بعد أن كان ترامب يرفض هذا الاقتراح ويهاجمه بشدة عندما كانت تتحدث فيه هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية، ها هو الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يقرر إقامة “مناطق آمنة” في سوريا، ولكن بأموال عربية خليجية.
حيث أعلن ترامب في خطاب في مدينة هيرشي في ولاية بنسلفانيا يشكر فيه الناخبين لانتخابه، أنه قرر إقامة مناطق آمنة في سوريا، وأنه سيطلب من دول الخليج تزويده بالمال لهذا المشروع، مشيرًا أنه بسبب الحجم الضخم للدين العام على بلاده، لن تكون إدارته قادرة على تمويل هذا المشروع.
وأضاف ترامب “سنبني ونساعد في بناء مناطق آمنة في سوريا حتى تتاح للشعب السوري فرصة”. في الوقت الذي أعرب فيه أيضًا عن “حزنه لما يحدث في سوريا”، قاصدًا حلب.
ولكن ترامب سارع في خطابه للقول إنه سيحد من دخول المسلمين القادمين من دول لها “تاريخ بالتطرف الإسلامي” إلى الولايات المتحدة، وهو ما اعتبر أنه سيحد من دخول السوريين، حيث كانت إدارة أوباما قج استقبلت حوالي 12 ألف لاجئ سوري حتى نهاية تشرين الأول/اكتوبر الماضي، حيث انتقد ترامب إدارة أوباما للسماح للاجئين السوريين بدخول الولايات المتحدة.
هذا القرار الذي كانت تتبناه منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية، قد أصبح الآن قرار ترامب بعد أن كان ينتقده بشدة.
ويأتي القرار الهام هذا بعد أن استأنف ترامب حضور جلسات المطالعة الاستخباراتية التي تجرى له لإعداده لتولي الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل في2017.
قرار كان “ضربًا من الخيال” لدى أمريكا
تركيا كانت قد دفعت منذ فترة طويلة في اتجاه إنشاء منطقة عازلة أو منطقة حظر للطيران داخل سوريا، مماثلة لتلك التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على شمال وجنوب العراق في التسعينيات؛ وذلك جزئيًا لإنشاء ملاذ آمن للاجئين السوريين. وكانت الولايات المتحدة قد رفضت هذا الاقتراح خشية أن تؤدي هذه المنطقة لاشتباكات مع القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وإغضاب حلفائه الإيرانيين والروس، حيث كان يعني إقامة مناطق آمنة شمال سوريا يعني موافقة موسكو وحتى دمشق، بالنسبة للأمريكيين.
وحتى فترة قريبة، كانت الإدارة الأمريكية تبرر رفضها إقامة مناطق آمنة في سوريا بأنها لا تضمن عدم دخول “تنظيم الدولة” أو جبهة النصرة إلى تلك المناطق، وكانت تعتبر أن إقامة تلك المناطق يتطلب وجود 10 آلاف جندي لضمان عدم تسرب “الجماعات الإرهابية” إليها.
وكانت قيادات بالمعارضة السورية تعتبر بشكل دائم أن كل الجرائم التي ترتكب في سوريا تتم برعاية الولايات المتحدة، لأنها صمتت على استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية والقنابل العنقودية والفراغية والحرارية لقتل الشعب السوري، وكذلك برفضها إقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين ومنع وصول الأسلحة للثوار.
وكتب المعارض السوري بسام جعارة في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في 12 أغسطس الماضي، أنه “حتى في حال تحفظ أوباما على التدخل العسكري لردع نظام بشار الأسد، كان بإمكانه إقامة مناطق آمنة توفر الحماية للمدنيين السوريين، أو محاولة إسقاط مقاتلات سورية حتى لا تستمر في إلقاء البراميل المتفجرة على المستشفيات والمدنيين، أو إطلاق صواريخ من خارج سوريا لتدمير مدرجات المطارات، التي تطير منها مقاتلات الأسد”. وتابع ” في الوقت الذي ترتكب فيه الحكومتان الروسية والسورية جرائم حرب وتقصف المستشفيات وتعمل على تجويع المدنيين، فإن أوباما لم يفعل شيئا “.
كيف سيكون الموقف الروسي؟
في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، كان آخر تصريح رسمي لأنقرة عن عزمها إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، وجاء على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام على بدء الهجوم البري الواسع للنظام السوري على حلب، وتبدل قواعد السيطرة في المحافظة، حيث مالت أخيرًا لصالح النظام وحلفائه.
أنقرة كانت قد أعلنت مرارًا أن منطقتها الآمنة تمتد من جرابلس شرقًا إلى اعزاز غربًا، لتضمن بها سلامة حدودها من “تنظيم الدولة” و”الأكراد”، إلى جانب إنشاء منطقة مأهولة تعدها لآلاف النازحين، الأمر الذي بقي في إطار التصريحات والأحلام التي قوضتها موسكو، بعد فوزها بحلب وإخراج المعارضة منها، وتقلص هذه المناطق.
وكانت روسيا قد حذرت أكثر من مرة من إقامة مناطق آمنة في سوريا، حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيليوف في تصريحات إعلامية سابقة أنه “لا يمكن إقامة منطقة حظر طيران في سوريا دون موافقة نظام بشار الأسد ومجلس الأمن الدولي”.
وتقاوم موسكو وطهران بالتأكيد أي تطور قد يهدد الأسد، وميزان القوى الإقليمي، ومن وجهة نظر هاتين الدولتين، يبدو أن التقسيم الفعلي الإقليمي لسوريا قد بدأ.