أجرت شبكة بي بي سي البريطانية تحقيقًا يتحدث عن سلسلة من الاغتيالات راح ضحيتها رجال كانوا في الماضي يعيشون في الاتحاد السوفيتي السابق، وخلال هذا التحقيق الصحفي عثرت بي بي سي على أدلة، بينها أسماء وصور، تشير إلى أن بعض القتلة أتوا من روسيا.
قُتل أكثر من 12 شخصًا ضمن سلسلة من الاغتيالات لرجال أتوا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، الشيشانية والأوزبكية والطاجيكية، للجوء في تركيا، كان من بينهم رسلان إسرابيلوف الذي فر إلى تركيا من الحرب الشيشانية وأصبح واحدًا من سكان بلدة تركية صغيرة اسمها إليمتِبا معظم سكانها من الشيشان الذين عاشوا في تجمعات. ظنًا أنهم سيكونوا قادرين على حماية أنفسهم.
قُتل أكثر من 12 شخصًا ضمن سلسلة من الاغتيالات لرجال أتوا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، الشيشانية والأوزبكية والطاجيكية، للجوء في تركيا
لقي رسلان مصرعه بعد إطلاق النار عليه في الرأس و الرقبة والقلب، ولكن تحقيق بي بي سي أكد أن إسرابيلوف، الذي انضم إلى آلاف الشيشان الذين شاركوا في القتال ضد الروس في حرب الاستقلال في التسعينيات، كان لا يزال على علاقة بحركة المقاومة الشيشانية، وهو ما يُرجح أن الروس قد يكونوا متورطين في اغتياله على الأراضي التركية.
لم يكن الحالة الأولى
قبل ستة أشهر تقريبًا من اغتيال رسلام، وبالتحديد في نوفمبر 2015، قُتل شيشاني آخر اسمه عبد الواحد إيديلغيريف وهو في طريقة للتسوق، في ضاحية كاياشيهير في إسطنبول
كان الضحية الذي له نفس حيثيات رسلان إسرابيلوف مستقلًا سيارته عندما قامت سيارة أخرى على الطريق بمطاردته، وخرج منها رجل أطلق النار على إيديلغيريف لكنه لم يصبه.
ترك إيديلغيريف السيارة وجرى باتجاه بيته بينما كان المهاجمون يطاردونه. أصابوه برصاصة، ثم طعنوه في الرقبة، وتركوه في الشارع، ينزف حتى الموت.
بحسب تحقيق بي بي سي كان إيديلغيريف واحدًا من الشيشانيين الذين واصلوا الكفاح في سبيل دولة شيشانية مستقلة، رغم أن المقاتلين الشيشانيين كانوا إما هُزموا في الحرب أو انضموا إلى الوحدات التابعة للرئيس قديروف الموالي لموسكو.
ولكن بحسب التحقيق ظل ايديلغيريف مختبئًا في الجبال حتى 2008 عندما انفجر لغم خلال سيره فأصيبت قدمه اليسرى إصابة بليغة، فذهب إلى تركيا للعلاج، وأشار تحقيق بي بي سي أيضًا أن إيديلغيريف شارك في القتال بسوريا أيضًا.
نجحت السلطات التركية في حل القليل من الجرائم المرتكبة على أراضيها بشكل مُرض
أما على صعيد موسكو فإنها تعتقد أنه أحد المشتبه بهم الرئيسيين في خطة فاشلة لاغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2012، عندما وقع انفجار داخل بناء سكني في مدينة أوديسا الأوكرانية قالت وسائل الإعلام وقتها إنه ناتج عن تجربة فاشلة قام بها أشخاص كانوا يحاولون صنع قنبلة.
نتيجة هذا الحدث اعتقل عدد من الرجال أحدهم قال أمام الكاميرات إن الهدف كان اغتيال فلاديمير بوتين. لكنه سحب اعترافه هذا لاحقًا. إلا أن رجلًا آخر بين المعتقلين قال إن عبد الواحد إيديلغيريف هو من وضع خطة اغتيال بوتين، وأمن المتفجرات لذلك، لذا يُعتقد بشكل كبير أن لموسكو دخل في هذا الاغتيال.
نجحت السلطات التركية في حل القليل من الجرائم المرتكبة على أراضيها بشكل مُرض، والتي كان من بينها عملية ضد 3 شيشان هم بيرغ حاج موساييف ورستم ألتيميروف وزاوربيك أميريف. قتلوا في الطريق إلى البيت بعد صلاة الجمعة حيث كان بانتظارهما سياراتان مستأجرتان، خرج القاتل من إحداهما وأطلق إحدى عشرة رصاصة، ثم عاد إلى سيارته وفر الجميع. وبعد قليل كان الروس الخمسة في الطريق إلى خارج تركيا
موسكو تؤمن بنظرية الاغتيالات خارج أراضيها
ينقل تحقيق بي بي سي وجهة نظر البروفيسور مارك غاليوتي، الذي يعمل في معهد العلاقات الدولية في براغ والمتخصص بدراسة أجهزة الاستخبارات الروسية منذ أكثر من عشرين سنة إن نظام الحكم الحالي في موسكو يؤمن بشيئين: “الأول أن من حقه أن ينفذ عمليات في الخارج لخدمة مصالح أمنه، والثاني أن لديه طريقة دموية جدًا للتعامل مع ما يهدده، ولا مشكلة لديه في قتل الناس”.
