ها هي حلب تسقط فريسة للتحالف الروسي الإيراني ومعهما كل مليشيات الموت الطائفية، العراقية منها واللبنانية والسورية، وبغض نظر أمريكي غربي، وبنفس الوقت سوف تسقط مدينة الموصل تحت ذات التحالف، بل وبمشاركة أمريكية غربية واسعة النطاق، ففي الوقت الذي تسحق فيه الموصل بمطرقة المليشيات وسندان داعش، تكالبت على حلب كل مرتزقة العالم وبدعمٍ عالمي ليركعّوا أهلها، وجعلها عبرة لغيرهم من الثوار بالعالم.
سقوط القيم الأخلاقية
سقطت حلب وسقط معها كل المدَّعين بدعمهم للثورة في سوريا، سقطت حلب وانتصرت الاتفاقيات السرية بين الدول وانتصرت مصالحهم السياسية الضيقة، سقطت حلب وستسقط الموصل، لتسقط معها كل القيم الأخلاقية التي كان يدَّعي بامتلاكها البعض، من أنظمة إقليمية ودولية، الذين وعدوا الشعب السوري بالدعم ثمَّ تخلوا عنه ليتركوه يذبح بإيادي الدب الروسي والخنزير الإيراني، كان على الشعب السوري ألا يثق بأحد سوى بقدرة الجليل القدير، ومن ثم بقدرات شعبه فحسب، فإذا جاءهم دعمًا من أحد فذلك سيكون منَّةً من الثوار عليهم لأنهم سمحوا ليكون لهم نصيب في المشاركة بتحرير الأرض والإنسان في سوريا، لا أن يتحكم ذلك الدعم بالثوار.
وهم بوتين
هل يعتقد بوتين أن سقوط حلب سوف ينهي الثورة السورية؟ لقد بدأت الثورة من غير حلب، ولن تنتهي الثورة بسقوط حلب، وسيعود الأمر مرة أخرى لتثور مدن سوريا وبوقت واحد، لم يدرك بوتين لحد الآن أنه يتعامل مع ثورة وليس تمردًا عسكريًا من أي نوع كان، والثورة هي فكر وليس فقط سلاح.
ألم يتعظ بوتين من الجرائم التي اقترفها نظامهم الشيوعي السابق حينما مارسوا أساليب الإبادة ضد الشعب الأفغاني، وبالنهاية خرجوا مهزومين صاغرين يجرون وراءهم أذناب الخزي والعار، هل يعتقد بوتين أن الأمر سوف يستقر له في سوريا بعد كل هذه الجرائم التي اقترفها بحق المسلمين في سوريا؟ وهل يعتقد بوتين أن الأقليات التي يستند عليها نظام بشار الأسد، وتشاركه في عدوانه على الشعب السوري، سوف تستطيع أن تنشأ دولة قوية ومستقرة وعميلة له تحفظ مصالحه في سوريا؟
أين تركيا؟
نحن نعلم أن تركيا الآن في وضع سياسي واقتصادي صعب، ومحاصرة من قبل أطراف داخلية وخارجية عديدة وأن الوقت الحاليّ لا يسمح لها أن تعترض على ما تمارسه روسيا من جرائم، لا سيما وأنها اضطرت أن تعتذر لروسيا لكي تعيد العلاقة الاقتصادية والسياسية معها، بعد أن حاصرتها أمريكا وأوربا، ووصلت تلك الدول للحد الذي دعمت الانقلاب الفاشل على حكومتها الشرعية.
ولكن هذا يجب ألا يمنعها من اتخاذ موقف سياسي رافض لما يحدث في سوريا والعراق بشكل عام وحلب والموصل بشكل خاص، وألا تتورع عن دعم باقي أطراف المقاومة لتشعل الجهات الأخرى لتخفيف الضغط عن حلب، بنفس دعمها للجيش الحر في عملية درع الفرات، ونفس الشيء ينطبق على العراق.
