ترجمة وتحرير نون بوست
من خلال سلسلة من التقارير التي نشرت في صحيفة الدايلي بيست الأمريكية، حاول الصحفي روي غوتمان، إثبات أن النظام السوري يتلاعب بتنظيم الدولة لمصلحته، ففي الجزء الأول من تقاريره، أشار الصحفي إلى حقيقة أن النظام السوري، سمح خلال الفترة الفاصلة بين سنة 2003 و2010، بمرور المتطرفين من العراق إلى الحدود السورية.
أما في الجزء الثاني، فقد أشار غوتمان إلى أن العديد من الهجمات التي نسبت إلى تنظيم القاعدة خطط لها النظام السوري مسبقًا، أما في الجزء الأخير من تقاريره، فتحدث عن سماح النظام السوري بتوسع تنظيم الدولة في الحدود السورية، وذلك من خلال إطلاق سراح الإرهابيين الأكثر خطورة من السجن، ثم تجنب مواجهتهم عسكريًا.
وعمومًا، استند الصحفي في تقاريره إلى جملة من الشهادات الحية، التي تمت بلورتها بكل حذر، لذلك فهي تستحق أن تُؤخذ بعين الاعتبار وأن تُناقش.
ومنذ سنة 2003، اتجه العديد من المتطرفين الأجانب إلى العراق من أجل لمواجهة الجيش الأمريكي، وانضموا في المقام الأول إلى تنظيم القاعدة في العراق، ووفقًا للوثائق التي تم العثور عليها في مدينة سنجار العراقية، وللرسائل التي كانت بين دبلوماسيين والتي كشف عنها موقع ويكيليكس وأدرجها رويغوتمان في تقاريره، فقد تبين أن أغلب هؤلاء المقاتلين قد مروا بسوريا بموافقة من الحكومة.
وعلاوة على ذلك، فإنه حسب بعض الجنود الفارين، فإن المخابرات السورية استغلت بعض الدعاة لتحريض السوريين على القتال في العراق، كما أنه في سنة 2007، دعمت الحكومية السورية جماعة فتح الإسلام في التمرد ضد الحكومة اللبنانية.
كما كان الأسد يرغب في أن تفشل استراتيجية جورج بوش في العراق، ليلغي أي تدخل محتمل في سوريا، كما أنه بالنسبة للأسد، فإن الغاية تبرر الوسيلة، ولذلك قام بسجن المتطرفين العائدين من سوريا ليتم استغلالهم في وقت لاحق.
“العفو السياسي” في سنة 2011 وعواقبه الوخيمة
في شباط/ فبراير سنة 2011، كان لقرار إطلاق سراح السجناء السياسيين نتائج وخيمة، حيث إن النظام استجاب إلى مطالب إطلاق سراح السجناء السياسيين إثر الاحتجاجات الأولى، على طريقته ووظفها فقط لمصلحته.
وتجدر الإشارة إلى أنه في صيف سنة2011، أصدر النظام مرسوم العفو السياسي الذي يقضي بإطلاق سراح المئات من المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري، الذي يضم العديد من الوجوه المتطرفة، حيث أصبح العديد منهم في وقت لاحق، شخصيات بارزة بين صفوف تنظيم الدولة وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة الأخرى.
ومن بين هذه الأسماء القيادي في تنظيم الدولة عمرو العبسي “أبو أثير”، وعبد الحميد أبا عود، ونجم العشراوي، منفذي هجمات أوروبا، وكذلك أبو خالد السوري المقرب من بن لادن والذي شارك في تأسيس جماعة أحرار الشام، فضلاً عن زهران علوش العضو المؤسس في جماعة جيش الإسلام.
وقد اعتمد الأسد استراتيجية إطلاق سراح المتطرفين من أجل نشر التشدد والتطرف في صفوف المعارضة وتشويه سمعتها أمام المجتمع الدولي وتبرير القمع ضدها.
