ترجمة وتحرير نون بوست
منذ بداية معركة تحرير الموصل في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، أشاد المتحدثون باسم الحكومة العراقية وقوات التحالف بتمكن قوات الأمن العراقية من انتزاع عدد من المناطق المحيطة بالموصل من قبضة تنظيم الدولة. وبالإضافة إلى ذلك، تمكنت القوات العراقية من استرجاع السيطرة على مستشفى السلام، الذي يبعد ميلا واحدا عن نهر دجلة.
ولكن بعد معاينة الأوضاع في ساحة المعركة، فإنه يتبين أن المعركة تسير في صالح تنظيم الدول، لكن هذا الاستنتاج ليس مبنيا على مجرد تخمينات.
وأعرب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي الأسبوع الماضي عن تفاؤله بسبب التقدم الذي أحرزته قواته في الموصل، حيث صرح قائلا: “لقد رأينا التنظيم يتهاوى بأكمله، أمام قواتنا المسلحة”. كما أضاف بأن “نجاح قواته في تحرير مساحات واسعة من الأراضي التي استولى عليها التنظيم يشير إلى عدم تحليه بالشجاعة، وعدم قدرته على المواجهة والمحاربة”.
ولكن رغم ذلك، فإن عدد القرى والأراضي التي تم استرجاعها لا يكشف سوى عن وجه واحد من الحقيقة، وقد يكون هذا الوجه محفوفا بالمغالطات.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان الموصل، يبلغ تقريبا مليوني نسمة، بيد أن التنظيم عندما أعلن عن بداية المعركة زعَم أن عدد المقاتلين المنتمين إلى صفوفه يفوق عشرة آلاف مقاتل.
يبدو أن دونالد ترامب يشعر بالسعادة بعد إعلان عن النتائج، ومن المرجح أن يكون حماسه أقل من ذلك بعد تنصيبه بسبب تسلمه لإرث الحربين القائمتين في العراق وسوريا
ومن جهة أخرى، لم يكن التنظيم يخطط لمحاولة افتكاك المدينة بأكملها من الائتلاف، إذا كانت عناصره تشكو من انعدام الكفاءة العسكرية. وبالتالي فإن استعادة عدد كبير من القرى لا يجب أن يفاجئ أي أحد، لأن الخطة الوحيدة الممكنة كانت تقوم على ضرورة إجراء انسحاب تكتيكي بهدف وضع ترتيبات أمنية مسبقة لتعزيز سيطرته في الموصل.
وبإتباعها لهذه الخطة، كانت القوات العراقية تسعى لفرض سيطرتها على المناطق المحيطة بالموصل، وقد تم اعتماد هذه الخطة منذ سنتين، إلا أنها سقوط عدد كبير من الضحايا البشرية.
أما تنظيم الدولة فيمكنه أن يحارب قوات الأمن العراقية من دون أن يقحم جلّ مقاتليه في المعركة، وهو ما سيتيح له فرصة الانسحاب واتخاذ وضعية دفاعية. ومن المحتمل أن تتشبث قوات الأمن العراقية بنفس الخطة إلى أن تبلغ مرحلة عدم القدرة على اختراق المنطقة أو الموت على جبهة القتال. وإذا حَلّلنا خطتها الحالية، فإنه من المرجح في نهاية المطاف أن تتنازل القوات العراقية عن النصف الغربي من المدينة وتركز جهودها أكثر على الجانب الشرقي منها.
ولا يمثل هذا الخط النهائي سوى جزء صغير من شرق الموصل، الذي يعتقد قادة تنظيم الدولة بأنهم يستطيعون الدفاع عنه، كما لا يشكون في قدرتهم على بناء أنفاق سرية داخل المباني. وبالتالي، إذا قاتلت قوات الأمن العراقي بكل بسالة، فإن مقاتلي التنظيم سيشنون هجوماعلى كل شارع، وكل منزل في المدينة. ويتمثل الهدف من هذه الإستراتيجية، في تكبيد القوات العراقية أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية، وذلك لاستنزاف قواها.
ويبدو أن تنظيم الدولة كان على دراية كاملة، بأن قوات الأمن العراقي لن تستطيع التوصل إلى حلّ لإيقاف هذا النزاع الدموي، أو أن التحالف الذي أقيم من أجل دحره لن يستطيع الصمود في حال تواصل القتال لسنة 2017. وعلى الأقل، هناك فرصة ضئيلة بأن يمتد القتال إلى العام المقبل، وهو ما سيجعل كل الأعين متجهة إليهم، ما قد يزيد من عدد المنتمين إلى صفوفه. وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها التحالف إلى الآن، إلا أن نتائج المعركة مازالت غامضة.