استُهدف الثلاثة في منطقة زيتون بورنو في اسطنبول، وقُتلوا بشكل عالي الحرفية على الفور. القتلة كانوا خمسة رجال، رغم مهنيتهم العالية في التنفيذ، إلا أنهم تَركوا الكثير جدًا من الأدلة على هوياتهم داخل إحدى السيارات التي استأجروها لتنفيذ العملية، هذه المعلومات تشير إلى أن الخمسة أتوا من روسيا.
كما أن إحدى السيارات التي استأجروها خلال التحضير لعمليتهم كان فيها نظام تحديد المواقع الذي لم يعرفوا بوجوده، وهذا جعل الشرطة التركية لاحقًا تعرف تماماً أماكن ذهاب الخمسة خلال الأسبوعين السابقين لتنفيذ العملية، بحسب ما أورده تحقيق بي بي سي.
نظام الحكم الحالي في موسكو يؤمن بشيئين: “الأول أن من حقه أن ينفذ عمليات في الخارج لخدمة مصالح أمنه، والثاني أن لديه طريقة دموية جدًا للتعامل مع ما يهدده، ولا مشكلة لديه في قتل الناس”.
وفي موسكو عثرت بي بي سي على أشخاص قالوا إنهم يعرفون أحد القتلة، وهو نديم أيوبوف، الذي لم يكن عميلاً في الاستخبارات الروسية، بل عضوًا في عصابة روسية متخصصة بسرقة السيارات.
لم يفاجيء البروفيسور مارك غاليوتي الذي بي بي سي أنه في التسعينات بدأ يصبح هناك بعض التداخل في العضوية بين عالمي الجريمة المنظمة والاستخبارات. وأضاف: “لدينا حالات تلقى فيها قتلة محترفون التدريب على يد أفراد في سبيتسناز (فرقة عسكرية خاصة روسية تابعة للجيش الروسي)، وحالات أسس فيها أفراد سابقون في أجهزة الأمن، السوفيتية ثم الروسية، عصابات إجرامية.
ما الذي يجعل روسيا، تريد قتل معارضي نظام الحكم في أوزبكستان؟
يقول مارك غاليوتي “إن روسيا تحافظ على سطوتها في المنطقة عبر مصادقة حكام دولها القمعيين،” ويضيف: “نلاحظ أن جهاز الاستخبارات الروسية تحديدًا على علاقة قوية مع نظراءه في دول مثل أوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان، وحتى كازاخستان… هناك نوع من تبادل المصالح بينها، وهذه واحدة من الأساليب التي تحتفظ موسكو من خلالها بنوع من دور لها، عبر قولها: يمكن أن نساعدكم في مهامكم القذرة، أو أن نقوم بها نيابة عنكم أحيانًا”.
ومن هنا يتوقع أن تقوم روسيا في ظل تحسن علاقاتها مع الدولة التركية مؤخرًا بمحاولة تعقب مزيد من الجهاديين الشيشان على الأراضي التركية أو غيرها حيث أن مثل هذه العمليات نشطت مؤخرًا في تركيا لكن هناك سوابق للروس خارج تركيا في نفس هذا الصدد.
فبحسب تحقيق بي بي سي بالنسبة لكثيرين، يُعد قتل أليكساندر ليتفينينكو قبل عشر سنوات في لندن باستخدام البلوتونيوم المشع النموذج الصادم لعملية قتل يُشتبه بارتكاب عملاء روس لها على أرض أجنبية.
يتوقع أن تقوم روسيا في ظل تحسن علاقاتها مع الدولة التركية مؤخرًا بمحاولة تعقب مزيد من الجهاديين الشيشان على الأراضي التركية أو غيرها
لكنها ليست الجريمة الوحيدة. فعام 2004 قُتل سليم خان يندرباييف، الذي كان قائمًا بأعمال رئيس جمهورية الشيشان بين عامي 1996 و1997، بتفجير سيارته في قطر.
وأدين عنصران في الاستخبارات العسكرية الروسية بقتله، وحكم عليهما بالسجن المؤبد. وبعد أشهر اتفقت الدوحة وموسكو على أن ينفذ الرجلان عقوبتها في روسيا، حيث استُقبلا استقبال الأبطال عندما وصلا إلى المطار.