لا عذر لكم أيها العرب
وما هو عذر الدول العربية بعدم اتخاذهم أي موقف مساند للثوار في سوريا وحلب ناهيك عن تخليهم عن العراق؟ هل ينتظرون أن يحين دورهم ليجري عليهم ما يجري على حلب والموصل؟ ولماذا دعموا الثوار السوريين في بداية الثورة ثم تخلوا عنهم الآن؟ هل كل شيء عندهم خاضع للمساومات السياسية؟ ماذا يمنعهم تزويد الثوار بأسلحة نوعية وبالذات مضادات الطيران؟ وهل عجزوا عن قطع علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا من أجل الضغط عليها؟ هل تقوى روسيا أمام قطع العلاقات السياسية والاقتصادية العربية دون أن تلين من مواقفها؟ أم أنهم راضون عن هذا الوضع؟ هل يريدون أن تكون سوريا والعراق كفلسطين؟ إن على الشعوب العربية الضغط على حكامها لحملها على اتخاذ مواقف أخلاقية تتناسب مع الوضع المأساوي في سوريا والعراق.
الدول الغربية
وماذا عن الدول الغربية، نحن نعلم أن تلك الدول لا تحركها سوى مصالحها، ولكن هل من مصلحتها أن يطلقوا العنان لآلة القتل الروسية للعمل بسوريا؟ هل من مصلحة تلك الدول أن تستولي روسيا على طول الساحل الشرقي السوري؟ وهل من مصلحة الغرب أن تصل إيران إلى هذا الساحل وتشيع المنطقة بالمجمل لتشكل إمبراطورية فارسية كبيرة؟ تلك الإمبراطورية التي من الممكن أن تشكل تهديدًا وشيكًا للغرب بغض النظر عن المصالح التي تربط الغرب بالنظام الإيراني؟
شعوب المنطقة
وماذا عن شعوب المنطقة العربية المسلمة السنيَّة، لماذا هذا الصمت الذي يشبه صمت القبور، لماذا لا نرى التظاهرات والاحتجاجات تخرج دعمًا للمحاصرين في حلب والموصل؟ أنا أعلم أن غالبية الشعب العربي قد وصل لمرحلة اليأس من أية أساليب تضامنية لدعم المستضعفين في سوريا والعراق، لأنهم يعلمون أن لا أحد يلقي بالاً لكل تلك الممارسات، ولكن يمكنهم أن يعملوا الكثير من خلال منظماتهم المدنية، يمكنهم التحشيد والتثقيف إلى أن الثورة السورية لن تموت، وإيصال هذه الحقيقة للأعداء والأصدقاء، وأن توضح للجميع أن مصيبة المستضعفين في سوريا والعراق لا تخص دولهم بعينها، وإنما تستهدف دول المنطقة جميعًا، والواجب منا أن نواجه ذلك الخطر جميعًا.
حِلفٌ عابر للحدود
يجب أن يكون هناك حلفًا عابرًا للحدود للمستضعفين في المنطقة، بالضبط مثلما للمجرمين حلف عابر للحدود، يحب أن يكون هناك مشروعًا يضم كل الأحرار في منطقتنا وبإسناد من أحرار العالم ضد هذه الهجمة الشرسة على المسلمين في الشرق الأوسط، وإذا عجزنا عن دفع حكام المسلمين ليشكلوا حلفًا ضد أعداء المسلمين، لا بد أن تبادر الشعوب المسلمة أن يكون لها مثل هذا الحلف بينهم.
ولتعلم تلك الشعوب، أن المساعدة على فتح جبهات متعددة في سوريا والعراق هو نصرة لحلب والموصل، وأن مقاتلة حزب الشيطان في لبنان هو نصرة للموصل وحلب، وأن تقديم الدعم للثوار الأحوازيين لتحرير أرضهم من إيران هو نصرة للمسلمين في الموصل وحلب، ودعم أكراد إيران ضد حكم إيران هو نصرة للموصل وحلب، وأن قتالهم ضد الحوثيين في اليمن هو نصرةً للموصل وحلب، وضرب روسيا في عقر دارها هو حق يجب أن تمارسه الشعوب المستضعفة في المنطقة عملاً بالمثل.
لقد تحالفت قوى الشر على مختلف مسمياتهم في حربهم ضد مسلمي المنطقة، فلا بد من تحالف كل قوى الخير بمختلف مسمياتهم لصد عدوانهم، أما الأقليات الموجودة بيننا والتي تتعمد التحالف مع أعداء شعوبنا، فيجب عليها أن تحدد موقفها، إما أن تكون مع شعوبها وإما لا يكون لها وجود بيننا بعد الآن.