تعتبر كريستين لاغارد الستينية، والوزيرة الفرنسية السابقة، أول امرأة تدير “صندوق النقد الدولي” في يوليو 2011، وقد أعيد اختيارها هذا العام لولاية ثانية من خمس سنوات، وهي التي صنفتها صحيفة فاينانشال تايمز كأفضل وزير للمالية في منطقة اليورو في عام 2009. وفي العام نفسه، احتلت لاغارد المرتبة 17 في قائمة المرأة الأكثر نفوذًا في العالم من قبل مجلة فوربس.
لاغارد تم تعيينها في هذا المنصب – مديرة لصندوق النقد الدولي- في 2011 بعد استقالة سلفها الفرنسي الاشتراكي دومينيك ستروس، وذلك بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة فندق في نيويورك. فهل يكون مصير لاغارد مشابهًا لمصير سلفها اليوم بعد محاكمتها بقضية فساد؟
دومينيك ستروس وكرستين لاغارد
بدأت أمس في فرنسا محاكمة كريستين لاغارد بتهمة “اهمال” قد يكون سمح بحصول اختلاس ضخم للأموال العامة، عندما كانت وزيرة للاقتصاد الفرنسي، في محاكمة ستستمر حتى 20 كانون الأول/ديسمبر الجاري. حيث ستحاكم الوزيرة الفرنسية السابقة أمام محكمة عدل الجمهورية، الهيئة المخولة محاكمة الجنح التي يرتكبها أعضاء الحكومة أثناء توليهم مهماتهم، حيث تواجه عقوبة السجن حتى عام واحد وغرامة بقيمة 15 ألف يورو. ومنذ إنشائها عام 1993، حكمت محكمة عدل الجمهورية الفرنسية.
ويلاحق القضاء لاغارد بسبب دورها في قرار صدر عام 2008 وجاء لصالح رجل الأعمال الفرنسي برنار تابي الذي حصل على 404 ملايين يورو من أموال دافعي الضرائب إثر خلاف بينه وبين مصرف تملكه الدولة. وكانت لاغارد حينها وزيرة للاقتصاد في حكومة الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي.
لاغارد أكدت على الدوام أنها تصرفت دائما بحسن نية في القضية، وقد حظيت بدعم “صندوق النقد” الذي أعرب عن “ثقته” بها. وأشارت هيئة الدفاع عن لاغارد إلى أنها ستسعى إلى تأجيل للقضية، في حين لا يزال التحقيق جاريًا في شق آخر من هذه القضية المتشعبة.
ساركوزي ولاغارد
لاغارد مثلت أيضًا بشق آخر من القضية في 2013 أمام القضاء بتهمة “تواطؤ في عملية تزوير واختلاس أموال عامة” في قضية إعادة بيع شركة “أديداس” لصناعة الملابس الرياضية من طرف بنك فرنسي لصالح رجل الأعمال برنار تابي.
حيث استمع القضاء الفرنسي لـ لاغارد حول دورها في تحكيم مثير للجدل في خلاف عندما كانت وزيرة في حكومة فرانسوا فيون اليمينية. وتتعلق هذه القضية بإعادة بيع شركة “أديداس” لصناعة الملابس الرياضية من طرف بنك فرنسي “لوكريدي ليوني” لرجل الأعمال الفرنسي برنار تابي في 1993.
وعلى ضوء قضية التحكيم التي استدعيت من أجلها كريستين لاغارد، تمكن برنار تابي من الاستفادة من 400 مليون يورو في 2011 قدمها له بنك “كريدي ليوني” كتعويضات في خلافه معه.
وتبين التهمة الموجهة لكريستين لاغارد أنها اتخذت إجراءات من شأنها أن تساعد تابي وزوجته على الحصول على تعويضات مالية كثيرة لم يتمكن أن يحصل عليها عن طريق القضاء وبشكل قانوني. لكن كريستين لاغارد، التي استمع إليها القضاء كشاهدة آنذاك، نفت التهمة الموجهة لها في هذه القضية ورفضت فكرة الاستقالة من منصبها.
من جهة أخرى، بررت كريستين لاغارد مرارًا التحكيم الذي قامت به بإرادتها في وضع حد لإجراء اعتبرته طويلًا ومكلًفا جدًا، فيما نفت أن تكون قد قامت بذلك بناء على أمر من نيكولا ساركوزي الذي كان يرغب في الحصول على دعم من برنار تابي.
وكان صندوق النقد الدولي الإدلاء بأي تعليق في هذه القضية سابقَا، معلنًا أن مجلس إدارته يجدد “الثقة” في كفاءة لاغارد التي تعتبر المرأة الأولى التي تتولى مثل هذا المنصب الرفيع. لكن من ناحيتها، اعتبرت الحكومة الفرنسية أن القضاء يجب أن يقول كلمته في هذه القضية، فيما صرح وزير الشؤون الأوروبية تيري بيبنتان أن صندوق النقد الدولي يدعم في الوقت الراهن رئيسته.
ويذكر أن لاغارد التي تولت المنصب كمديرة للنقد الدولي في 2011 أشرفت على التصدي لأزمة الدًّيْن السيادي في أوروبا ونفذت تغييرات لإعطاء نفوذ أكبر داخل الصندوق للأسواق الناشئة ومن بينها الصين والبرازيل.
وستكون كريستين لاغارد في عطلة عن العمل في حل الأزمات المالية العالمية للمثول أمام المحكمة منذ أمس الإثنين 12 ديسمبر، وحتى 20 من الشهر نفسه، حيث تقول التوقعات أن يرجئ القضاة الحكم عليها عقب الجلسة الأخيرة، لكنهم يستطيعون أيضًا الإعلان عن حكم في موعد لاحق.
ويتوقع مراقبون أن تزيد محاكمة لاغارد واحتمال إدانتها مخاوف من قدرتها على البقاء على رأس صندوق النقد الدولي. وكانت مصداقية المؤسسة، ومقرها واشنطن، قد اهتزت بالفعل عندما أجبر سلفها، اليهودي الفرنسي دومينيك ستراوس، على الاستقالة بسبب اعتداء جنسي وقع في نيويورك في 2011.
لكن حتى الآن، وبعد كل هذا، ما زال يدعم مجلس صندوق النقد الدولي لاغارد في كل مراحل الإجراءات القانونية الفرنسية، التي بدأت في الشهر التالي لاختيارها في يوليو2011، فهل سيستمر هذا الدعم إذا ما ثبت بالفعل تورط لاغارد في قضية الفساد هذا وإدانتها؟