توقيف أربعة كويتيين في الأحواز.. هل يشعل الصراع مجددًا بين إيران والكويت؟

myr_lkwyt_wlryys_lyrny

جاء استدعاء الخارجية الكويتية، أمس الجمعة، لسفير طهران لديها، لطلب الإفراج عن أربعة كويتيين أوقفوا في الأحواز جنوب غرب إيران، مؤخرًا، ليفتح صفحة جديدة من صفحات الصراع غير المعلن بين الجانبين.

معرفة أسباب توقيف الكويتيين الأربعة، فضلاً عن وقت توقيفهم والمطالبة بمقابلتهم والإفراج عنهم فورًا، كانت أبرز المحاور التي شملها لقاء مسؤولي الخارجية بالسفير الإيراني، حسب البيان الذي أوردته وكالة الأنباء الرسمية الكويتية.

تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي يزداد فيه منسوب التوتر بين البلدين جراء تباين وجهتي النظر حيال بعض الملفات الإقليمية، آخرها المجازر الإيرانية الروسية في حلب، وما تمخض عنها من تظاهرات شعبية كويتية منددة بالدور الإيراني في هذه الجرائم بحق الشعب السوري، لتلوح في الأفق إرهاصات أزمة جديدة في العلاقات بين البلدين، فماذا لو تفاقمت أزمة توقيف هؤلاء الكويتيين؟ وانعكاسات ذلك على مستقبل العلاقات بين البلدين؟

الشارع الكويتي ضد إيران

جاءت المشاهد التلفزيونية التي نقلتها شاشات الفضائيات العربية والأجنبية، بشأن المجازر المرتكبة بحق السوريين في حلب وحماة، على أيدي القوات الروسية والإيرانية الداعمة لجيش بشار الأسد، لتلقي بظلالها على الشارع السياسي العربي، وفي مقدمته الشارع الكويتي.

ففي سابقة ربما تكون الأولى من نوعها في السنوات الأخيرة، تظاهر نحو ألفي كويتي، أمام السفارة الروسية في الكويت للاحتجاج على قصف معاقل مسلحي المعارضة في شرق حلب، حيث لا يزال آلاف المدنيين محاصرين.

كما رفع المتظاهرون الكويتيون لافتات تندد بتلك المجازر، وتطالب فورًا بتوحيد كلمة العرب لنصرة أهل حلب بصورة خاصة وسوريا بصفة عامة، كما ندد عدد من الخطباء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره “مجرم” والمطالبة بطرد السفراء الروس من تركيا ودول الخليج العربية، إضافة إلى التنديد بإيران والمجموعات المسلحة الشيعية التي تقاتل مع جيش بشار، متهمين إياها بإطلاق النار بشكل عشوائي على المدنيين في حلب.

وفي إطار تصعيده ضد الممارسات الإيرانية الروسية ضد السوريين، أعلن البرلمان الكويتي عن تخصيصه جلسه لمناقشة الوضع في حلب، وذلك يوم 28 من ديسمبر الحاليّ، حسبما أعلن رئيس المجلس مرزوق الغانم، في الوقت الذي ينظم الهلال الأحمر الكويتي ومنظمات خيرية كويتية، حملة جمع أموال لفائدة ضحايا الحرب في حلب.

العلاقات الكويتية الإيرانية

شهدت العلاقات الكويتية الإيرانية موجات متعددة من المد والجذر، إلا أنها في معظمها جاءت وفق ما تقتضيه مصلحة البلدين، حيث كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بالكويت عقب استقلالها عام 1961، وفتحت سفارة لها في مدينة الكويت في يناير 1962، كما أعلنت وقوفها إلى جانب الكويت ضد تهديدات العراق، حيث عبَّرت عن استعدادها لإرسال قوات عسكريَّة للكويت وذلك في عام 1973.

وفي المقابل اعترفت الكويت بالنظام الجديد في إيران عقب الثورة الإسلامية في 1979، لتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة من الثبات المشوب بالقلق والترقب، وصل إلى مرحلة التوتر عند اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في سبتمبر 1980؛ حيث وقفت الكويت موقفًا مُحايدًا، وطلبت من كلتا الدولتين إنهاء الحرب، وهو ما اعتبرته طهران نقطة سلبية في مسيرة العلاقات بين البلدين، خاصة بعد دعم الكويت للعراق ماديًا لمساعدتها في الحرب ضد إيران.