ومن جهة أخرى، فإن قوات الأمن العراقية، والميليشيات السنية، والبشمركة الكردية، ووحدات التعبئة الشعبية بالإضافة إلى المساعدة العسكرية الغربية، تمثل مجتمع قوة أقوى بكثير من تنظيم الدولة؛ خاصة وأن هذه القوات مجهزة بقذائف الهاون، والمدفعيات، والصواريخ، والدبابات، والطائرات المقاتلة.
وعلاوة على ذلك، يملك حلفاء بغداد أنظمة نقل وإمدادات لا تحصى ولا تعد، تستطيع تزويدها بالقوى البشرية، والمرافق الصحية والخدمات الطبية خلال المعركة، بالإضافة، إلى كل أنواع الأسلحة والذخائر التي تحتاجها.
وعلى الرغم من أن القوات العراقية تفتقر إلى كل الوسائل التي تستطيع من خلالها دحر تنظيم الدولة، إلا أنها تمتلك ميزة واحدة؛ ألا وهي معرفتها بجغرافية المنطقة أفضل من أي طرف آخر. كما أنها قاما بإعداد مواقع دفاعية منذ عدة أشهر، وأبدت استعدادها لتقديم التضحيات اللازمة من أجل الدفاع عن قضية الوطن. ولكن بعد مرور سبعة أسابيع، تدل كل المؤشرات على أن التنظيم، وليس التحالف، هو الذي يمسك بزمام الأمور في هذه المرحلة.
وذكر التقرير الصادر عن بعثة الأمم المتحدة في الأول من ديسمبر/ كانون الأول أن القوات العراقية قد تكبدت عددا كبيرا من الخسائر مقارنة بتنظيم الدولة، خاصة خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
وأفاد مبعوث الأمم المتحدة، يان كوبيس، في تقرير له، أن “ما يقارب ألفي جندي عراقي قُتلوا و 450 آخرين جُرحوا، بينما لقي 926 من المدنيين حتفهم”.
وإذا كان جلّ ما ذكرته الأمم المتحدة في هذا التقرير دقيقا، فإن ذلك يجب أن يثير مخاوف بغداد. فإذا تكبدت قوات الأمن العراقية كل تلك الخسائر في هذه المرحلة، فماذا سيحصل حين تبلغ مرحلة أصعب من الحرب؟ وإلى متى سيتواصل دعم الشعب العراقي للحكومة إذا استمرت في تكبد هذه الخسائر؟ وإذا لم تستطع قوات الأمن العراقي تحقيق النصر، فهل ستواصل وحدات الحشد الشعبي الشيعي إرسال عناصر آخرين إلى العراق؟ وبالتالي، فإن الآثار المترتبة عن استراتيجية حكومة العبادي، تثير القلق.
لم يكن التنظيم يخطط لمحاولة افتكاك المدينة بأكملها من الائتلاف، إذا كانت عناصره تشكو من انعدام الكفاءة العسكرية. وبالتالي فإن استعادة عدد كبير من القرى لا يجب أن يفاجئ أي أحد
ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يثير قلق واشنطن بالقدر نفسه. خاصة، وأن ما يمكن أن تقوم به إدارة ترامب المستقبلية، إن تكرر سيناريو حلب في الموصل إذا وصلت إلى طريق مسدود؛ لا زال مجهولا. كما أننا لا نعرف في صف من ستقف الولايات المتحدة إذا تدخلت قوات وحدات الحشد الشعبي في المعركة ضد تنظيم الدولة في الموصل واحتدمت الاشتباكات بين الفصائل الشيعية والسنية.
إن الحرب الأهلية التي حذرت منها عديد الأطراف تلوح بوادرها في الأفق. وإذا خرج تنظيم الدولة من الموصل، فإن هذه التهديدات يمكن أن تبرز أكثر إن لم يستطع الائتلاف وضع حد لتقدم قوات التنظيم في مناطق أخرى.
وفي هذا الإطار، واصلت الولايات المتحدة مشاركتها في هذا الصراع متعدد الأطراف في كل من العراق وسوريا، بينما يزداد الأمر صعوبة مقارنة بسقف التوقعات الإيجابي الذي وضعه الائتلاف.
يبدو أن دونالد ترامب يشعر بالسعادة بعد إعلان عن النتائج، ومن المرجح أن يكون حماسه أقل من ذلك بعد تنصيبه بسبب تسلمه لإرث الحربين القائمتين في العراق وسوريا. وإذا ما لم تتحسن الظروف بسرعة، فإنه سيأخذ على عاتقه مهمة اتخاذ القرارات المصيرية في هذا الشأن.
المصدر: ناشيونال إنترست