سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مدينة تدمر السورية، بعد اشتباكات عنيفة سارت على مدى 3 أيام مع الجيش السوري النظامي، بدعم روسي، لكن كيف سقطت تدمر برغم سيطرة النظام السوري عليها الذي يتقدم حاليا في جبهات سورية أخرى مثل حلب؟
بدأ هجوم تنظيم الدولة على المدينة يوم الجمعة الماضي، بتفجير عدد من السيارات المفخخة بمنطقة الصوامع التي بفصلها حوالي 10 كيلومترات عن مدينة تدمر، لتسيطر بعدها داعش على 3 حواجز بالصوامع، ثم ضاحية العاميرية، جبل الطار، جبل هايل، وهي مناطق قريبة من المدينة.
وكانت صحف تابعة لنظام الأسد قبل ذلك بأيام أعلنت أن الروس أخلو قواعد عسكرية منذ أشهر في هذه المنطقة، مع الإكتفاء بوجود المقاتلات والطائرات الروسية، عقب سيطرة النظام السوري على المدينة، بينما توجهت قوات كبيرة من المليشيات وقوات النظام للمشاركة في المعارك بحلب ضد فصائل المعارضة المسلحة.
وبحسب الرواية النظامية لسقوط المدينة فإن الجنود الروس قاموا بتفجيرقاعدة روسية بتدمر، مما سبب هلع للمدنيين ظنًا منهم بأن تنظيم الدولة دخل إلى المدينة، كما قامت قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني بالإنتشار حول المدينة، مما ولد فراغًا استغله تنظيم داعش ليسيطر على أجزاء من المدينة.
صحف تابعة لنظام الأسد قبل ذلك بأيام أعلنت أن الروس أخلو قواعد عسكرية منذ أشهر في هذه المنطقة، مع الإكتفاء بوجود المقاتلات والطائرات الروسية
ولكن داعش انسحبت، صباح السبت، بعد حملات القصف التي شنتها روسيا، إلى أن عاد التنظيم ونظم صفوفه وهاجم تدمر مرة أخرى، بعد غياب الدعم الجوي الروسي، وهو الأمر الذي أهله لإعادة السيطرة على جبل الطار وجبل هايل وضاحية العامرية والقلعة الأثرية، حتى سيطر تمامًا على المدينة.
الرواية الروسية تلقي باللوم على الولايات المتحدة
صرح دميتري بيسكوف، المتحدث الإعلامي باسم الرئيس الروسي، أمس الاثنين إن التنسيق الفعلي للعمليات العسكرية والتعاون مع دول أخرى، وبالدرجة الأولى الولايات المتحدة، كان من شأنه أن يسمح لكافة الأطراف بالحيلولة دون وقوع مثل هذه الهجمات “يقصد سقوط تدمر”، لكن واشنطن ترفض حتى إطلاق التعاون مع روسيا بحسب وصفه.
وأضاف أن هجوم تنظيم الدولة على تدمر يدل مرة أخرى على حجم الخطر الهائل الذي يمثله “داعش”. مؤكدًا أن روسيا ستواصل دعم نظام الأسد فيما أسماه في “محاربة الإرهاب”.
بيسكوف يرى أن عملية دفع مجموعات كبيرة من مقاتلي تنظيم الدولة على الخروج من العراق بعد معركة الموصل باتجاه سوريا، يتيح لهم إنشاء تشكيلات ومجموعات كبيرة نسبيًا في الأراضي السورية، والبدء بشن هجمات.
واستطرد قائلا: “تدمر مدينة سورية، والحديث يدور ليس عن فقدان روسيا لتدمر، بل علينا أن نطرح الأسئلة بالصيغة الصحيحة، ويمثل خطر فقدان تدمر ضربة تضر بالبشرية المتحضرة برمتها، التي باتت، بسبب انقسامها على خلفية خلافات سياسية”.
أظهرت معركة تدمر هشاشة السيطرة الروسية ونظام الأسد في مرحلة ما بعد المعارك
سقوط تدمر مجددًا في أيدي تنظيم الدولة بهذه الصورة، جاء بعد مرور 8 أشهر فقط على تحريرها خلال عمليات واسعة النطاق شنتها قوات النظام السوري في ريف حمص بدعم مكثف من القوات الجوية الروسية، ولا تزال القيادات العسكرية السورية والروسية تحاول حل لغز يكمن في كيفية تسلل مثل هذا العدد الكبير من عناصر تنظيم الدولة إلى محيط المدينة بشكل مفاجئ لبدء الهجوم الذي نجحوا من خلاله في استعادة المدينة، ما شكل ضربة مفاجئة للروس والنظام السوري والمليشيات الداعمة له.
حيث يؤكد خبراء عسكريون روس أن أحد أسباب سقوط تدمر مجددًا يعود إلى عجز قوات النظام السوري والقوت الجوية الروسية حتى الآن عن مواجهة تكتيك يستخدمه تنظيم الدولة لنقل أعداد كبيرة من عناصره إلى مكان ما، وهم متنكرون كجنود من القوات السورية النظامية، أو سكان محليين وبدو.
يرى الروس أن عملية دفع مجموعات كبيرة من مقاتلي تنظيم الدولة على الخروج من العراق بعد معركة الموصل باتجاه سوريا، يتيح لهم إنشاء تشكيلات ومجموعات كبيرة
في حين أظهرت معركة تدمر هشاشة السيطرة الروسية ونظام الأسد في مرحلة ما بعد المعارك، حيث يشير البعض إلى عدم امتلاك هيئة الأركان السورية النظامية للمعلومات الاستطلاعية الضرورية حول خطط تنظيم الدولة والإحداثيات الدقيقة لمواقعه.
ما حدث في تدمر يظهر أنه في ظروف انعدام الدعم من جانب “حزب الله” في تدمر والمليشيات المساندة للنظام بالدعم الجوي الروسي، لا يقدر الجيش الحكومي السوري، على المواجهة بنفس القدر من الفعالية التي يراها البعض في حلب الآن.