كانت الكويت من أوائل الدول التي هنأت طهران عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في يوليو من العام الماضي، حيث هنَّأ أمير الكويت المرشد الأعلى للثورة الإسلاميَّة والرئيس الإيراني

ثم تحولت دفة العلاقات بين البلدين إلى شاطئ الهدوء النسبي عقب تأييد طهران لاستقلال الكويت وإنهاء الاحتلال العراقي في 1990، ومنذ هذا الوقت توالت الزيارات المتبادلة بين الطرفين، خاصة بعد وصول محمد خاتمي لسدة الحكم عام 1997، حيث كانت أول زيارة لوزير الخارجية الإيراني للكويت.

ثم توالت الزيارات الدبلوماسية بين الجانبين، ففي 2002، زار وزير الدفاع الإيراني الكويت، قابلها زيارة المُتحدِّث باسم مجلس الأمة الكويتي إلى طهران في نفس العام، وبعدها وزير الخارجية الكويتي، وتوقيع أول ثلاث اتفاقيَّات تجارية مع إيران، لتختتم هذه الزيارات الرسمية باستقبال الرئيس الإيراني حسن روحاني، للأمير صباح الأحمد الصباح داخل العاصمة الإيرانية طهران في 2014.

كما كانت الكويت من أوائل الدول التي هنأت طهران عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في يوليو من العام الماضي، حيث هنَّأ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح المرشد الأعلى للثورة الإسلاميَّة علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتفاق، معربًا عن تطلعاته لإسهام الاتفاق في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ونهضة دول المنطقة.

الكويت كانت من أوائل الدول التي هنأت إيران لتوقيع الاتفاق النووي 2015

تهديدات ونفي

خلال العام الأخير تزايدت حدة التوتر بين الدولتين بصورة كبيرة، وصل ذروته حين هدد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني محمد كريم عابدي، باقتحام الكويت حال تعرض الشيعة هناك لأي مضايقات أمنية من قبل الحكومة الكويتية.

النائب الإيراني قال في تصريحات نقلتها وكالة أنباء إيرانية: “ما حدث من دخول جيوش من دول الخليج الفارسي إلى البحرين، لن يتكرر، ولن نسمح بتكرار حدوثه بالكويت”، في إشارة إلى نشر دول الخليج العربية قوات درع الجزيرة في البحرين، مضيفًا أن ظروف وموقع البحرين جغرافيًا وعسكريًا، تختلف نهائيًا عن الكويت، وأن من حق الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدخول إلى الكويت لحماية الشيعة هناك، مثلما بررت دول من الخليج الفارسي دخولها للبحرين، بأنه لحماية السنة هناك، فمن يعتقد أنه يستطيع الرد على إيران، لا يعلم عن أن بوسع الجمهورية الإسلامية متى رغبت أن تسلب الأمن من الأنظمة في دول الخليج الفارسي” على حد قوله.

برلماني إيراني: “ما حدث من دخول جيوش من دول الخليج الفارسي إلى البحرين، لن يتكرر، ولن نسمح بتكرار حدوثه بالكويت”

ورغم مسارعة بعض المسؤولين الإيرانيين لنفي هذه التصريحات، والتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين، وهو ما أشار إليه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، بقوله: “الكويت دولة صديقة، وجارة للشعب والحكومة الإيرانية، وإننا نكن الاحترام لهذا البلد الإسلامي والجار، وما أثير عن إيران بشأن الكويت، زعم ملفق، ومن أجل الإساءة إلى العلاقات بين إيران والكويت”، فإن هذه التصريحات باتت محل دراسة ومراقبة من قبل المسؤولين الكويتيين بصورة كبيرة، كما أنها ساهمت في تعميق الجراح والخلاف بين البلدين، خاصة مع تصاعد وتيرة الأحداث في الأحواز.

الأحواز .. نقطة الأزمة

تعد قضية “الأحواز” أبرز ساحات الخلاف والصراع بين إيران من جانب، والعرب ودول الخليج من جانب آخر، وذلك منذ احتلاله من قبل شاة إيران، رضا بهلوي، في 30 من أبريل 1952.

و”الأحواز” أو “عربستان”، هو الاسم العربي للمنطقة الفارسية إقليم “خوزستان”، الواقع في جنوب غرب إيران، ويحده الخليج العربي جنوبًا والعراق غربًا، وتبلغ مساحته أكثر من 300 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة، ويضم عدة مدن أخرى أهمها المحمرة.

