يقام معرض جدة الدولي للكتاب للمرة الثانية على التوالي في نسخته الثانية بمحافظة أبحر في المملكة السعودية اليوم الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول وحتى الخامس والعشرين منه، برعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وبحضور 450 دار نشر من 27 دولة خليجية وعربية وإسلامية وعالمية.
يشهد المعرض في نسخته الحاليّة انضمام أربع دول جديدة هي باكستان وسلطنة عُمان وألمانيا وماليزيا، وسط أمل أن يحمل المعرض مزيدًا من التنوع والتجديد في فعالياته التي تتلاءم مع اهتمامات شرائح المجتمع كما تصفه الجهات المسؤولة، حيث أشار رئيس اللجنة العليا لمعرض جدة الدولي للكتاب الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز في صحيفة عكاظ بأن عناوين الكتب تتجاوز المليون عنوان في شتى النواحي المعرفية ثقافيًا وأدبيًا وعلميًا واجتماعيًا واقتصاديًا، مما يصنع مزيجًا متناغمًا من الحراك الثقافي وتنمية المعرفة والتبادل الثقافي.
على الرغم من أن توقعات نجاح هذه النسخة من المعرض تفوق نسخته الماضية، فقد صاحبها العديد من التهديدات التي كادت أن تجعل معرض جدة الدولي، ليس دوليًا بالدرجة الكافية.
دار خلاف بين إدارة المعرض واتحاد الناشرين العرب، صاحبه تهديد من قِبل الاتحاد بالانسحاب وعدم المشاركة في المعرض، تاركًا حرية الاختيار للناشر بالمشاركة الفردية في المعرض وليس برعاية الاتحاد، وذلك بعد أن ظهرت كواليس الخلاف القائم بين اتحاد الناشرين والشركة القائمة على تنظيم المعرض والتي تمحورت حول تخفيض سعر المتر المربع لدار النشر المشاركة، بالإضافة إلى الحصول على تأمين من قبل الشركة على الكتب المعروضة، كما تمحورت كذلك على تقليل الرقابة المفرطة من قبل وزارة الثقافة السعودية التي تؤدي إلى منع العديد من الكتاب بعينهم من الوجود على أرض المعرض.
بدأت الأزمة بقرار مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب بتعليق المشاركة في معرض جدة الدولي للكتاب 2016، تلاه خطاب رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، الذي طالب فيه أعضاء الجلسة العامة بالتريث في الاشتراك بمعرض جدة الدولي للكتاب 2016، إلى حين مراجعة العقد المصاحب للاشتراك، واعدًا الأعضاء بالاستمرار في التواصل مع المسؤولين عن معرض جدة للوصول إلى أفضل شروط لمشاركة الناشرين العرب، ويكون ذلك مُدعمًا برسالة رسمية من إدارة المعرض لاتحاد الناشرين العرب.
كان من قرارات الاتحاد الأخيرة ما نصه للحد من الرقابة المفرطة على الكتب في ظل تباين الخطوط الحمراء بين الدول العربية، حيث علق رئيس اتحاد الناشرين العرب على ذلك بالقول إن الاتحاد يحترم عادات وتقاليد كل بلد عربي، وما نطالب به الحكومات هو الابتعاد عن الرقابة التقليدية ومراعاة مستجدات التكنولوجيا، وكذلك أن يكون معروفًا للناشرين ما هو المسموح به وما هو الممنوع، حيث إن هناك معارض مثل معارض أبوظبي والشارقة تقام دون رقابة، وعلى المعارض الأخرى أن يخبرونا بما هو ممنوع وما هو مسموح، حتى لا يفاجأ الناشر بوجود رقابة لاحقة داخل المعرض.
لا يدور الخلاف بين اتحاد الناشرين العرب والقائمين على تنظيم معرض جدة الدولي فحسب، بل يمتد للكتاب السعوديين أنفسهم، باستمرار وزارة الثقافة السعودية بحظر نشر العديد من الكتب والروايات التي تعادي النظام السعودي أو التي تهاجمه من منظور المرأة السعودية، فكان من بين تلك الكتب:
أطياف الأزقة المهجورة
ثلاثية للروائي السعودي تركي الحمد، تتألف من روايات العدامة (1996)، الشميسي (1997)، الكراديب (1998)، تحكي الثلاثية قصة هشام العابر الذي انتهى به الأمر سجينًا بعد انضمامه إلى تنظيمات سياسية، حيث تروي “العدامة” قصة شاب ينفتح على العالم في مرحلة أساسية من حياة السعودية: 1967-1975، وتجربة بطل “العدامة” تجربة شاب محلي تعكس المكان الذي صدرت عنه وتنتقل تناقضاته، ولكنها في الوقت نفسه تجربة كونية تخاطب همومًا إنسانية عامة.
منعت الرواية من التداول في السعودية، باعتبار أنها “تتجاوز الخطوط الحمراء سياسيًا ودينيًا”، كما أكد الحمد في مقابلات صحافية أكثر من مرة أن الثلاثية ممنوعة بالفعل من دخول السوق السعودية، وتصادر في المنافذ الحدودية والمطارات، إذ إنها من ضمن لائحة إصدارات ممنوعة تصدرها وتشرف عليها وزارة الإعلام.
بنات الرياض
هي الرواية الأولى والوحيدة للكاتبة رجاء الصانع، صدرت في العام 2005، ومنعت من النشر في السعودية بتهمة “تشويه صورة المجتمع السعودي”، تحكي الرواية أحداثًا وتفاصيلاً سريّة عن الحب والحريّة في حياة أربع فتيات سعوديات، فيما رأته وزارة الثقافة جرأةً وتعديًا على العادات والتقاليد أو “التابو” السعودي المعهود.
“مدن الملح” الممنوعة سعوديًا مُحتفى بها عالميًا
رواية عبد الرحمن مُنيف “مدن الملح” من أهم الأعمال الروائية، وهي تؤرخ لما مرت به شبه الجزيرة العربية من تحولات إثر اكتشاف النفط، قصدتُ بـ”مدن الملح” المدنَ التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي، بمعنى أنها لم تظهر نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها، وإنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة الطارئة، هذه الثروة (النفط) أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر، أن تنتهي، بمجرد أن يلمسها شيء حاد، هكذا أوضح الروائي الراحل عبد الرحمن منيف (1933 – 2004) ما يقصده من عنوان خماسيته الشهيرة “مدن الملح”.
حكاية وهابية: الكتاب المحكوم عليه من عنوانه
السبب من وجهة نظر المؤلف كان ما حوته الرواية من تعرض للشأنين الديني والسياسي بنهج مختلف عن السائد، خاصة فيما يتعلق بتبنيها وجهة نظر نقدية حادة للفكر الديني المنتشر حاليًا في السعودية، وأيضًا توصيف الجهاديين بأنهم أناس طبيعيون لكنهم مُحبطون، عكس ما تروجه وسائل الإعلام السعودية عنهم، بالإضافة إلى نقده للتدين السعودي ووصفه له بكونه تدينًا مصطنعًا.
على الرغم من أن السعودية تعد من أهم الأسواق العربية للناشرين العرب، بالإضافة إلى قيمة معرض الكتاب في حد ذاته في كونه المروج الأساسي للكتاب والعودة لقراءة الكتب بدلًا من الاعتماد على القراءة الإلكترونية أو الكتب الصوتية، فإن الكتب أيضًا مراقبة في العالم العربي، ويتدخل في نشرها التوجهات الدينية والسياسية، بل وأحيانًا الأحكام العرفية والقبلية وكذلك المجتمعية.