوات متواصلة، وجعلهم ينتظرون كثيراً الوحدة التي طال غيباها.
أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كشف عن لقاء مرتقب سيجمع بين حركتي “حماس وفتح” في العاصمة السويسرية “جنيف” خلال شهر ديسمبر الجاري، لمناقشة ملف المصالحة الداخلية العالق.
لقاء جديد.. أمل جديد
وأكد مجدلاني، في تصريح خاص لـ”نون بوست”، أن اللقاء الذي ترعاه مؤسسة فلسطينية “مسارات”، سيبحث بشكل أساسي ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، وسبل تحريكها من جديد، والتباحث في كيفية تذليل العقبات التي تعترض طريق الوحدة الوطنية.
وأشار إلى أن اللقاء سيحضره العديد من الشخصيات الفلسطينية والوطنية وممثلين عن الفصائل والقوى الوطنية، موضحاً أن الهدف الأساسي هو إعادة تحريك وتفعيل لقاءات الحوار الوطني الداخلية.
وذكر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن هذا اللقاء ليس الأول الذي تكون سويسرا مشرفة عليه، حيث أن جنيف قدمت الورقة السويسرية التي اختصت بملف موظفي قطاع غزة الذي عينتهم حركة حماس بعد وصولها للحكم.
وكشف أن الملفات التي سيتناولها اللقاء ” ملف المصالحة بشكل كامل، والإشكاليات العالقة، إضافة إلى وضع تصور ورؤية شاملة تجمع الكل الفلسطيني”، لافتاً إلى أن سويسرا بلد يتميز بالاستقلالية والحيادية، وليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وتسعى دائماً أن تكون متوازنة في سياستها الخارجية، لذلك ليس مستغربًا أن ترعى جولات المصالحة الفلسطينية، أو أن تقدم حلولًا فيما يتعلق بملفات مماثلة.
وعلم “نون بوست” أن وفدين من حركتي “فتح وحماس”، إلى جانب ممثلين عن الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية، وشخصيات مستقلة ،سيشاركون في لقاء حواري جامع، تحت رعاية، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية “مسارات”.و أن وفد حركة “حماس” يضم عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، ومسئول العلاقات الدولية في الحركة أسامة حمدان، فيما سيمثل حركة “فتح” مسئول ملف المصالحة فيها عزام الأحمد، وعضو اللجنة المركزية محمد اشتيه وصخر بسيسو عضو المركزية السابق”.
ويشار إلى أن سويسرا تدخل مرة جديدة على خط المصالحة الفلسطينية، في محاولة لإيجاد حلول لبعض القضايا العالقة بين “فتح وحماس” وأبرزها قضية موظفي قطاع غزة، إذ تنوي عقد ملتقى يناقش هذه الأزمة، استكمالا لدورها في 2014 حين طرحت ما عرف بـ”الورقة السويسرية” لحل هذه القضية العالقة.
إنعاش جديد للمصالحة
من جانبه، قال هاني المصري، المدير العام للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، إن :”المركز سوف ينظم لقاء حواريًا غير رسمي في جنيف قريبًا حول “الوحدة الوطنية والتحديات الراهنة”، بمشاركة عدد من قادة الفصائل الفلسطينية والشخصيات المستقلة”، منوهًا إلى أن هذا اللقاء يندرج في سياق سلسلة من اللقاءات وورشات العمل التي نظمها “مسارات” ضمن جهوده كمركز مستقل مختص بالتفكير الإستراتيجي لطرح اقتراحات وتصورات داعمة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.
وأوضح المصري، أن المركز سبق أن نظم لقاءات غير رسمية مماثلة، شارك في بعضها قادة من الصف الأول في الفصائل الوطنية والإسلامية، واحتضنت القاهرة معظمها، إلى جانب لقاءات وورشات في لبنان والأردن والإمارات والمغرب وتركيا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة وقبرص، وعشرات اللقاءات والورشات في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48، وأسهمت مخرجاتها في بلورة العديد من الوثائق، آخرها وثيقة الوحدة الوطنية التي طرحت للنقاش العام خلال هذا العام.