عرقيًا، يعد سكان الإقليم عربًا، ولهذا يسعون للحصول على دعم عربي لينالوا استقلالهم، كما يطلق عليهم “عرب الأحواز”، وهو الاسم الذي تحول مع الوقت من وصف مكان إلى وصف مجموعة عرقية، فأصبح اسم “الأحواز” يشير إلى العرب المقيمين هناك وليس المنطقة نفسها فقط.

حاول عرب الأحواز الحصول على حقهم في التمثيل داخل جامعة الدول العربية، وذلك منذ عشرات السنين، لكن رغبة العرب في عدم التصعيد مع إيران كان وراء رفض طلب الأحواز في تمثيلهم بالجامعة

سعى سكان هذا الإقليم إلى التحرر والاستقلالية عن إيران من خلال العديد من الانتفاضات والاحتجاجات، كان أبرزها عام 2005، فضلاً عما أثير عام 2015 نتيجة سياسة تغيير مجرى المياه بالسدود، وارتفاع نسبة التلوث لأقصى درجة، وهو وضع المنطقة في المرتبة الأولى عالميًا من حيث التلوث عام 2011، حسبما أشار تقرير منظمة الصحة العالمية، كما يعتبر الإقليم أحد أغنى المناطق بالموارد الطبيعية، وخصوصًا البترول والغاز، بل إن 80% تقريبًا من موارد إيران النفطية تأتي منه، لهذا اتبعت الحكومة الإيرانية تجاهه سياسة تغيير ديموجرافي وثقافي، عبر توطين العرقيات الفارسية في الإقليم ومنع تدريس اللغة العربية.

حاول عرب الأحواز الحصول على حقهم في التمثيل داخل جامعة الدول العربية، وذلك منذ عشرات السنين، وهو ما جسده أحد التقارير المنشورة في جريدة “المساء” المصرية في عدد لها عام 1964، حيث نوقشت القضية بصورة مفصلة، لكن رغبة العرب في عدم التصعيد مع إيران كان وراء رفض طلب الأحواز في تمثيلهم بالجامعة.

وتظهر هذه القضية وتختفي تبعًا لترمومتر العلاقات الإيرانية العربية، ففي فترات الهدوء لا ترى هذه الأزمة طريقًا للنور إعلاميًا أو سياسيًا، لكن في حالات التوتر تخرج للظهور بصورة مكثفة، وذلك في إطار الضغوط المتبادلة.

ثم جاءت استضافة الكويت لمؤتمر للأحواز على أراضيها ليزيد حالة الاحتقان مع إيران، التي وصفته بأنه “تجمعات للمعادين للثورة الإسلامية، تشكل دليلاً واضحًا على انتهاك المبادئ والأعراف الدولية، وتتنافى مع أواصر حسن الجوار”، متهمة الكويت بالتدخل في شؤونها، كما استدعت القائم بأعمال السفارة الكويتية في طهران للاحتجاج على هذا المؤتمر.

وفي المقابل أعربت الكويت عن رفضها للاتهامات التي وجهتها إليها إيران بالتدخل في شؤونها، مشددة على أن السياسة الخارجية الكويتية واضحة وتعتمد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.

وزارة الخارجية الإيرانية أبلغت الدبلوماسي الكويتي احتجاج إيران الشديد على عقد تجمع في الكويت لعدد من العناصر المناوئة للثورة الإسلامية والعميلة للقوى الأجنبية”

ونقلت صحيفة “الرأي” الكويتية عن مصدر دبلوماسي كويتي، قوله: “الاتهام الإيراني ليس له أي أساس، فالكويت لا تدعم أي حركات انفصالية، وسترد عبر القنوات الدبلوماسية على احتجاج طهران، خصوصًا أن المؤتمر الذي احتجت إيران بشأنه نظمته شخصيات اجتماعية ولا علاقة لأي جهة رسمية به”.

وكانت وكالة “إرنا” الإيرانية، قالت إن وزارة الخارجية الإيرانية أبلغت الدبلوماسي الكويتي احتجاج إيران الشديد على عقد تجمع في الكويت لعدد من العناصر المناوئة للثورة الإسلامية والعميلة للقوى الأجنبية.

وكشف الدبلوماسي الكويتي لـ”الرأي” أن طهران احتجت أيضًا على استضافة الكويت للقاءات يجريها أعضاء الوفد اليمني الحكومي المشارك في مشاورات السلام مع ناشطين ومعارضين من الأحواز، بينها لقاء وزير الخارجية عبد الملك المخلافي مع وفد من (حركة النضال العربي لتحرير الأحواز)، وإبرازها إعلاميًا.

