قد تبدو عدن مساحةً صغيرة في منطق الجغرافيا، لكنّها تحتل مساحة واسعة في عمق التاريخ الإنساني الذي يری في عدن مدينة للتناغم بين جمال الطبيعة وعمق التاريخ الإنساني الذي يتجسّد في شواهد كثيرة في المدينة.
جريمة جديدة خلّفت عشرات الشهداء والجرحی أمام معسكر الصولبان، تضاف إلی سجل كبير من الجرائم التي تكشف مدی الانفلات الأمني وحجم الخلايا النائمة التي لا تزال تعمل بكل قوتها لضرب السلم الاجتماعي وترويج مشروع الإرهاب، كما يريد المخلوع علي عبد الله صالح وشركاؤه الحوثيين.
منذ عام ونيّف، وعدن تعاني من انفلات أمني تسبّب في إزهاق أرواح كثيرين من أبناء المدينة، فضلًا عن الخوف وانعدام الأمن الذي يؤرقهم، في ظلّ غياب فعلي لسلطة الدولة، وإن كانت موجودة شكليًا منذ تحريرها من مليشيات الحوثي وصالح قبل أكثر من عام.
عمليات قتل بدم بارد، طالت قيادات في المقاومة ومواطنين أبرياء تبناها “داعش” إعلاميًا، لكن الوقائع تشير إلی ما هو أكبر من “داعش” الذي يستخدم، كما هو معروف، لتمرير أجندات خفية في عدن، ومن الواضح أنّ هناك خلايا تخريبية ترتبط بالمخلوع صالح، ولديها أهداف تسعی إلى تحقيقها أبرزها التخلّص من قيادات المقاومة التي كانت سدًا منيعًا في وجوههم في أثناء العدوان علی عدن، وبالطبع، ليست قدرات هذه الخلايا كبيرة، لكن الانفلات الأمني صنع منها فقاعة كبيرة.
عقب تحرير مدينة عدن، تسلّمت دولة الإمارات الملف الأمني في المحافظة، وجری تشكيل قوات الحزام الأماني الموالية لها، وأولی مهام هذه القوات تمثّل في تهجير قسري لمواطنين يمنيين، في وقت كانت عدن أحوج إلی قوات أمن تنتشر لحماية المدينة بدلًا من إهانة المواطنين بشكل عنصري وتعقبهم إلی أماكن عملهم.
استطاعت الإمارات إحراز تقدّم في الملف الأمني في عدن، وإن كان هناك قصور في ذلك، لا يمكن الحديث عن مبرّراته ودواعيه، باعتبار أن الحكومة الشرعية عجزت عن توفير الأمن أصلًا، وسمحت للإمارات بممارسة سيادتها في مدينة عدن، وهذا كان سببًا رئيسيًا في منح الإمارات دورًا أكبر من الدور المناط بها، وصل إلی التدخل في قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي، وما ينبغي عليه فعله من عدمه.
تستطيع الحكومة الشرعية ضبط الملف الأمني في عدن، من دون الحاجة إلی الا ستعانة بالخارج، كونها أدری بشعاب عدن، كما أنّها تستطيع أن توقف العبث الذي يطال مواطنيها في عدن، بفرض هيبتها ومؤسساتها علی الأرض، بعيدًا عن التخلّي عن هذا الدور لمصلحة جهاتٍ أخری، رأت الوضع فرصةً لا تعوّض، لتصفية حساباتٍ متشعبة، ترتبط بأجندة متعدّدة تمتد إلی صنعاء وعواصم أخری، وتلتقي عند هدفٍ واحدٍ، يضمن لها السيطرة والنفوذ، ولو علی حساب تضحيات عدن التي تقدّمها ولا تزال.
ختامًا، من هو المستفيد من إبقاء عدن التي تحرّرت قبل عام في دائرة الانفلات الأمني، وإعطاء انطباع للعالم أنّ الحكومة الشرعية عاجزة عن حماية مدينة عدن.