ترجمة وتحرير نون بوست
صَعّبت تصريحات دونالد ترامب المتضاربة، كما هو الحال مع العديد من القضايا الأخرى، تحديد ما يمكن لإدارته القيام به فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، وهو ما ينطبق أيضًا على مسألة تزويد هذه المنطقة بالأسلحة الأمريكية، فقد انتقد ترامب انتقادات لاذعة للمملكة العربية السعودية، التي تعد من بين أهم عملاء الولايات المتحدة.
كما استهدف بالتوافق مع مستشاريه العدو اللدود للسعودية، إيران، معتبرًا إياها خطرًا على أمن المنطقة، ولكن لا أحد يعلم كيف ستؤثر طبيعة السياسة الخارجية الجديدة لترامب على نسق المبيعات، هذا ما سنكتشفه في الأيام القليلة المقبلة، ولنفهم ماذا سيجري في المستقبل يجب أن نلقي نظرة على المعطيات المتوفرة لنا في الوقت الحالي.
من المهم جدًا أن نُدرك أنه من الصعب على الرئيس الأمريكي الجديد أن يتفوق على حجم مبيعات إدارة أوباما للأسلحة في منطقة الشرق الأوسط عامة، وفي الخليج العربي خاصة، ووفقًا للبيانات الصادرة عن وكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون، فقد توصلت الولايات المتحدة إلى تحقيق رقم قياسي، حيث بلغت قيمة الأسلحة المباعة للمملكة العربية السعودية منذ سنة 2009، ما يقارب 115 مليار دولار و189 مليار دولار لبلدان الخليج العربي عامة، وتشمل مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية طائرات من نوع إف-15 إيغل وطائرات الأباتشي وسفن مقاتلة وأنظمة الدفاع الصاروخي ومركبات مدرعة والقنابل والصواريخ أي تقريبًا ترسانة بأكملها، لكن هذا النوع من الصفقات سيستغرق سنوات حتى يكتمل وهو ما سيضمن تدفق شحنات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية إلى حدود سنة 2020.
يعتبر الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة العسكرية في اليمن هو من خلال التوصل إلى اتفاق يتقاسم على إثره الأطراف المتنازعة كلا من السلطة السياسية والموارد الاقتصادية
ولكن ما يثير القلق هو الصفقات الأخيرة التي تنص على إعادة تزويد المملكة بقنابل وذخائر لدعم قصفها الجوي في اليمن، الذي أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين، ووفقًا لما ذكره النائب الأمريكي تيد ليو فإن “هذه الصفقات ستساهم في مزيد من ارتكاب جرائم حرب في اليمن”، ولذلك من الصعب أن نتغاضى عن الخسائر البشرية الفادحة التي انجرت عن القصف والحصار المفروض على المواني اليمنية.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن “قرابة ثلاثة أرباع المواطنين اليمنيين في حاجة ماسة إلى الدعم، وإلى الحصول على المواد الغذائية والطبية، والمياه النظيفة”، كما أعربت بعض منظمات الإغاثة عن قلقها من احتمال حدوث مجاعة في اليمن، هذا في صورة عدم وقف إطلاق النار وإيجاد حل للنزاع في أقرب وقت ممكن.
فكيف ستستطيع إدارة ترامب مواكبة هذا النمط من عمليات نقل الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط؟ خاصة وأن تصريحات الرئيس المنتخب في هذا الشأن غامضة ومربكة، فمن ناحية اتخذ موقفًا معاديًا للسعوديين، متهمًا إياهم بالوقوف وراء هجمات 11 من أيلول، كما أنه هددهم بوقف واردات النفط الأمريكية من المملكة، فضلاً عن خطاباته المعادية للمسلمين التي استهدفت العديد من القادة العرب، لذلك يرى بعض المحللين أن مواقف ترامب وخطاباته قد تؤدي إلى خفض مبيعات الولايات المتحدة للأسلحة في المنطقة، وفي هذا السياق، قال بايرون كالان التابع لشركة كابيتال ألفا بارتنرز: “إن الرئيس ترامب قد يواصل مهاجمة الدول الإسلامية، مما سيدفع هذه الدول إلى البحث عن مصادر بديلة للأسلحة”.
لا يزال الموقف الذي ستتبناه إدارة ترامب فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط بشكل عام ودعمها للسعودية في حربها في اليمن على وجه الخصوص غير واضح البتة
ولكن من بين العروض التي قد تجعل إدارة ترامب تصرف النظر عن موقفها وتقدم عروض أسلحة ضخمة للمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين هو موقف مستشاريْه الرئيسييْن المعادي لإيران، فمستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين، شن حملة لتشويه صورة إيران وذلك من خلال محاولة تحميل إيران مسؤولية هجوم بنغازي لكن أتباعه لم يستطيعوا إثبات التهمة عليها رغم الضغوطات العديدة التي فرضها عليهم فلين.
والأمر سيان بالنسبة لمرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، فعندما سُئلَ عن الدول التي تشكل خطرًا على أمن منطقة الشرق الأوسط وجنوب أسيا أجاب “إيران، إيران، إيران”، وكما أشارت صحيفة واشنطن بوست، إلى أنه ما دام ماتيس في الحكومة فإنه سيدفع باستمرار الجيش الأمريكي لمعاقبة إيران وحلفائها ولذلك أعطاهم التعليمات باعتقال وقتل الناشطين الإيرانيين واعتراض سفنهم الحربية.