قواعد عسكرية إيرانية.. ضد من؟

في مارس الماضي، وتحت عنوان (عكاظ تكشف قصة السلاح الإيراني على الحدود السعودية) نشرت صحيفة “عكاظ” السعودية تقريرًا عما أسمته “مغامرة” إيرانية جديدة في المنطقة بالتعاون مع ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، لكنها هذه المرة على الحدود العراقية السعودية وما أثير عن تخزين الحرس الثوري أسلحة قرب الحدود في منطقة النخيب الحدودية.

“عكاظ” وقفت على هذه القضية مع جميع الأطراف العراقية الرسمية وغير الرسمية بين مؤكد بالأدلة “الحاضرة” وآخر ينفي، حيث نقلت على لسان شيخ مشايخ الأنبار وعشيرة البونمر نعيم الكعود قوله “تخزين السلاح الإيراني على الحدود مع السعودية أمر متوقع وليس بالمفاجأة خصوصًا في ظل وجود الحشد الشعبي في هذه المناطق لذا هذه المعلومة ليست بجديدة على الساحة العراقية في ظل ما يعرف بمحاولات إيران لزعزعة أمن الخليج وبالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية، ونحن نعلم بالتحركات الإيرانية على الحدود السعودية لكن العشائر للأسف الآن غير مؤهلة من حيث التسليح لردع هذه الميليشيات التي تنتشر على الأراضي العراقية كافة” على حد قوله.

وقال الكعود – والذي تعتبر عشيرته “البونمر” (رأس الحربة) في مواجهة تنظيم داعش: “إن التحركات الإيرانية على الحدود مع السعودية ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، ولم يعد سرًا أن إيران تريد أن يكون لها راع على كل المناطق الحدودية مع السعودية”.

إن تخزين السلاح الإيراني على الحدود مع السعودية أمر متوقع وليس بالمفاجأة خصوصا في ظل وجود الحشد الشعبي في هذه المناطق

وبعد أقل من أربعة أشهر من تقرير الصحيفة السعودية، نقلت بعض وسائل الإعلام الأخرى، تصريحات للأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان السيد محمد علي الحسيني، أدلى بها لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، أشار فيها إلى امتلاكه “معلومات مؤكدة وموثقة” من عدة مصادر متابعة عن كثب للشأن العراقي والإيراني، بأن هناك تحرك إيراني باتجاه حدود السعودية من جهة العراق، وأن المعلومات الواردة من هناك تشير إلى استعدادات لبناء قواعد ومعسكرات قرب الحدود مع المملكة تحت إشراف وتوجيه مباشر من الحرس الثوري الإيراني وذلك بالتزامن مع تحرك باتجاه الكويت، على حد وصفه.

مساعٍ إيرانية لإستنساخ حرس ثوري جديد في العراق

وبالأمس أشار الكاتب الصحفي جيري ماهر، إلى استنفار الكويت لقواتها الأمنية على الحدود البرية من الناحية العراقية، ما يرجح ما أثير مؤخرًا بشأن إقدام طهران على بناء قواعد عسكرية هناك لتهديد السعودية والكويت.

ماهر في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قال: الكويت تعلن وبشكل سري حالة الاستنفار لقواتها الأمنية على الحدود البرية فهل وصلت تهديدات إيران لها عبر العراق؟ وذلك قبل ساعات قليلة من تغريدته عن احتجاز أربعة كويتيين في الأحواز، والتي قال فيها: إيران تحتجز 4 كويتيين في الأحواز العربية والخارجية الكويتية تتابع الموضوع، فهل بدأت الاستفزازات الإيرانية؟ لننتظر ونرى!

وتابع في تغريدة أخرى له: تلقيت اليوم وثيقة أمنية كويتية تؤكد أن وزارة الداخلية طلبت حجزًا كليًا لعناصرها على الحدود لإجراء اللازم فهل هناك تهديد محتمل؟

 

 

العديد من التساؤلات تفرض نفسها بخصوص أزمة جديدة تلوح في الأفق بين طهران والكويت، عززتها العديد من الشواهد والتحركات السياسية والشعبية والعسكرية هنا وهناك في الفترة الأخيرة، فهل تأتي أزمة توقيف الكويتيين الأربع بالأحواز لتؤجج التوتر بين الجانبين؟ وماذا لو رفضت طهران طلب الخارجية الكويتية بالإفراج عنهم؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام أو ربما الساعات القادمة.