حرب اليمن تدمر الحياة.. حتى خارج حدودها

اليمن

ترجمة حفصة جودة

في السفارة اليمنية ببيروت، تجد على يسارك مطبخًا للخدمة الذاتية وعلى يمينك توجد بعض الوسائد على الأرض يتكئ عليها مجموعة من الشباب في أوائل العشرينيات، هؤلاء الشباب طلاب يمنيين يتخذون السفارة ملجأً لهم منذ أكثر من عامين، التقيت بهم الشهر الماضي، لكنهم لم يطمحوا في أن تساعد تلك المقابلة على حل محنتهم.

لم يتحسن وضع الطلاب في شيء، حتى بعد تغطية موقع “ميدل إيست آي” لوضعهم العام الماضي، في الواقع لقد ازداد بؤسهم بشكل أكبر، 76 طالبًا من أذكى الطلاب في اليمن جاءوا إلى بيروت في منحة دراسية يمنية عام 2014، لكنهم لم يتلقوا أي دعم مالي منذ ذلك الحين، واضطروا للذهاب إلى فصولهم والحياة على حسابهم الخاص رغم غلاء المعيشة في بيروت.

مع عدم وجود دعم مالي من الوزارة، وأسر الطلاب التي تكافح بسبب الحرب المشتعلة في اليمن، كان من المستحيل على الطلاب أن يتمكنوا من تحمل نفقات الحياة الأساسية من مأوى وغذاء ودواء.

مطبخ مؤقت للطلاب في السفارة اليمنية ببيروت

بسبب العجز وعدم قدرتهم على الشكوى، ذهب الطلاب إلى السفارة طلبًا للجوء والنوم في إحدى غرف السفارة الفارغة، لم تتمكن السفارة من مساعدتهم بأكثر من ذلك، فموظفو السفارة لم يحصلوا على رواتبهم منذ عام.

المأساة الإنسانية لحرب اليمن لم تظهر فقط في المجاعة المحتدمة في البلاد، لكنها تجاوزت الحدود أيضًا، فاليمنيون المعتمدون في رواتبهم على المؤسسات العامة يعانون بشدة.

يعاني الاقتصاد اليمني من هبوط حاد بسبب تناحر الفصائل المتنافسة من أجل السيطرة على البنك المركزي، ويعتبر عدم دفع الراوتب لموظفي  الخدمة المدنية من أحدث النتائج، فأكثر من مليون شخص لم يحصلوا على رواتبهم منذ ثلاثة أشهر، هذا الأمر كان له تأثير كارثي على ملايين الأسر.

موظفو السلك الدبلوماسي يعانون من نفس المشكلة أيضًا، سواء في لبنان أو ماليزيا أو السودان أو المغرب وغيرهم، يأتي ذلك بعد قيام المجلس السياسي الأعلى الذي يديره الحوثي – المسيطر على البنك المركزي – بإصدار مرسوم يعلن فيه أن جميع السفارات أعداء لهم ويأمر بقطع الرواتب عن موظفيها.

من الواضح أن الاقتصاد أصبح “ورقة مساومة” بين تحالف الحوثي وصالح من جهة، وحكومة عبد ربه هادي المعترف بها دوليًا من جهة أخرى.

صورة حديثة للطلاب اليمنيين في السفارة ببيروت

أكدّ موظفو السفارة الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم أنه من الصعب للغاية على موظفي السفارة والطلاب أن يتمكنوا من تقديم الشكاوى للسلطة “الصحيحة”، بسبب تزايد الانقسامات وصراع القوة بين مجلس الوزراء الذي شكله تحالف الحوثي وصالح مؤخرًا، وحكومة هادي في المنفى والمعترف بها دوليًا.

أعرب الطلاب والعاملون في السفارة عن يأسهم الكبير، يقول أحمد الحمادي – 24 سنة وطالب إلكترونيات -: “لقد حصلنا على المنحة الدراسية لأننا كنا من أذكي الطلاب في البلاد، وانتهى بنا الأمر في هذا العذاب المدمر”، ويضيف أحمد قائلاً: “انهار الكثير من الطلاب نفسيًا، وأصبح بعضهم في السجون لعدم قدرتهم على تحمل مصاريف تجديد ورق إقامتهم كطلاب، وانتهى بنا الأمر من طلاب أذكياء إلى أشخاص يواجهون الجوع والمعاملة كمجرمين”.

لا نقود ومشاكل كثيرة

يجد الطلاب صعوبة كبيرة في التركيز على الدراسة بينما بطونهم فارغة وتكاليف الإقامة والانتقالات تطارد أفكارهم باستمرار، يقول على الرميم – 25 عامًا وطالب ميكانيكا -: “يمنع القانون اللبناني الطلاب من العمل، إنه غير قانوني أن تعمل بينما لديك تأشيرة طالب، والقيام بذلك يعرضنا للاعتقال والسجن وبعدها الترحيل ودفع غرامة 5000 دولار”.

جميع الأطراف المتحاربة تتحمل مسؤولية عدم دفع رواتب الموظفين وعدم تقديم الدعم المالي للطلاب، يقول أحد موظفي السفارة: “انقسام الحكومة اليمنية أدى إلى انقسام اقتصاد اليمن المتداعي، والذي ينبغي أن يكون محايدًا، ونحن من ندفع الثمن غاليًا”.

يقول محمد عثمان – 23 سنة وطالب إلكترونيات -: “اليوم، عندما لا يموت اليمنيون بسبب الصورايخ أو التجويع حتى الموت داخل البلاد، أو يتم تشرديهم كلاجئين في دول الجوار، فإن اليأس والإذلال يصاحبهم خارج البلاد، هذه الحرب تسببت في أضرار كبيرة في كل ركن في اليمن، من حضرموت إلى صعدة، وطاردت أيضًا هؤلاء الذين فروا من الحرب”.

المصدر: ميدل إيست آي