قال مسؤول مقيم في تركيا من الجبهة الشامية المُعارضة يوم الأحد 11 من ديسمبر/ كانون الثاني الماضي إن قوات المعارضة لم تعد تسيطر إلا على مناطق صغيرة فحسب من حلب، بعد فقدان سيطرتها على حي “المعادي”، محذرًا من أن الأمر سينتهي بطريقة مأساوية إذا لم تجلس الولايات المتحدة مع روسيا على طاولة واحدة في مباحثات تنتهي بحل لما يحدث وسيحدث في المدينة.
فيما كان المسؤول وغير والمحللون المخلصون يضعون أيديهم على قلوبهم، وفيما يتم تكتل الآلاف من أبناء حلب بخاصة الشرقية في حيّز ضيق لا يستطيعون الحياة فيه، ولا في المدينة المحاصرة من قبل القوات السورية والروسية والشيعية، والقصف يزهق بالأرواح، والقتل يعمل في الأجساد البريئة بما فيها النساء والعجائز والكبار السن، كانت الأمم المتحدة تُعد لأمر آخر مُختلف تحقق في صباح اليوم التالي.
مجلس الأمن الدولي
اجتمع مجلس الأمن يوم الإثنين الماضي، فيما مأساة حلب تزداد اشتعالًا، ليدعو بالإجماع دول العالم إلى تبادل المعلومات، بحسب القانون الدولي والقانون المحلي والتعاون على المستويات كافة بما فيها الشرطية لمنع حدوث أعمال إرهابية ومكافحة تهديد المقاتلين الأجانب!
وصاغت إسبانيا القرار رقم (2322)، الذي أقره المجلس مؤخرًا، ويدعو إلى “تعزيز التعاون بين دول العالم من أجل عدم توفير ملاذ آمن لمن يمولون أعمالاً إرهابية أو يديرونها أو يدعمونها أو يرتكبونها”، بحسب الأناضول.
وحين الاستمرار في متابعة الخبر عن الاجتماع، وبخاصة ضرورة تسليم اللاجئين المُتهمين في حوادث إرهابية، يُصاب العاقل بحيرة غير محدودة، يبحث مجلس الأمن هذه التفاصيل التي تمثل محاربة للدخان المحتمل الناتج عن حرائق، ومأساة مدينة كحلب تتفاقم في نفس الوقت كحريق هائل جديد لا يؤرق ضمير العالم، ولا يهمه إطفاءه!
تبحث المؤسسة الأممية في قانون إجراءات للحد مما تسميه المؤسسة (إرهابًا) تاركة المدنيين في المدينة يواجهون الموت دون أن يهتز جفن لها أو للقائمين عليها!
تندلع ثورة ضد نظام طاغية ظالم لا يعامل شعبه كما تُعامل الحيوانات في دول متقدمة، مع الاعتذار لكل شريف حر في سوريا والعالم، ويشاهد العالم في صمت مخجل منذ 15 من مارس/ آذار2011م السوريين وهم يُنكل بهم، بل يُقتلون ويُبادون، وهم سلميون، حتى تحولت الثورة إلى مسلحة، وتقدمت المعارضة (قيل بمعونة أمريكية وخليجية) لتسيطر على 85% من أحياء حلب الشرقية، لكن قوات نظام الأسد استغاثت بروسيا ليوافق برلمانها في 30 من سبتمبر/ أيلول 2015، لتنقلب المعركة رأسًا على عقب، وتصبح ثاني أكبر المدن السورية عرضة للاسترداد من قبل نظام الأسد.
هذا عن بلد كان يريد حراكًا ديمقراطيًا، وفسحة أمل في سلام يحتويها ويسمح للأب أن يرى الأمل في عيون صغاره في حياة أفضل مما عاشها تحت قسوة الظلم والقتل والاعتقال، وما رآه أو سمع عنه في حماة التي أبادها نظام حافظ الأسد بداية 2 من فبراير/ شباط 1982م، ولمدة 27 يومًا، ليستشهد قرابة 40 ألفًا، بحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، ويُهجر عن المدينة قرابة مائة ألف، تحت سمع وبصر العالم، والسوريون إذ تمنوا كانوا يظنون أن العالم تغير بما يكفي لئلا يعيد “بشار الأسد” فيهم سيرة أبيه.
أما ما حدث ويحدث فهو استشهاد منذ مارس/ آذار 2011م ما قيل إنه أكثر من 600 ألف سوري دون تحقيق هذا الهدف، وحدوث أزمة لاجئين كبرى جراء نزوح ملايين السوريين عن وطنهم، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد نزح من أحياء حلب، ثاني أكبر المدن السورية، بخاصة الشرقية 120 ألف خلال الشهر الماضي.