واعتبر أن اللقاء الحواري القادم في جنيف يندرج في السياق ذاته، وتقوم سويسرا مشكورة بدور الميسّر وتوفير المكان لهذا اللقاء، دون تدخل في أجندته ومجرياته، التي تركز على إثارة حوار مفتوح حول العنوان المحدد للقاء، واقتراح وتطوير حلول وسياسات لمعالجة العقبات أمام استعادة الوحدة الوطنية، وتطبيق اتفاق القاهرة، ونقاش واقتراح آليات محددة لتطبيق الحلول المقترحة التي يمكن أن يتوصل إليها المشاركون في الحوار.
وسبق أن حاولت دولة قطر إحياء ملف المصالحة من خلال استضافة الرئيس محمود عباس في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، وجمعه برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل ونائبه إسماعيل هنية لخلق حوار جديد حول المصالحة، إلا أن عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق أكد أن هذا الحوار الذي لم يستمر أكثر من يوم واحد، توقّف سريعاً بسبب إصرار محمود عباس على شروطه.
وقال أبو مرزوق: “ما يريده أبو مازن من المصالحة أربع نقاط: (أولاً) حكومة وحدة وطنية تلتزم ببرنامج منظّمة التحرير، وهذا لم يكن في أيّ لحظة موضع اتفاق (بين حماس وفتح)، بل هو أصل المشكلة، (ثانياً) لا اجتماع للمجلس التشريعيّ والذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية (مباشرةً)، (ثالثاً) لا ذكر لعقد انتخابات المجلس الوطنيّ الفلسطيني، وهذا مخالف لكلّ ما توافقنا عليه أيضاً في اتفاق الشاطئ في إبريل 2014. (رابعاً) لم يأت (عباس) على ذكر عقد الإطار القياديّ المؤقت لمنظّمة التحرير. وبالتّالي، توقّفت كلّ الجهود لتحقيق المصالحة”.
مضيعة للوقت
بدوره، قال النائب في المجلس التشريعي، حسن خريشة، إن:” وزراء خارجية بعض الدول العربية والإسلامية بما فيهم رئيس وزراء مصر وماليزيا ووزير خارجية تركيا، اجتمعوا في غزه المحررة والمحاصرة أثناء الحرب، متسائلاً “أليس ممكنا أن تعقد بها اجتماعات ما يسمى بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة؟”.
وكتب خريشة، عبر صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، “عقدت لقاءات كثيرة وتحت عنوان المصالحة في كثير من العواصم بدأت بمكة ومرت بالقاهرة وقطر والإمارات واليمن وتونس وحتى السنغال، وآخرها في الشاطئ، ومع ذلك فشل المجتمعين لأسباب يعرفها المواطن العادي ويعرفها المتحاورين أنفسهم”.
وأضاف خريشة، “اليوم الحديث عن جنيف، هل هم بصدد رحله ترفيهية سياحية في وقت تساقط الثلوج، أنا أرى أن ذلك استخفاف واستهبال لعقول وإدراك الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، فرام الله ممكنه وغزه ممكنة وكذلك أي قرية فلسطينية ومخيم، فالقيادات الحمساوية والفتحاوية موجودة في كل مخيم وقرية ومدينة” .
وتساءل خريشة فإذا لم تستطيعوا فعل ذلك في الوطن وبين أهليكم فهل تفعلوها في سويسرا، مؤكدًا أن “المصالحة فقط بحاجة لقرار وإرادة وجدية وما عدا ذلك يعتبر بمثابة تضييع للوقت وضحك على اللحى. الرحمة لأبناء شعبنا .. وعمار يا وطن”.
وجرى بين حماس وفتح عدة اتفاقات لإنهاء الانقسام الفلسطيني، أبرزها: اتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014. إلا أن خلافات كبيرة منعت إنفاذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين في قضايا مهمة، أهمها: عدم تسليم حماس إدارة معابر قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وعدم صرف هذه الحكومة رواتب موظفي غزة، وعدم قيام الرئيس محمود عباس بتحديد موعد لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويأمل الفلسطينيون في أن تحمل اللقاءات الجديدة للمصالحة، خطوات جادة وحقيقية لإنهاء الانقسام، بما يقود إلى ترتيب البيت الداخلي والتخلص من مشكلاته الداخلية من أجل التفرغ لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي المستمر.