بعد حذف صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع والفتوحات الإسلامية وكل ما يحض على الجهاد أو له أي علاقة من قريب أو بعيد بإحياء أمجاد الأمة الإسلامية من مناهج التعليم، ودعوات إلغاء خانة الديانة من بطاقات الهوية، انتشرت الآن بعد حادثة الكنيسة البطرسية دعوات خبيثة ومنظمة لإلغاء حصة التربية الدينية الإسلامية كلها من المدارس، حيث إنه ثبت أخيرًا أنها تغذي نوازع التطرف والإرهاب عند البراعم كما يروج أصحاب تلك الدعوات، وسيخرج علينا من يقول إننا نروج لأكاذيب بغرض إثارة البلبلة في المجتمع، بيد أننا نزعم أن من يتم نفيه اليوم سيصبح حقيقة غدًا كما عودنا النظام حين يريد تمرير بعض القوانين والإجراءات.
الإعلامي المصري تامر أمين: إن تفسير سورة الفاتحة يشجع على الإرهاب
التربص بكل ما هو إسلامي
بدا واضحًا أن المناخ السياسي الذي تعيشه مصر بعد الانقلاب العسكري لا يشجع إلا على استباحة كل ما هو إسلامي من ثوابث ورموز إسلامية، حتى وصل الأمر حد التعرض لنص قرآني ثابت وهو سورة الفاتحة، وكأنهم لم يكتشفوا معنى آخر آية في السورة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} إلا بعد حادثة الكنيسة البطرسية، عندما قال الإعلامي الموالي للسلطة تامر أمين أن تفسيرًا لسورة الفاتحة يشجع على الإرهاب، في رسالة واضحة الدلالة بأن الخلل في النص القرآني، أي أنه ببساطة المشكلة في الإسلام وليس في المسلمين وهذا هو الأخطر، ذلك أن الأمر تعدى العبث بكتب التراث كالبخاري ومسلم إلى القرآن الكريم نفسه والبقية تأتي.
تجديد الخطاب الديني دون المسيحي
كلما قرأت أو سمعت عن تجديد الخطاب الديني بعد 30 من يونيه، تحسست رأسي، وأدركت أن المقصود هو تمييع الدين لخدمة أجندة السلطة والحاكم، وتجريف منابع الدين عبر العبث في النصوص وتفريغها من مضامينها الشرعية، فضلًا عن تشويه الرموز الدينية قديمًا وحديثًا، والعبث بثوابت ومقدسات الأمة، وفتح الباب أمام كل ناعق للنيل من الإسلام عقيدة وشريعة تحت ذريعة حرية الفكر وفتح الباب أمام العقل ومحاربة الجمود.
وتصريحات فاطمة ناعوت وإسلام بحيري الأخيرة عن أن المشكلة تكمن في التراث الإسلامي تخدم هذا التوجه، في الوقت الذي يتم غض الطرف عن عمد عن مجرد الاقتراب من الكنيسة أو مناهجها، حيث لم نسمع يومًا عن تجديد الخطاب الديني المسيحي وما يحويه من مغالطات فجة وإساءات بالغة للإسلام ولرسول الإسلام، ما ينسف الثقة في تلك الدعوات من الأساس، ويطعن في صدقية وحيادية الداعين لهذا التجديد المزعوم.
تدخل الكنيسة في تغيير المناهج
أعتقد أن من يظن أن قيادات الكنيسة الأرثوذكسية بعيدة عما يسمى تطوير التعليم وتنقية مناهج التعليم فنظرته ناقصة لما يجري في مصر بعد 30 من يونيه، ذلك أن هناك تصريح واضح وصريح وحاسم ولا يحتمل التأويل أو التبرير، ففي حواره مع صحيفة “جود نيوز” الكندية والذي نشره موقع “العربية نت” بتاريخ 23 من إبريل 2014 وقبل تنصيب السيسي رسميًا بشهر ونصف، أكد البابا تواضروس بلهجة قوية ومقتضبة أن الكنيسة ستقول رأيها في أي أمر لمن هو في سدة الحكم دون خشية من أحد.
