لاحظ الجميع النبرة السلبية التي سيطرت على أغلب التحليلات التي تناولت خبر رفع سعر الفائدة الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي، لكن ربما لم توضح هذه التحليلات بشكل مباشر أسباب هذه النبرة وكيف سيتأثر الاقتصاد العالمي سلبًا بقرار الفيدرالي الأمريكي، القرار كانت له انعكاساته السريعة من هبوط الذهب والأسهم وتراجع أسعار النفط وقفزة قوية لسعر الدولار مقابل جميع العملات تقريبًا، لكن لماذا رفع الفائدة الأمريكية سلبي إلى هذه الدرجة؟
قبل الإجابة على هذا السؤال فإن البنك المركزي الأمريكي رفع سعر فائدة الأموال الاتحادية 25 نقطة أساس إلى نطاق بين 0.50 و0.75%، وهذا الرفع الأول منذ عام، والثاني خلال أكثر من 10 سنوات، ويهدف المركزي من خلال هذه الخطوة التأكيد على تعافي أكبر اقتصاد بالعالم من آثار الأزمة المالية العالمية 2008، لكن هذا التعافي الذي ربما يجده الكثيرون مصطنعًا أكثر من كونه تعافيًا حقيقيًا، سيدفع ضريبته الاقتصادات الناشئة، بالإضافة إلى أن القرار يأتي عكس التوجه العالمي الذي يلجأ إلى الفائدة السالبة، الأمر الذي سيولد ضغوطًا كبيرة على البنوك المركزية العالمية.
ارتفاع سعر صرف الدولار أمام باقي العملات
رفع الفائدة الأمريكية سلبي لأن كل الأصول المقومة بالدولار ستصبح أكثر جاذبية للمستثمرين في أنحاء العالم، وبالتالي سترفع قيمة الدولار لزيادة الطلب عليه، بالإضافة إلى تضرر العملات الأخرى، ونزوح رؤوس الأموال التي تبحث عن عائد أعلى من الاقتصادات التي بدأت تتعافى في السنوات الماضية، بالإضافة إلى أن رفع الفائدة يضيف التزامات جديدة على أغلب الدول بسبب ارتفاع أعباء الديون الدولارية.
المركزي الأمريكي كان قد رفع سعر الفائدة في ديسمبر 2015 بربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ 10 سنوات، وهو الأمر الذي ساهم في صحوة الدولار المتواصل خلال العامين الماضيين، وصعود الدولار هو أبرز سلبيات هذا القرار على العالم، فبعيد عن ارتفاع كلفة الاقتراض، فإن تأثير الارتفاع المستمر يمكن النظر إليه من عدة جوانب، فالدولار وصل إلى أعلى مستوى له في 14 عامًا، وهذا يعني أن الدين العالمي الذي يقدره صندوق النقد الدولي بنحو 152 تريليون دولار أغلبه مقوم بالدولار.
الأزمة الأكبر لا تكمن في الدين العالمي فقط، بل إن 85% من التعاملات العالمية تتم بالدولار
الأزمة الأكبر لا تكمن في الدين العالمي فقط، بل إن 85% من التعاملات العالمية تتم بالدولار، كما أن أغلب أسعار السلع مقومة بالدولار، بالإضافة إلى أن كثيرًا من الدول تربط عملاتها تمامًا بالدولار الأمريكي، كل العالم تقريبًا متضرر من رفع الفائدة الأمريكية، فيما عدا أمريكا التي تستخدم هذه الورقة للبقاء على رأس الاقتصاد العالمي على حساب معاناة الجميع.
كل هذه المصائب قد لا تذكر بجوار ما ينتظر العالم العام القادم إذا قام مجلس الاحتياطي الاتحادي بتسريع وتيرة رفع الفائدة، حيث ارتفع متوسط توقعات المركزي لرفع الفائدة إلى ثلاث زيادات كل منها بمقدار ربع نقطة مئوية لتصل في 2017 إلى زيادتين في سبتمبر، ومن المرجح أن يعقب ذلك ثلاث زيادات أخرى في كل من 2018 و2019 حتى تستقر الفائدة عند مستوى عند 3% في الأجل الطويل.
الأمر الذي يعني أن الصين ستشهد مزيدًا من التباطؤ، حيث إن حجم رؤوس الأموال التي خرجت منها خلال الربع الأول من 2016 يصل إلى 123 مليار دولار، ومع ارتفاع الفائدة أكثر ستكون نسبة الخروج أكبر، وانخفاض أكثر في احتياطات البلاد التي فقدت نحو 25% منذ عام 2014.
على الجانب الآخر هبط الذهب لأدنى مستوى في 10 أشهر، وسيطر الهبوط كذلك على بقية المعادن بالإضافة إلى النفط، الذي يكافح من أجل الصعود بعد اتفاق أوبك الأخير، وعلى المستوى الأمريكي، وبحسب بنك أوف أميركا فإن ارتفاع الدولار بنسبة 25% وبالمفهوم التاريخي يعقبه دومًا ركود للأرباح في الفصول القادمة ويبلغ 10% تراجعًا لها.
خطوة الفيدرالي قد تجبر البنوك المركزية العالمية على مراجعة سياساتها النقدية، لأنه مع ارتفاع قيمة الدولار
عمومًا خطوة الفيدرالي قد تجبر البنوك المركزية العالمية على مراجعة سياساتها النقدية، لأنه مع ارتفاع قيمة الدولار، لا يمكن للبنوك المركزية وعلى رأسها المركزي الأوروبي والياباني، الإبقاء على برامج التيسير والفوائد المتبع حاليًا.
وأخيرًا فإن الأمر قد يكون مرتبطًا بنجاح دونالد ترامب في تنفيذ خططه التحفيزية ومشروعه الانتخابي، والذي يتضمن خططًا للتحفيز المالي وتحسن معدلات النمو الاقتصادي بأمريكا، هو الأمر الذي سيجنب الشركات الأمريكية فقط ارتفاع تكاليف الاقتراض، لكن يبقى الاقتصاد العالمي يحصد الخسائر، بسبب أنانية أكبر اقتصاد في العالم.