النار تأكل في قلبي، لا يغذيها إلا العجز عن نصرة أهلنا في حلب، ولا يؤججها إلا الخذلان الذي وجدته هذه المدينة العزيزة على قلب كل مسلم وكل عربي، الصور تنهمر علينا كالصواعق التي تنير لنا الحقائق لبرهة، ولكنها لا تترك إلا الحرائق المدمرة في قلب أي إنسان.
حكامنا شركاء في هذه الجريمة إما بالصمت المتخاذل وإما بالتواطؤ الخسيس، فالبعض منهم يرى أن الوضع السوري يعتبر مثل فزاعة مثالية لأي شعب يجن في عقله ويطالب بالحرية، والبعض الآخر يهدد شعبه بصورة مباشرة عن طريق إعلامه الذي يقول في كل مناسبة: “أليس الفقر أفضل من أن نصبح كسوريا”، وآخرون اختاروا الصمت المطبق المتجاهل وكأن الأمر لا يعنيهم تمامًا.
حلب.. بين الألم والندم
الفصائل المقاتلة التي عول عليها الجميع في نصرة الشعب السوري، كانت صاحبة النصيب الأكبر في الخذلان، ففي خضم الكارثة وجدنا صراعات صبيانية بين هذه الفصائل (قتال متبادل – اعتقالات) وأسباب هذه الصراعات إن لم تكن واضحة جدًا، إلا أن الواضح أنها أسباب أبعد ما تكون عن مصلحة الشعب السوري، وبالطبع مصلحة الدين الذي يرى بعضهم في نفسه أنه حامي حماه.
الأهداف الكبيرة الهلامية غير المحددة كانت السبب الرئيسي في وجود هذا الخلل البنيوي في الثورة السورية، لا أعرف لما لم يجتمع كل الثوار تحت لواء واحد، ألا يكفيهم أن يجتمعوا على هدف القضاء على الطغيان والديكتاتورية الأسدية التي حكمت وطنهم لعقود، وبعد ذلك يتركون أمر الأيدولوجيا التي ستنبني عليها الدولة السورية فيما بعد الطاغية في يد الشعب السوري كله يختار منها ما يشاء.
يجب على كل الثوار أن ينسلخوا – ولو مؤقتًا – من أيدولجياتهم، ويكتفوا بالثورية منهجًا، وبمكافحة الطاغية سبيلاً، حتى إذا وفقهم الله للوصول إلى هدفهم، ووضعت الحرب أوزارها بسقوط الطاغية، رجعوا إلى شعبهم وأسلموه قيادة دولته، وحكموه في اختيار الطريقة التي يريد أن يحكم بها نفسه.
فأنا لا أظن أن الثائر الذي يحمل روحه على كفه لمجابهه الطغيان، يخطط أن يفرض على بني وطنه فكر معين بعد نجاح الثورة، وإلا فأنه يكون قد أزال طاغية لينصب آخر مكانه ولكن تحت غطاء الثورية.
توحدوا تحت غطاء الثورة فهي خير جامع، وثقوا أن شعبكم شعب واعٍ يعرف مصلحته بنفسه، وإن لم تفعلوا فاعلموا أن حلب لن تكون الأخيرة، اعلموا أن ما فرق بينكم في حلب ودفع بعضكم إلى رفع السلاح على البعض الآخر سيفرق بينكم في إدلب وغيرها وغيرها، التفتوا إلى ثورتكم، وقوا أنفسكم وأهليكم نار الفرقة التي أحرقت أهلنا في حلب من جراء تفرق الفصائل وقوة بأسها بينها بعدما كانت مسيطرة على المدينة بأكملها.
أرجوكم لا نريد أن نجلس ونبكي على أهلنا في إدلب كما نبكي الآن على أهلنا في حلب، لا نريد أن تنفطر قلوبنا وتحترق كما هي الآن، أرجوا أن نتعلم الدرس من سقوط حلب.