وقال نصًا وهذا هو الأخطر: “هناك مؤسسة في المجتمع المصري تجمع الأزهر بالكنيسة وهي “مؤسسة بيت العائلة”، وتلك المؤسسة أخذت على عاتقها مهمة تنقية مناهج التعليم ونجحت في ذلك، وبدأنا في إزالة أجزاء من المناهج”.
تلفيق تهم الإرهاب بالتيار الإسلامي دون غيره
في كل حادثة عنف أو انفجار هنا أو هناك تتوجه أصابع الاتهام مباشرة بشكل مبرمج، ومنذ اللحظة الأولى لمسلمين أو ينتمون لجماعات أو تنظيمات إسلامية، المهم أن يكون الفاعل “مسلم” للإيحاء دائمًا بأن الإرهاب صناعة إسلامية خالصة دون غيره.
فإن هُوجمت المساجد والكنائس فالجاني مسلم في كل الأحوال، وكأنهم يقولون إن كل الأديان والملل ملائكة تمشي على الأرض عدا أتباع الدين الإسلامي، وليس أدل على ذلك من إعلان السيسي أمام رأس الكنيسة عن اسم مفجر الكنيسة البطرسية بعد أقل من 24 ساعة على الحادث وكرر اسمه 3 مرات قائلًاً: “محمود شفيق محمد مصطفى”.
كما أكد بلاغ محامي النظام سمير صبري أن المتهمين اعترفوا خاصة المتهم رامي محمد عبد الحميد المسؤول عن إيواء الانتحاري محمود شفيق داخل شقة الزيتون وتجهيزه بالمواد المفجرة أن الانتحاري منفذ العملية الخسيسة ظل طول ليلة الحادث يستمع إلى فلاشة كانت معه مسجل عليها خطب القرضاوي التي تحرض على أن القيام بالعمليات الانتحارية ضد الأقباط وتفجير كنائسهم ونهب أموالهم وأعراضهم هي نصر للإسلام ومصيره الجنة الخالدة والحور العين، نقلاً عن الأهرام (16 ديسمبر).
التمييز بين المسلم والمسيحي في الدماء
من رسخ للتمييز بين المصريين على أساس الدين والعقيدة هو نظام عبد الفتاح السيسي، فهو الذي تاجر بالاعتداء على الكنائس وقام بتسويقها إعلاميًا وكأنها عملٌ ممنهج ليرسخ في أذهان المصريين لا سيما البسطاء مفهوم الفتنة الطائفية في أقبح صورها، حيث إظهار مظلومية واضطهاد الأقباط على يد الأغلبية المسلمة، على عكس الواقع تمامًا.
ذلك أن نظام السيسي هو من حطّ من شأن رعاياه المسلمين، حين قرر برلمانه المعين، تخصيص 100.000 ألف جنيه لكل ضحية “مسيحي” في انفجار الكنيسة البطرسية، في مقابل 5000 جنيه فقط للمصري المسلم في حوادث سابقة كحوادث القطارات والحافلات وآخرها ضحايا مركب رشيد.
السيسي هو من زرع بذور الفتنة والطائفية حينما ضرب قيم المواطنة في مقتل، الأمر الذي دفع البعض إلى النظرة إلى تصنيف المصريين بحسبانهم مسلمين أم مسيحيين وليسوا مصريين لهم كامل الحقوق وعليهم الواجبات كافة في دولة تحكمها القانون، هذا في الوقت الذي يخدعنا فيه مع نخبته العلمانية وأذرعه الإعلامية ويصدع رؤوسنا كذبًا وزورًا بالحديث عن قيم المواطنة والمساواة، بينما يخطو بخطى حثيثة في طريق مسح هوية المصريين الإسلامية وتجريف منابع الدين بحجة محاربة التطرف والإرهاب، ذلك أن النظام الذي يبتز العالم بمحاربة الإرهاب والتطرف هو من يزرع بذور الفتنة، ويعمل على تهيئة البيئة الحاضنة للتطرف بسياسات القمع والقهر والعنصرية.