“إذا أردنا أن يكون هذا العالم مكانًا أفضل، علينا جميعًا أن نتوقف عن الحديث عن التغيير، ونبدأ به بالفعل، حان الوقت لكي نعمل على أفكارنا ونخدم بها المجتمع”
هذا ما كانت تهدف إليه قمة التغيير المجتمعي “Social Impact Summit” التي قام على تنظيمها مجموعة العمل التطوعي “Istanbul&I” بين يومي التاسع والعاشر من ديسمبر/ كانون الأول، بدعم من القنصلية الأمريكية بإسطنبول، لتكون تلك القمة هي أول قمة للتأثير المجتمعي منظمة من قبل فريق تطوعي بالكامل يهدف إلى فكرة نبيلة، ألا وهي التأثير في المجتمع.
أدركت مجموعة “Istanbul&I” الدور المتأخر للحكومات المختلفة وكذلك للساسة في التغيير المجتمعي، ومع اتساع الفجوة ما بين طبقات المجتمع المختلفة بزيادة تهميش الكثير من الفئات، كان على منظمات ومجتمعات العمل المدني التدخل لملأ تلك الفجوة، ولكن يجب عليها في البداية تأسس أفرادها وتعزيزهم بمهارات كيفية الاندماج مع المجتمع وبالأخص المجتمعات المهمشة منه أو المحتاجة، بالإضافة إلى تدريبهم على مهارات القيادة ليكونوا أفرادًا مسئولين عن تأثيرهم المباشر على المجموعات الأخرى.
مجموعة من الفريق القائم على تنظيم القمة من اليمين آنو من منغوليا، طلال من سوريا، إيمان من إثيوبيا، ولويس من إنجلترا
شارك في قمة التغيير المجتمعي ما يقارب المائة مشارك من جميع بلاد العالم، لتتميز تلك القمة عن كل ما شابهها من قبل في جمع العديد من الشباب التي تترواح أعمارهم ما بين الـ18 عام و الثلاثون، من مختلف أنحاء العالم، فترى من أتي من أوروبا ومن شرق آسيا، وكذلك الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى إفريقيا التي كانت حاضرة من شمالها وحتى جنوبها بمشاركين مميزين.
“قمة مغيري العالم”، هكذا كان وصف القمة من قبل القائمين عليها، أو على الأقل هكذا يرون أنفسهم، فعلى الرغم من أن “تغيير العالم” هو مصطلح تقليدي يستغله الناس لأنه يبدو حماسيًا فقط، إلا أنه لا يصبح تقليديًا إذا ما اقترن بالفعل، حيث كانت القمة بمثابة الفرصة الذهبية لكل من يملك فكرة خاصة بالعمل المدني لم يتسنى لها الظهور علي الساحة من قبل ولم تتبناها أية مؤسسة.
قامت القمة بتوفير المشاركين مجموعة ذهبية وكبيرة من المستشارين في جميع المجالات المختلفة، منهم المصورين والكتاب، وعلماء النفس، ومنتجي الفيديوهات في القنوات الإخبارية الكبرى، وغيرهم من ناشطي حقوق الإنسان وأساتذة الجامعات، من أجل عقد جلسة امتدت لساعتين من التدريب في المجالات المختلفة بين المستشارين، لتكون فرصة لكل من كانت لديه فكرة من قبل المشاركين على عرضها لهم، ليقوم المستشار “Mentor” بتوجيهه للخطوات الواجب اتباعها، ويدعمه بالخبرة في عرض فكرته أمام لجنة من الحكام قامت القمة على تنظيمها في نهاية البرنامج.
عرض 7 من المشاركين مشاريعهم وأحلامهم على اللجنة، التي كان دورها تحديد المشروع الأكثر أهمية وتأثيرًا في المجتمع، لمنحه الدعم المالي من كل من القنصلية الأمريكية وجامعة سابانجي في تركيا، وهو ما أتاح للعديد من المشاركين على العمل معًا في مشاريع مشتركة، ليجدوا أنفسهم يملكون نفس الفكرة التي يحلم بها غيرهم، ويقوموا بتشكيل فريق يعمل سويًا على خطة مبدأية لعرضها على لجنة التحكيم.
