“اغتصاب للطفولة”، ” فضيحة كبيرة”، “جريمة في حق الطفولة التونسية”، بعض ما قيل في قرار قضائي صدر عن محكمة تونسية، مؤخرًا، يسمح لشاب بالزواج من طفلة كان واقعها قبل فترة، ما تسبّب في حملها منه.
وفي آخر تطورات القضية، قال وزير العدل غازي الجريبي، في تصريح إذاعي، اليوم الأربعاء: “إن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالكاف أذنت بإيقاف القرار القضائي القاضي بتزويج البنت من مغتصبها”.
وقررت المحكمة الابتدائية بمحافظة الكاف (شمال غرب)، الأسبوع الماضي، منح شاب يبلغ من العمر 20 سنة إذانًا قضائيًا يتيح له الزواج من طفلة تبلغ من العمر 13 سنة لم تتعد بعد سن التمييز، وكان الشاب قد اغتصبها مما تسبب في حملها وهي الآن في الشهر الثالث، وذلك بالاستناد لمقتضيات الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية الذي ينص على أن “زواج الفاعل بالمجني عليها يوقف التتبعات وآثار المحاكمة.”
قرار سرعان ما طالبت وزارة المرأة والطفولة في تونس، بالرجوع عنه وإبطال الزواج، ودعت الوزارة، مجلس نواب الشعب إلى التعجيل في النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الهادف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف، وذلك بالوقاية منه، وتتبع مرتكيبه ومعاقبتهم، وحماية الضحايا ومساعدتهم.
قانون الاغتصاب هو فضيحة لتونس وعار على القضاء الذي لم ينصف الطفولة
واعتبرت عديد من المنضمات الحقوقية، أن مثل هذه القرارات تعد تجاهلاً للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحامية لحقوق الطفل ومسًا من كرامة الطفلة والمرأة عمومًا وخرقًا للدستور التونسي الضامن لحقوق الطفولة وتشجيعًا على اقتراف المزيد من الاعتداءات، وطالبت بالإسراع بتنقيح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية وإلغاء فقرته التي تخوّل زواج القاصر بالمعتدي لإبطال التتبع.
ويمنح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية امتيازًا للمعتدي على حساب الضحية، إذ يشرع التستر على ارتكاب جريمة الاغتصاب مقابل تزويجها بالمتعدي، وهو ما يسمح باستخدام كل أشكال الابتزاز والإغراءات للتأثير في الضحية وعائلتها للموافقة على الزواج، حسب عديد الحقوقيين.
وفي تصريح لنون بوست، اعتبرت الإعلامية التونسية ملاك القاطري، أن “قانون الاغتصاب هو فضيحة لتونس وعار على القضاء الذي لم ينصف الطفولة”، حسب قولها، وأكّدت القاطري أن الحكم الذي اتخذ في حق الفتاة التي قضى القضاء بتزويجها من مغتصبها يعتبر صفارة إنذار للانتهاكات التي قد تلحق الأطفال من القضاء نفسه” وتساءلت عن سبب عدم البتّ إلى الآن في القانون الجديد الذي تقدمت به وزارة المرأة في هذا الشأن.
وينصّ مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة المعروض حاليًا على أنظار مجلس نواب الشعب على إسقاط إمكانية الزواج عند تعرض الضحية لاعتداء جنسي مقابل إيقاف التتبع بحق المعتدي، كما ينص نفس القانون على وجوب معاقبة من قام بالاعتداء على المرأة ضحية الاعتداء الجنسي.
وعقب هذا القرار القضائي، انشر هاشتاغ #الإغتصاب_جريمة، و#يسقط_الفصل_227 و#لا_لاغتصاب_الطفولة، وطالب تونسيون بضرورة تنقيح القانون.
يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به ويعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى دون رضاها دون استعمال العنف أو السلاح
ويحدد المشرع التونسي العقوبات المتعلقة بالاغتصاب من الفصل 227 إلى الفصل 229 من المجلة الجزائية، وقد نص على أنه يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به ويعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى دون رضاها دون استعمال العنف أو السلاح، ويعاقب بالسجن مدة 6 أعوام كل من واقع أنثى دون عنف سنها دون 15 سنة، وإن كان سن المجني عليها فوق 15 ودون العشرين سنة كاملة فالعقاب يكون بالسجن مدة 5 سنوات، والمحاولة تستوجب العقاب أيضًا، ويوقف زواج الفاعل بالمجني عليها التتبعات وآثار المحاكمة، وتستأنف التتبعات إذا انفصم الزواج بطلاق إنشاء من الزوج وذلك قبل مضي عامين من تاريخ الدخول بالمجني عليها.
وانتقدت منظمة العفو الدولية، في وقت سابق، تواصل العمل بهذا القانون، معتبرة أن تونس وبعد أكثر من خمس سنوات من الثورة “ما زالت تتقاعس عن القيام بما يكفل توفير الحماية للنساء اللائي يتعرضن للعنف”.
من جانبها، انتقدت الأستاذة الجامعية التونسية اعتدال المجبري، التعاطي الإعلامي مع قضية الفتاة، وكتبت في هذا الشأن في صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “برضاها”، “علاقة حب”، “عائلة ريفية”، “درأ للفضيحة”، “العائلات متصاهرة”، “لا يمكن اعتبار ما جرى اغتصابًا” “سنها ليس 13، بل 13 ونصف”، “الطفلة تزوجت وانتهى الأمر” … هكذا تناولت بعض وسائل الإعلام قضية الطفلة وهكذا استمات بعض القانونيين في تفسير القانون بكل “موضوعية” و”حياد”، اجتمع الكل على اغتصابها وتبرير قرار القاضي، القانون يجب أن ينقح، نقطة إلى السطر ولكم في تجربتي المغرب ولبنان مثالاً.
فيما استنكر الباحث التونسي سامي براهم، الحديث عن اغتصاب الفتاة برضاها، وكتب تدوينة في هذا الشأن جاء فيها: “برضاها أو الاغتصاب النّاعم !!عندما تكون قاصرًا لا معنى لرضاها، ليس اغتصابًا تام الأركان، ولكنّه اغتصاب للطفولة، تقبل العائلة بالزواج درءًا للفضيحة بل قد تدعو لذلك، ويقبل الجلاد بالزّواج تجنبًا للسّجن، ولكن جريمة التغرير بقاصر تبقى قائمة ولو سقطت قضائيًا.
وسبق لوزير العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، السابق، حافظ بن صالح، أن أعلن أنه سيتم قريبًا إلغاء الفقرتين 4 و5 من الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية واللتين قال إنهما توفران للجاني إمكانية الهروب من العقاب الجزائي عبر زواجه من المجني عليها إثر جريمة مواقعة أنثى دون عنف.