وفضلا عن ذلك، اعتاد النظام السوري على استغلال الجهاديين من أجل تقويض استقرار خصومه، وهي استراتيجية استعملها في العراق ولبنان، وهو ما يؤكده أيضًا سجناء سابقين وآخرين فارين من النظام.
وقد دافع بعض محللي الصراعات مثل سيدريك ماس وهارون زيلين، عن هذه النظرية، في المقابل، اعتبر كل من آرون لوند وأيمن التميمي، أن العفو السياسي قد عزز صفوف ليس فقط المعارضة، بل أيضا جبهة النصرة، وبالنسبة لكل من لوند والتميمي، فإن صعود التطرف والجماعات المتطرفة في سوريا ليس إلا نتيجة للسياسة السورية في العراق.
لماذا لا يضع النظام السوري استراتيجية محاربة تنظيم الدولة ضمن أولوياته؟
في بداية الثورة السورية اقتصرت المناوشات بين النظام وجبهة النصرة على الفترة الأولى فقط، كما أن المواجهات بينه وبين تنظيم الدولة جدت في وقت متأخر في صيف 2014، وقد دارت هذه المواجهات أساسًا في حمص ودير الزور وتدمر، التي انتهت بانتصار القوات الموالية للنظام السوري في آذار/ مارس سنة 2016.
ومن جهة أخرى، فإن النظام السوري يستفيد من الاشتباكات بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة والمعارضة السورية، فهو يترك أعداءه يتناحرون فيما بينهم.
في بعض الحالات، يتخلى النظام عن مواقعه لصالح تنظيم الدولة، ويتجنب مواجهتها، مثل ما جد في نهاية الأسبوع الماضي في تدمر، وإن دلت هذه الخطوة على أمر ما، فهي تدل على أن النظام قد ترك – طوعًا ـ تنظيم الدولة يتوسع في أراضيه، وفي واقع الأمر، يمكن الحديث في هذه الحالة عن نقص في الموارد وفي الاستراتيجية العسكرية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه خلال محاولات النظام الأولى لاسترجاع تدمر، في آذار/ مارس 2015، كانت قواته متمركزة في إدلب، وهو ما دفعه إلى تفضيل الانسحاب، كما أنه لولا دعم روسيا، لما تمكن النظام من استعادتها بعد سنة تقريبًا، وخلال الهجوم الأخير على تدمر الذي أدّى إلى سيطرة تنظيم الدولة عليها، كانت قوات النظام متمركزة في حلب، كما لم تكن القوات الموالية للأسد الموجودة على عين المكان كافية، مما أجبر قوات النظام على التراجع مرة أخرى.
“إما الأسد أو الجهاديين”: من الخيال إلى الحقيقة
يمكن اعتبار أن الخيارات السياسية والعسكرية للأسد، متوافقة تمامًا، فعلى الرغم من إعلان الأسد أنه يواجه في حربه الجماعات المتطرفة ـنصفها من المعارضة إلا أنه على أرض الواقع، لا يركز النظام وحلفاؤه جهودهم على تنظيم الدولة، بل يستهدفون بقصفهم المناطق المكتظة بالسكان والأسواق والمستشفيات والمدارس التابعة للمعارضة السورية.
أولوية الأسد تتمثل في محاربة المعارضة، وليس محاربة تنظيم الدولة مما أدى إلى تعزيز موقع الجماعات “المتطرفة” في المعارضة مثل جبهة فتح الشام، الأمر الذي سهل انضمام العديد من السكان اليائسين إلى صفوف هذه الجماعات.
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أنه بهذه الطريقة، لم يبق أمام الأسد سوى الإرهابيين من جهة، والمعارضة التي يهيمن على عناصرها المتطرفون، من جهة أخرى، وفي هذه الحالة، تصبح ادعاءات الأسد المتعلقة بحربه ضد الإرهاب والتطرف “حقيقة” لا “خيالاً”.
المصدر: صحيفة سلايت