فقرة عرض المشاريع على لجنة التحكيم
من كان في قمة التغيير المجتمعي من المستشارين “Mentors”؟
كانت “لورين سميك” من بين المستشارين في قمة التغيير المجتمعي، تعمل على توظيف الجماعات الجديدة القادمة من اللاجئين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعمل “لورين” على مساعدة اللاجئين على التكييف في المجتمعات التي وصلوا إليها، بالإضافة إلى تدريبهم على كيفية الانخراط في بيئة العمل في تلك المجتمعات.
إيرديم إيرجان، وهو صاحب فكرة منظمة “Hayatin Ritmi” التركية التي تقوم بورش عمل للتدريب على الذكاء العاطفي “Emotional Intelligence” والتحكم في لغة الجسد، كما قام بتدريب المشاركين في القمة في ورشة “الصحة العقلية” على كيفية استخدام قدراتهم ومواهبهم في التغيير المجتمعي.
أحمد ديب، فلسطيني مقيم في تركيا، بعد أن تخرج من قسم الإذاعة والتلفزيون وقام بدراسات عليا في مجال التصوير الوثائقي، بدأ يعمل مصور في مناطق الحروب والنزاعات، قام بتغطية الأحداث الجارية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عام 2008، كما قام بتغطية الثورة المصرية بالإضافة إلى تغطيته الحرب في سوريا، قام بعرض جلسة عن مدى تأثير الصورة في المجتمع وفي سياسات دول بأكملها من خلال أعماله.
فرانكا سويريا مديرة العلاقات الدولية في “مودانيسا” Modanisa، وهو الموقع التجاري للأزياء الذي يحظى بزيارة 6 مليون زائر شهريًا، والمصنف رقم واحد على قائمة أفضل المواقع للتجارة الإلكترونية في مجال الأزياء المحتشمة، كما أنها أحد المؤسسين الرئيسين لأول عرض عالمي للأزياء المحتشمة، الذي أُقيم في إسطنبول ما بين 13-14 شهر مايو/ آيار الماضي.
اعتمدت القمة بشكل أساسي على فريق كامل من المستشارين في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية وكذلك الإنسانية، لتكون نتيجة لقاء المشاركين مع المستشارين مبهرة بحق وقت عرض المشاريع المطروحة من قبل الشباب، فكان منها ما يحلم بصنع تطبيق على الهاتف خاص بمساعدة اللاجئين في توفير احتياجاتهم المختلفة سواء الغذائية أو التعليمية، وكان منها من يهدف بتوصيل صوت اللاجئين في البلاد المختلفة ضد لغة الكراهية المستخدمة ضدهم بعد أزمتهم الأخيرة، ليفوز مشروع واحد من بين كل المعروضين في النهاية.
فاز مشروع “storytelling” أو قصّ الحكايا بالمرتبة الأولي بعد تقييم لجنة التحكيم، قدمته فتاتان إحداهما مغربية والأخرى من نيجريا، فكان مشروعًا يهدف إلى توصيل أصوات كل من تعرض للإهانة أو العنصرية أو القهر أو الاستغلال من جميع الفئات سواء كانوا الأطفال أو النساء أو الرجال من خلال مجموعة من الصور أو الفيديوهات، في محاولة لمساعدتهم على تخطي الصدمة التي مروا بها، ومن جهة أخرى زيادة الوعي المجتمعي بما يدور فيه من أمراض مجتمعية تقضي عليه من الداخل.
الفريق الفائز، على اليمين رقية من نيجريا بجوارها فاطمة الزهراء من المغرب
حظيت القمة بجو متكامل من التكافل والتعاون والاحترام، وكان انطباع المشاركين عنها بأنها من أكثر الأحداث التي جعلتهم أكثر قربًا من أحلامهم، فبعد أن وجدوا أن العالم ليس بهذا السوء الذي كانوا يرونه، أصبح لديهم أملًا بأن هناك من يشاركهم حلمهم في تغيير العالم، وأنهم لا يسيرون ضد التيار وحدهم، حيث عبر أحد الحاضرين من إندونيسيا بعبارة مؤثرة حينما سُئل عن انطباعه عن القمة قائلًا: أتمنى لو يأتي شهداء الحروب والصراعات والثورات الان ليشاهدوا بأننا لا نريد أن يكون العالم بهذا السوء الذي هو عليه!