يبدو أن تسارع الأحداث في مصر في الأيام القليلة الماضية، صرف أذهان كثيرٍ من المتابعين، عن الإصدار الأخير لتنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي حمل عنوان “حز الرقاب”.
التنظيم ما زال حاضرًا
حمَل إصدار التنظيم “لهيب الصحراء”، مطلع أغسطس الماضي، جديدًا في مواقف التنظيم تجاه بعض الحركات الإسلامية كالإخوان المسلمين وقياداتهم، وكذلك، في واقع الولاية على الأرض والموارد البشرية، وكذلك السلاح الذي اغتنموه من الجيش المصري في معاركهم معه.
لكن الإصدار الجديد “حز الرقاب”، يحمل طابعًا خاصًّا في مفرداته، بدايةً من تأكيد ولاية سيناء على استمرار عناصرها بتنظيم ما يصفوه “بالمفارز” الأمنية، لترصد وتصيد “الجواسيس”، وهنا يمكن التأكيد على أن سلاح التخابر الذي يستخدمه الجيش المصري والصهيوني في حربه ضد الولاية، قد أوجع التنظيم إلى حدٍ كبير، فدونه، يفقد سلاح الجو (السلاح الرئيس في المعركة)، جزءًا ليس باليسير من قوته وإمكاناته، يؤكد على ذلك، ما ذكره الباحث السيناوي وعضو هيئة التدريس في جامعة العريش أحمد سالم على صفحته على فيسبوك تعليقًا على الإصدار “التنظيم عانى بشدة وخسر كثيرًا بسبب مسلحي الصحوات أو المتعاونين مع الجيش، لذلك الإصدار كل فكرته قائمة على ترهيب أي شخص يُفكر في التعاون مع الجيش”.
من داخل الإصدار
قبل الحديث عن فحوى المقطع وتحليل المهم منها، تجدر الإشارة إلى أن عمليات أسر المتعاونين مع الجيش المصري أو الجيش الصهيوني، كان يتم تضمينها ضمن الإصدارات المختلفة، ما يجعل الإصدار مختلفًا عما سبقه من إصدارات منذ عامين في “نوعية” المطروح والمقدم.
يستعرض التسجيل، اعترافات لبعض من أُلقي القبض عليهم، عن ماهية تعاونهم من الجيش، كما تنوعت أشكال التعاون التي أوردها التسجيل بين المشاركة في الحملات العسكرية أو الإدلاء بمعلوماتٍ عن عناصر تنتمي للولاية وأماكن التمركز الخاصة بهم ومناطق وضع العبوات الناسف التي تستهدف القوات والآليات العسكرية أو حتى المشاركة في تحقيقاتٍ تتم داخل الكتيبة 101 (أكبر المقرات العسكرية في سيناء)، كما هو الحال مع توفيق سليمان سليم مهاوش الذي ينتمي لقبيلة السواركة.
عوّدنا تنظيم ولاية سيناء، على سياق الأدلة والتبريرات على عملياته، وتمثيله دائمًا لموقف رد الفعل وليس الفعل، برز ذلك واضحًا في المقاربات التي ساقها التسجيل، في التأكيد على تبعات “التعاون” مع الجيش، والتي تؤدي – حسب الإصدار -، لقصف المساجد والمدارس وبيوت الآمنين، وإصابة الأطفال والنساء دون ذنب.
أحد المتعاونين الذي تم القبض عليهم من قِبل التنظيم، وهو سلامة عبد الله أبو جراد من قبيلة السواركة، اعترف في الإصدار أنه تسبب في إطلاق النيران على سيارة “فيرنا” كان بداخلها سيدة وطفل وتسببت النيران في تفحهما.
من الأهمية أيضًا ذكر أن عمليات الإعدام التي أقدم عليها التنظيم بحق المتعاونين مع القوات الحكومية، تمت في أماكن متفرقة، فجرى ذبح عدد من “العملاء” في مناطق، بلعة – الحلوة – الشلافة – الصابات في مدينة رفح، وكذلك في مناطق الشلاق – أبو طويلة – الحسينات – الزوارعة في الشيخ زويد، وتم تفجير أحد المتعاونين، جنوب المدينة، وجرى ذبح آخر المتعاونين في وسط سيناء، ما يُثبت مدى استمرار التنظيم في بسط سيطرته على هذه المناطق المتفرقة.
رسالة الإصدار
“والجاسوس عندنا، هو كل من أعان الجيش المصري أو اليهودي في حربهم ضد المسلمين ولو بشربة ماء أو إشارةٍ أو مكالمة، ولئن كانت الخيانة مذمومة منبوذة في أعراف القبائل الأصيلة، فهي في شريعة ربنا محرمة، وفاعلها مرتدٌ عن الإسلام، لأنه ارتكب ناقضًا من نواقضه، وحكمه القتل”.
يحدد التنظيم في السطور السابقة، من يقع تحت طائلة “الجاسوسية” من أبناء سيناء، ولو بشربة ماء، مُرسلاً تحذيرات إلى بعض شيوخ القبائل ورجال الأعمال المتعاونين مع الجيش، حتى لا يصير مصيرهم كمصير “صحوات” العراق الذين حفروا قبورهم بأيديهم، حسب الإصدار.
وحسب كثير من المصادر، فإن درجات التعاون مع الجيش المصري أو الجيش الصهيوني، كانت تختلف في شكل الإعدام، فكان المتعاونون مع الجيش المصري يعدمون رميًا بالرصاص، وكان المتعاونون مع الجيش الصهيوني يعدمون ذبحًا بالطريقة البدائية “الحز”، لكن في هذا الإصدار ساوى التنظيم بين درجات التعاون، فمعظم المتعاونين الذين جرى إعدامهم في الإصدار أعدموا ذبحًا.
وفي هذا الإصدار، تكمن لقطته في قول المتحدث في التسجيل “فمن لم يمنعه حز الرؤوس سيردعه نسف الرؤوس، ولدينا مزيد”، حيث تم تفجير جسد عودة النحال جنوب مدينة رفح عن طريق تعليق عبوةٍ ناسفة في رقبته، وتفجيرها عن بُعد.
هذا المشهد، الذي استقاه التنظيم من مشاهد إعدام “الصحوات” في العراق، عن طريق إغراق بعضهم أو تفجير رؤوس البعض الآخر، وهي مرحلةٌ جديدة، يدخلها التنظيم في معركته، ضد أحد أهم الأسلحة على أرض شبه جزيرة سيناء، متوعّدًا بالمزيد!