يمكننا أن نفهم موقف ترامب من إيران بالرجوع إلى تصريحاته فيما يخص الاتفاق الإيراني النووي التي أفاد فيها أن هذا الاتفاق يعتبر “أحد أسوأ الصفقات التي جرى التفاوض عليها على الإطلاق”، بينما ينظر ماتيس إلى الاتفاق النووي بطريقة أكثر واقعية، حيث يرى بأنه يجب الآن تفعيل الاتفاق وليس إلغاؤه.
لكن السؤال الذي يطرحه الآن صناع الأسلحة هو ما الذي يمكن لإدارة ترامب أن تقدمه لدول الخليج ولم تقم إدارة أوباما باقتراحه؟ أحد الفرضيات تقول إن إدارة ترامب ستقدم نظام دفاع صاروخي يمتد على كامل نطاق الخليج، وقد تبلغ تكلفته عشرات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى أنها ستخلق فرصًا تجارية ضخمة للمقاولين على غرار شركة لوكهيد مارتن ورايثيون، أما الخيار الثاني فيتمثل في إمكانية تسريع العروض الحاليّة للمملكة العربية السعودية.
من بين العروض التي قد تجعل إدارة ترامب تصرف النظر عن موقفها وتقدم عروض أسلحة ضخمة للمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين هو موقف مستشاريْه الرئيسييْن المعادي لإيران
إن القرار المصيري الذي ستتخذه إدارة ترامب سيتعلق فيما إذا ستستمر الولايات المتحدة في تصدير الأسلحة لدعم حملة القصف السعودي في اليمن، ويبدو أن ترامب وقع في فخ رؤية الصراع في اليمن على أنه حرب بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية، مدعيًا أن تدخل إيران في اليمن كان يهدف بالأساس إلى عبور الحدود السعودية وإلى استيلائها على مراكز النفط الموجودة هناك.
لكن لاحظ العديد من الخبراء أن جذور هذا الصراع هي أكثر تعقيدًا بكثير مما تبدو عليه، فبسبب دعم إيران للمعارضة الحوثية بالأسلحة، تمكنوا من ارتكاب مظالم سياسية واقتصادية كانت لها تأثيرات بعيدة المدى، لكن هذا لا يعني أن الحوثيين سيكونون “دمية” في يد الإيرانيين، وهو ما جعل مهمة إيجاد أدلة تثبت مزاعم ترامب، الذي يقول بأن طهران تدعم الحوثيين من أجل بلوغ حقول النفط السعودية، مستحيلة.
يعتبر الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة العسكرية في اليمن هو من خلال التوصل إلى اتفاق يتقاسم على إثره الأطراف المتنازعة كلا من السلطة السياسية والموارد الاقتصادية، أما إذا لم يتمكنوا من ذلك فإن عدد القتلى سيزيد وهو ما سيفتح المجال أمام تنظيم القاعدة ليكثف نشاطه في شبه الجزيرة العربية، وبالتالي سيزيد من معاداة المنطقة للولايات المتحدة.
وفقًا للأمم المتحدة، فإن قرابة ثلاثة أرباع المواطنين اليمنيين في حاجة ماسة إلى الدعم، وإلى الحصول على المواد الغذائية والطبية والمياه النظيفة
كما أن القرار الذي ستتخذه إدارة ترامب فيما يتعلق باستمرار دعم السعودية في حربها في اليمن سيزيد من نسبة معارضيه في الكونغرس، ففي وقت سابق من هذا العام، تم تمرير القرار الذي اقترحه النائب جون كونيرز، والذي بمقتضاه ستحظر مبيعات الولايات المتحدة من القنابل العنقودية للمملكة العربية السعودية، وقد حصل هذا القرار على قرابة 204 أصوات، أما النائب تيد ليو فقد أرسل رسالة أمضى عليها 64 عضوًا في مجلس النواب يدعو فيها أوباما إلى إعادة النظر في صفقة الدبابات المفتوحة مع السعودية وذلك على خلفية حملة القصف العشوائي في اليمن، وقوبل هذا المقترح برفض مجموعة من الأعضاء في مجلس الشيوخ، حيث لم يستطع أن يحصد إلا على 27 صوتًا.
ولكن على الرغم من عدم تحقيق هذه المقترحات نجاحًا فإنها تعد خطوة مهمة، حيث إنها سمحت بأن يعيد العديد من الأعضاء النظر في مبيعات الأسلحة الأمريكية للرياض، كما قال بروس ريدل من معهد بروكينغز “إن العصر الذي كانت تتلقى فيه السعودية أسلحة بقيمة 110 مليار دولار عن طريق الكونغرس من دون نقاش أو مساءلة، قد ولّى”.
لا يزال الموقف الذي ستتبناه إدارة ترامب فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط بشكل عام ودعمها للسعودية في حربها في اليمن على وجه الخصوص غير واضح البتة، فهل سيقوم ترامب ومستشاروه بإمعان النظر في العواقب الأمنية لإغراق المنطقة بالأسلحة، أم أنه سينظر للخطر الذي تفرضه إيران على أنه يستدعي المزيد من إبرام صفقات سلاح مع السعودية؟ وكالعديد من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية لإدارة دونالد ترامب فإن الجواب لن يُكشف للعلن إلا بمجرد توليه لمنصبه وبحلول ذلك الوقت سنكتشف مدى واقعية خطاباته.
المصدر: صحيفة ناشيونال إنترست