ظُهر الخميس، أمام مقر سكناه في منطقة العين بطريق منزل شاكر من معتمدية صفاقس الجنوبية، قتل محمد الزواري، في البداية قيل إنّها قضية “حق عام”، وبعد تطورات متلاحقة أصبحنا نتحدّث عن عملية اغتيال لعالم تونسي له اتصال بحركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
8 طلقات نارية مباشرة بجمجمته أثناء جلوسه بسيارته أمام منزله في منطقة العين بمحافظة صفاقس جنوب تونس، كانت كفيلة باغتياله وإنهاء حياته العملية والعلمية، بعدها مباشرة نشرت وزارة الداخلية التونسية بلاغًا، قالت فيه إنه تم العثور على جثة مواطن تونسي داخل سيارته وأمام منزله يبلغ من العمر 49 سنة ويعمل كمدير تجاري بشركة خاصة، وتبين حسب المعاينات الأولية أنّه تعرض إلى طلق ناري.
بعد هذا البلاغ، نشرت الوزارة بلاغًا ثانيًا، أكّدت فيه تمكن الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بإدارة الشرطة العدلية بالتعاون مع وحدات إقليم الأمن الوطني بصفاقس من إيقاف 5 أشخاص يشتبه في تورطهم بجريمة القتل التي وقعت يوم 15 من ديسمبر 2016 في منطقة العين ولاية صفاقس، والتي استهدفت مواطنًا تونسيًا يبلغ من العمر 49 سنة داخل سيارته وأمام منزله.
لتتمكن وحدات الأمن التونسي بعد ذلك من حجز 4 سيارات خفيفة لها علاقة بجريمة الاغتيال، من بينها اثنتين تم تسويغهما من شركة كراء سيارات وهمية بتونس العاصمة لمدة شهر، وقد سجل وجودهم في صفاقس منذ 3 أيام وهي سيارات على علاقة مباشرة بتنفيذ الجريمة حيث وقع العثور داخل إحداها، على مسدسين وكاتمي صوت، وعقد كراء السيارتين.
الصحافة الإسرائيلية تناولت عملية الاغتيال ونسبت بعضها تنفيذ العملية إلى الموساد
ورغم قول مساعد الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بصفاقس مراد التركي، في تصريحات إعلامية، إنه من السابق لأوانه الحديث عن إضفاء صبغة إرهابية للقضية المذكورة، فإن المعطيات التي تم كشفها في علاقة بالقضية تؤكّد عكس ذلك، خاصة بعد التقارير التي أفادت بعمل الزواري مع الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وتورط الموساد الإسرائيلي في عملية الاغتيال، وما نشرته قناة الجزيرة في وقت لاحق من مساء هذا اليوم -بعد نشر هذا التقرير بساعات- عن مصدر خاص بكتائب القسام، أكد فيه أن الزواري كان عضوًا بكتائب القسام، وهو أحد رواد مشروع الطائرات بدون طيار، التي تعمل عليها الكتائب في قطاع غزة.
هل الموساد متورط بالعملية؟
الصحافة الإسرائيلية تناولت عملية الاغتيال ونسبت بعضها تنفيذ العملية إلى جهاز الموساد، حيث نشر موقع “جوريزلم بوست” مقالًا تحت عنوان “تقارير: الموساد يغتال مجنّدًا لحماس في تونس”، وأفاد المقال أن محمد الزواري المعروف لدى “إسرائيل” باسم “المهندس” وُجد مقتولًا قرب سيارته في مدينة صفاقس بحسب ما أعلنته وسائل إعلام محلية تونسية.
وقال الموقع إن الجهات الرسمية الإسرائيلية، لم تردّ بعد على الاتهامات باغتيال الزواري، “المعروف باتصالاته مع حركة حماس، والذي يعود له الفضل في تطوير عدد من الطائرات من دون طيار التي تملكها الحركة” حسب ما جاء في المقال.
المهندس الزواري، من مواليد عام (1966)، ويعتبر مخترع أول طائرة من دون طيار في تونس، وطيّار سابق في شركة الخطوط التونسية، كما كان يعمل مهندسًا بإحدى الدول العربية ومتزوج من امرأة سورية
وتناولت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية خبر اغتيال المهندس الزواري، وذكرت الصحيفة أن الإعلام التونسي يتهم بهذه العملية جهاز الموساد الإسرائيلي، مشيرة إلى تدوينة الإعلامي التونسي برهان بسيّس الذي أفاد بأن الزواري كان على علاقة مع حركة حماس منذ مغادرته تونس سنة 1991 باتجاه سوريا، وقال ذات المصدر إن محمد الزواري بات مقربًا جدًا من الحركة التي وصفتها بـ”الإرهابية”، وقدم لها المساعدة بفضل خبراته الهندسية، كما كان تحت مراقبة الموساد الإسرائيلي.
