أنهى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي زيارته لأذربيجان وتوجه لكازخستان أول من أمس، وأكد نتنياهو أن الهدف من الزيارة توطيد وتجديد العلاقات مع اذربيجان التي تقدم لـ(إسرائيل) قرابة نصف نفطها. وأضاف نتنياهو: هذه الزيارة جاءت لتحريك الرأي في العالم الاسلامي وفتح أبواب للتقارب معه وإقامة اتفاقيات سلام أكثر عمقاً مع شعوبه”. من جانبه قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علاييف إن حجم التعاون في مجال المعدات العسكرية الدفاعية بين (اسرائيل) وأذربيجان بلغ نحو خمسة مليارات دولار.
فهل تعكس الزيارة توجهات أو استراتيجيات صهيونية جديدة؟ وما هي الأسباب التي تدفع أذربيجان للتحالف مع (إسرائيل) على حساب إيران على الرغم من التقاطع الأيديولوجي بين البلدين؟ وكيف تستثمر (إسرائيل) النزاعات والخلافات الدولية لصالحها؟
تحمل زيارة نتنياهو إلى أذربيجان دلالات ورسائل سياسية كبيرة ليس للجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط، وإنما للعالم العربي الاسلامي أجمع، حيث يعكس حراك نتانياهو مؤخراً شكل وجوهر الاستراتيجية الصهيونية الجديدة التي تقوم على ثلاث ركائز هي:
1. عملية (السلام) مع المحيط الخارجي غير مرهونة بنجاح (السلام) مع الفلسطينيين.
2. (إسرائيل) دولة طبيعية بالمنطقة تربطها علاقات مع دول عربية وإسلامية، وقد تصوت لها دول اسلامية كانت أم مسيحية في المحافل الدولية، وبذلك تتمتع بشرعية طبيعية مثلها مثل باقي الدول.
3. الأمن، حيث تولي دولة الاحتلال اهتماماً كبيراً بالأمن الذي يحمي مصالح (إسرائيل) في المنطقة.
هناك علاقات دبلوماسية واستراتيجية بين (إسرائيل) وأذربيجان، فقد سبق وأن زار وزير الخارجية افيغدور ليبرمان أذربيجان عام 2012م، وناقشا سبل التعاون الاستراتيجي بين البلدين، والملف النووي الإيراني. وحينها نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقارير تفيد بأن (إسرائيل) اشترت من أذربيجان مطاراً عسكرياً يطلق عليه مطار أذربيجان وهو مطار قريب من الحدود الإيرانية، وتخشى الإدارة الأمريكية من أن يستخدم كقاعدة جوية إسرائيلية في حال قررت الأخيرة توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
اللافت أن أذربيجان دولة إسلامية يبلغ تعداد سكانها نحو ثمانية ملايين نسمة، 80% منهم مسلمون شيعة (اثنا عشرية)، وتجاورها إيران بحدود يبلغ طولها 756 كيلو متر.
ومن الأسباب التي تدفع أذربيجان للتحالف مع (إسرائيل) على حساب إيران على الرغم من التقاطع الأيديولوجي بين البلدين، هو دعم إيران اللامحدود لأرمينيا (المسيحية) في صراعها مع أذربيجان على إقليم ناغورني كرباخ، حيث خسرت أذربيجان المعركة عام 1994م.
وهنا لابد من معرفة أن آخر الإحصائيات تشير إلى أن ثلث سكان إيران من الأذريين، ويبلغ عددهم ما يقارب العشرين مليون نسمة، يتحدثون بلغة مشتركة مع سكان أذربيجان وهي اللغة التركية، وتربطهم تقاليد وعادات وثقافات مشتركة وتفصل بينهما الحدود.
ومن هنا يأتي دعم إيران لأرمينيا على حساب أذربيجان حتى تبقى الأخيرة في حالة استنزاف دائم، لأنه في حال امتلكت أذربيجان القوة فإنها تستطيع تحريك ورقة الأذريين في إيران وتطالب بضمهم إلى الدولة الأذربيجانية، وينحدر بعض زعماء المعارضة الإيرانية إلى أصول أذرية ومن أبرزهم مير حسين موسوي.
وهنا تأتي العقلية الصهيونية التي تلعب دائماً على المتناقضات وتستثمرها لمصالحها القومية، وفعلاً بدأت (إسرائيل) تقوية نفوذها في أذربيجان، حتى استطاعت أن تمتلك مطارات عسكرية وعلاقات ثنائية واقتصادية، وينسجم الفكر الاستراتيجي الصهيوني مع ذلك كون أذربيجان تشكل خاصرة ضعيفة لإيران بحكم الجغرافيا والتاريخ، ومن هنا نقرأ أهمية الزيارات المتكررة لقادة صهاينة لأذربيجان آخرها كانت زيارة رئيس الحكومة نتانياهو للعاصمة باكو، حيث تريد (إسرائيل) في وقت واحد توصيل ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى: إلى الشعب الأذري وحكومته بأن (إسرائيل) جاهزة لدعمه في كل المجالات، وأن أربعة وعشرين عاماً من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ستجني أذربيجان ثمارها قريباً.
الرسالة الثانية: موجهه إلى إيران، بأن توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية قد ينطلق من أذربيجان، وأن (إسرائيل) لها اليد الطولى في منطقة القوقاز.
الرسالة الثالثة: موجهة إلى الدول العربية والاسلامية، ومفادها أن (إسرائيل) تدعو تلك الدول لإقامة علاقات طبيعية معها، والتأكيد على المصالح المشتركة التي ستعود على شعوب تلك البلدان، مع التلويح بحجم القدرات التي من الممكن أن تقدمها (اسرائيل) في مجالات التكنولوجيا والزراعة والأمن (مكافحة الإرهاب والتسلح).