وتستمر المآساة رغم تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، هذا الأسبوع، وقد بدد فرصًا ثمينة لوقف المأساة، على مدار شهور، إن لم يكن مشاركًا فيها على نحو فريد، وجاء ليتحدث قرب تغيير الإدارة الأمريكية كلها في 20 من يناير/ كانون الثاني المُقبل ويقول بإن “القصف العشوائي من قبل النظام ينتهك القوانين أو في كثير من الحالات (يعتبر) جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب”، بالإضافة إلى دعوات السلام (الصوتية) عبر كلمات للبابا فرنسيس الأحد الماضي.
كيف يستقيم ادعاء الأمم المتحدة أنها تسن تشريعات جديدة لحرب (الإرهاب) داعية دول العالم إليها، ومساء الثلاثاء التالي للاجتماع، بعد يوم واحد منه، لا يستطيع المصابون الخروج من المدينة ويتساقطون مغادرين الحياة؟ وعشرات الحافلات تنتظر الإذن بتحميل المدنيين ليغادروها دون جدوى؟ وبحسب “الجزيرة نت” فإن الميليشيات الشيعية تمنع خروجهم، وتقتل ما تستطيع الوصول إليه منهم!
إن شعوبًا بالدول العربية التي تُسمى دول الربيع العربي، عدا تونس الأفضل حالًا نسبيًا، وهي ترى ثورات قامت فيها، وتضحيات مئات الآلاف بأرواحهم في سبيل تحقيق بداية نهضة وحياة شبه سويّة بها، عوضًا عن أن تكون كريمة، وهي ترى بعد سنوات أنها لم تحصد شيئًا، على الإطلاق، بل إن اليمن تتقهقر بخوضه حرب جديدة تقودها قوات التحالف الدولي لدعم الشرعية بقيادة السعودية منذ نهاية مارس/ آذار2015م لحماية الشرعية من أنصار الله (الحوثيين) وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ليسقط ما يزيد على 7 آلاف مفارقين الحياة، ويعاني ملايين من حالات احتياج إنسانية حادة، بما فيهم أطفال رضع لما يبلغوا الحُلم، فضلًا عن الأمهات والعجائز والشباب الذين يلقون الله، بفعل القصف والمعاناة الإنسانية، فيما ليبيا تعاني عدم الاستقرار، فضلًا عما هو معروف من مصير مؤلم لأبرز فصائل الثورة المصرية من الإخوان المسلمين بخاصة، والمخلصين الشرفاء بعامة، وتردي حال مصير دول عربية أخرى رأت ما حدث لدول الثورات فتراجعت عن الاعتراض على حكامها، وهو مصير دول إسلامية تشاهد حال هذا وذاك، وتعاني في صمت.
كيف يمكن لهذا العالم أن يستقر الحال فيه، ومن أين يأتي الملايين من الأحياء ممن رأوا أبناء بلادهم بل أهاليهم يقتلون ويصابون ويلقون في غياهب السجون، من أين يأتي أبناء الوطن العربي والإسلامي بالأمن والأمان، وهم يُقتلون ويذبح آباؤوهم لمجرد مطالبتهم بحياة كريمة؟!
إن سحب الإرهاب التي تتجمع مخلفة حوادث مريرة يُنكرها كل ذي دين ومروءة وضمير حي، ليس الجلوس خلف الموائد المستديرة وإصدار التشريعات بحل لها، بل إن الأمر أمر إنسانية مطالب العالم بالتراجع عن تبعيته للحمقى من الحكام هنا وهناك، في الغرب كما في الشرق، أولئك الذين يستدعون الإرهاب الذي ننكره لكن نحث على دراسة أسبابه الحقيقية، وعدم إثارة الظلم وتبعاته في النفوس، ومن ثم استدعاء أسوأ ما فيها.
خسر الذين انحازوا إلى تأجيج الحروب وإثارتها لإبقاء حضارة وحيدة سائدة في العالم، ولتحقيق مزيد من مبيعات السلاح، وأحيانًا إجراء تجارب على تطويرها، بل خسر العالم، من آسف، من هناءته وسعادته ولحظات استقرار كان من الممكن أن يحياها، لولا انحيازه للطغاة الظلمة الذين يحققون مآرب الدول العظمى في المكانة الاعتبارية والمادية في صدارة العالم، ويكفي أن عام حكم الرئيس محمد مرسي في مصر كان الأقل في عدد الحوادث الإرهابية في العالم نظرًا لأن الملايين من البشر شعروا في أرجائه أن هناك حراك سلمي يمكن أن يحرر أوطانهم، وهذه الملايين عادت منهم نسبة، ولو أقل من القليلة إلى التعبير عن انكسار الحلم، بشكل لا يرضاه ذو ضمير حي، ولكن له أسباب.
لا يُولد الظلم إلا الظلم، ولن يتمتع هذا العالم بنعمة الأمن إلا عندما يحاول أن يُذيقها الضعفاء في إرجائه، ولكن مَنْ ذا الذي يعي ويفهم من الظلمة والمتكبرين والطغاة بين أرجائه؟!