وقالت القناة الإسرائيلية العاشرة إن السلطات التونسية تعتقد أن هناك 3 أجانب يحملون الجنسية الأوروبية والمغربية وراء العملية، كما أفادت نفس القناة بأن تقريرًا ثانيًا يشير إلى أن مواطنة من هنغاريا التقت بالمهندس التونسي الرفيع منتحلة صفة صحفية، وأضاف القناة الإسرائيلية على موقعها الرسمي أن اللقاء جرى بوجود رجل آخر، مؤكدة أن المرأة تركت المكان بسرعة.
https://www.facebook.com/zitounatv.official/videos/857313294399298/
المهندس “الزواري” من مواليد عام (1966)، وهو مخترع أول طائرة دون طيار في تونس، وهو طيّار سابق في شركة الخطوط التونسية، وكان يعمل مهندسًا بإحدى الدول العربية ومتزوج من امرأة سورية، ومديرًا تجاريًا بشركة خاصة، وطالب دكتوراة بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وهو مؤسس نادي الطيران الجامعي في المدرسة التونسية للمهندسين.
وفي عام 1991، هرب الزواري من نظام بن علي إلى عدة دول من بينها السودان التي أقام بها 3 سنوات، قبل أن يستقر في سوريا، ويتزوج بسورية، إلى أن عاد بعد الثورة وواصل دراسته للحصول على شهادة الدكتوراة.
اتّهم الإعلامي التونسي “برهان بسيس”، الموساد الاسرائيلي باغتيال المهندس محمد الزواري وكتب تدوينة في موقعه على الفيسبوك جاء فيها: “عاجل وخطير: معطيات من مصادر موثوقة حول اغتيال محمد الزواري في صفاقس محمد الزواري خرج من تونس سنة 1991 استقر لمدة قصيرة في ليبيا ثم السودان ثم سوريا، في سوريا ربط علاقات متطورة مع حركة حماس الفلسطينية، وكان مقربًا منها ليتعاون مع جناحها العسكري الذي استفاد من مهاراته العلمية ونبوغه، رصده الموساد الإسرائيلي منذ مدة وكان محل متابعة إلى حدود آخر تنقل له الذي كان منذ مدة قصيرة في لبنان، قبل أن يعود إلى تونس وصفاقس تحديدًا التي تم اغتياله فيها.. الخلاصة: الموساد الإسرائيلي نفذ عملية الاغتيال بصفاقس”.
ليكتب بسيس بعدها مباشرة، تدوينة أخرى جاء فيها: “أريد أن يكون كلامي هذا آخر ما أتورط فيه في المجادلة العقيمة مع التشكيك الساذج المغلف بخليط من الجهل وسوء النية.. من ينتظر تبنيًا إسرائيليًا رسميًا لجريمة الاغتيال عليه أن ينتظر إلى قيام عيسى، فإسرائيل على مر تاريخها الطويل في العمليات الخارجية لم تعترف بأي واحدة منها لأنها ستكون تحت طائلة القانون الدولي.. من قائمة غولدا إلى اغتيال المبحوح مرورًا بعملية قصف حمام الشاطئ وما أوضحها استعراضية، ورغم ذلك إلى الآن لا تعترف بها أو تتبناها رسميًا”.
من جهته قال الصحفي في قطاع غزة وسام عفيف في أثناء تدخله المباشر في إحدى القنوات التليفزيونية التونسية الخاصة: “الجهة الوحيدة التي لها مصلحة في اغتيال محمد الزواري هو الموساد الإسرائيلي”.
الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مشير المصري، قال في تصريح إذاعي، إن الجناح العسكري للحركة “كتائب القسام”، هو الجهة المخولة بالإعلان عن وجود أي ارتباطات مع مهندس الطيران التونسي محمد الزواري الذي اغتيل الخميس في صفاقس.
وقال المصري: “الشهيد الذي أفصح عن قدراته الهندسية والتكنولوجية في صناعة الطائرة دون طيار، وثم استهدافه بعد ذلك على هذه الخلفية، يعني أن المستفيد من ذلك دولة الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال لديه سجل حافل بالاغتيالات السياسية وخاصة النشطاء العرب والمسلمين وكل أحرار العالم الذين أظهروا قدرات في القضايا التكنولوجية والعسكرية خاصة في موضوع الطائرة دون طيار الذي يروج الاحتلال أنه الوحيد القادر على صناعتها، بناءً على ذلك اعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي متورط في عملية الاغتيال”.
وفي وقت لاحق من مساء هذا اليوم، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام لقناة الجزيرة، أن المهندس الزواري هو أحد أعضائها، وأحد رواد مشروع الطائرات بدون الطيار الذي تعمل عليه الحركة في قطاع غزة، في تأكيد نهائي من الكتائب حول ارتباط المهندس بها، ومما يعطي تأكيدات أكثر حول تورط الموساد الإسرائيلي باغتياله.
عاجل | مصدر بالقسام للجزيرة: الزواوي كان عضوا في القسام وأحد رواد مشروع طائرات بدون طيار
— الجزيرة – عاجل (@AJABreaking) December 17, 2016
حركة النهضة الإسلامية، أحد مكونات الائتلاف الحاكم في تونس وأكبر قوة برلمانية في البلاد، طالبت في بيان لها أمس عقب اجتماع لمكتبها التنفيذي، السلطات الأمنية في تونس بالكشف عن منفذي اغتيال الزواري، كما دعت العمادة الوطنية لمهندسين التونسيين “السلطات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها وفتح تحقيق جاد في الجريمة النكراء والوقوف على ملابساتها…”، فيما أصدر الاتحاد العام التونسي للطلبة (منظمة طلابية)، الذي نشط في صفوفه الزواري سنوات الجامعة، بيانًا ندّد فيه بعملية الاغتيال وطالب “السلطات التونسية بكشف كامل الحقيقة عن هذه الجريمة النكراء ومتابعة من خطط لها ونفذها في الداخل والخارج”، معتبرًا أن عملية الاغتيال استهداف للخبرات العلمية التونسية والعربية وسعي من أعداء الأمة لإجهاض كل محاولات الاستقلال العلمي والأكاديمي.
هل لاستقالة مدير الأمن الوطني علاقة بالحادثة؟
إلى ذلك، وبعد ساعات من جريمة الاغتيال أعلن المدير العام للأمن الوطني التونسي عبد الرحمن بلحاج علي استقالته من منصبه دون ذكر أسباب، فيما لم تستبعد مصادر سياسية أن تكون أسباب الاستقالة عملية الاغتيال.
مدير الأمن الوطني التونسي بلحاج
وكان المدير العام للأمن الوطني صرح لـ “الإخبارية” التونسية، مساء الخميس، أنه قدم استقالته ولم تتم إقالته، في إشارة إلى أنها جاءت احتجاجًا على قضية ما، وذكر الموقع أن الاستقالة جاءت عقب اجتماع عاصف جمع وزير الداخلية الهادي مجدوب بمدير عام الأمن الوطني عبد الرحمن بلحاج علي، إلا أن تقارير إعلامية تفيد أن بلحاج استقال “رفضًا لتدخلات من جهات سياسية داخل الجهاز الأمني، ولخلافات كبيرة مع وزير الداخلية الهادي مجدوب”.
وكان بالحاج مدير الأمن الرئاسي زمن المخلوع ابن علي، وتمت إزاحته بسب تحريض زوجة بن علي عليه، وتم نقله إلى موقع دبلوماسي في موريتانيا، واستعاده للخدمة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
علامات استفهام حول دحلان مجددًا!
نقلت وسائل إعلامية محلية في تونس، تقارير تفيد التقاء القيادي الفلسطيني المطرود من حركة فتح “محمد دحلان”، الأسبوع الماضي بشخصيات تونسية بارزة منها الأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق، ولم تكشف التقارير عن طبيعة هذه اللقاءات أو ما دار فيها، لكن ما يعرف عن دحلان، عدائه للثورات العربية والإسلاميين وعدائه لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، منذ أن كان يعمل ضابطًا في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية، خدمة للاحتلال الإسرائيلي وبالتعاون مع المخابرات الأمريكية التي كانت تقيم مكتبًا لها فيما عُرِف في قطاع غزة بمبنى “السفينة” المحاذي لشاطئ منطقة شمال قطاع غزة.
يذكر أن تقارير إعلامية تحدثت عن أن محمد دحلان كان قد قابل التونسي أحمد الرويسي – المتهم الأول بتدبير عمليات الاغتيال السياسي في تونس – في ليبيا قبل أيام من عمليتي الاغتيال التي وقعت في تونس عام 2013، والتي راح ضحيتها المعارض اليساري شكري بعليد، والنائب محمد البراهمي، واللذان اغتيلا في فبراير ويوليو (على الترتيب) من نفس العام.
شكري بلعيد ومحمد البراهمي
الرويسي والذي قتل في 14 مارس/ آذار 2015 في ليبيا باشتباك مسلح بحسب تقارير إعلامية تونسية، رفض أهله في تونس رواية مقتله هذه، حيث أكدت عائلته أنه تمت تصفيته عمدًا لأن هناك جهات لا تريد أن تكشف الكثير من الحقائق، وقد تحدث آنذاك محامون ووجوه إعلامية كثيرة عن دور لدولة خليجية في عمليات الاغتيال التي نفذت في تونس، حيث تبين في محاضر التحقيق التونسي أن سائق المعارض “شكري بلعيد” والذي كان معه في أثناء الاغتيال، اتصل برقمين من دولة خليجية (لم تحدد) قبل عملية الاغتيال، التي وقعت في 6 من فبراير 2013.
صورة لأحمد الرويسي والتي تناقلتها وسائل إعلام تونسية بعد مقتله باشتباكات مسلحة في ليبيا
ويعتبر اغتيال مهندس الطياران محمد الزواري، الاغتيال السياسي الثالث في تونس بعد ثورة يناير 2011، ففي فبراير 2013، اغتيل السياسي اليساري شكري بلعيد، وبعده في يوليو من نفس السنة اغتيل النائب في المجلس التأسيسي عن حركة الشعب (قومي) محمد البراهمي، أمام منزله وتم توجيه أصابع الاتهام في الحادثتين إلى تيار أنصار الشريعة المحظور في تونس، ويذكر أن عملية اغتيال المهندس الزواري، تأتي تزامنًا مع الذكرى السادسة لانطلاق الثورة في تونس، والتي تصادف اليوم السبت 17-12-2016.