محمد الزواري لم يكن الشهيد الأول الذي تزفه تونس لأجل فلسطين وقضيتها العادلة، فقد سبقه لهذا الشرف العديد من بني وطنه، عمران كيلاني مقدمي، خالد بن صالح الجلاصي، فيصل الحشايشي، سامي بن الطاهر الحاج علي، رياض بن الهاشمي بن جماعة، وغيرهم كُثر ممن نذروا حياتهم لصالح قضيتهم الأم “فلسطين” وماتوا فداءً لها.
في يوليو 2008، استقبلت تونس، رفات ثمانية من أبنائها ممن شملتهم عملية التبادل بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله، والشهداء هم ميلود بن ناجح والذي استشهد في 27 من نوفمبر 1987 خلال عملية الطائرات الشراعية التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة، عمران الكيلاني المقدمي الذي استشهد في 26 من أبريل 1988 في عملية ردًا على اغتيال خليل الوزير “أبو جهاد” في تونس الشهر ذاته، وشملت العملية أيضًا جثامين كل من خالد بن صالح الجلاصي وفيصل الحشايشي وسامي بن الطاهر الحاج علي ورياض بن الهاشمي بن جماعة وكمال بن السعودي بدري والطالب بليغ بن محمد أنور اللجمي.
صور بعض الشهداء
اغتيل الشهيد محمد الزواري، ظُهر الخميس، أمام مقر سكناه في منطقة العين بطريق منزل شاكر من معتمدية صفاقس الجنوبية، بعد أن أصابته 8 طلقات نارية مباشرة بجمجمته في أثناء جلوسه بسيارته أمام منزله، بعدها نعته كتائب الشهيد عز الدين القسّام في بيان لها وقالت إن الشهيد الزواري هو أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية، والتي كان لها دورها الذي شهدته الأمة وأشاد به الأحرار في حرب العصف المأكول عام 2014م.
وأضافت “كان القائد الطيار الزواري قد التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية وانضم لكتائب القسام قبل 10 سنوات، وعمل في صفوفها أسوة بالكثيرين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية، الذين كانت فلسطين والقدس والأقصى بوصلتهم، وأبلَوا في ساحات المقاومة والفعل ضد العدو الصهيوني بلاءً حسنًا، وجاهدوا في صفوف كتائب القسام دفاعًا عن فلسطين ونيابة عن الأمة بأسرها”.
استشهد عمران كيلاني مقدمي، في عملية فدائية بعد اقتحام موقع عسكري صهيوني في قلب مستعمرة “دان” القائمة أقصى شمال هضبة الجولان في زاوية الحدود الفلسطينية اللبنانية السورية
قبل محمد الزواري، استشهد العديد من التونسيين، فداءً لفلسطين، منذ سنة 1948 إلى الآن، ففي 26 من نوفمبر 1987، استشهد التونسي ميلود ناجح بعد عملية اقتحام معسكر قيادة المنطقة الشمالية للجيش الصهيوني في فلسطين المحتلة، معسكر (غيبور) بالطائرات الشراعية، وفي أثناء عودة المقاتلين بطائراتهم الشراعية أصيبت طائرة التونسي البطل ميلود ناجح بن نومه فسقطت فوق مرتفعات (حلتا) في الجنوب اللبناني فاضطرت للهبوط وقام المقاتل البطل بالاشتباك مع قوات العدو الصهيوني لإكمال المعركة موقعًا في صفوفهم عددًا من القتلى والجرحى وبقى يقاوم إلى أن نال الشهادة.
تونس تتسلّم رفات شهدائها لأجل فلسطين سنة 2008
وفي 26 من أبريل 1988، استشهد عمران كيلاني مقدمي، في عملية فدائية بعد اقتحام موقع عسكري صهيوني في قلب مستعمرة “دان” القائمة أقصى شمال هضبة الجولان في زاوية الحدود الفلسطينية اللبنانية السورية، قتل خلالها العقيد الصهيوني صموئيل أديف وأحد قصاصي الأثر وسبعة من جنود الاحتلال وأسر جنديين، انتقامًا لاغتيال القائد الفلسطيني أبو جهاد خليل الوزير في تونس، ولد الشهيد عمران كيلاني مقدمي في المضلية بمدينة قفصة جنوب تونس، درس المرحلة الابتدائية والإعدادية ثمّ المهنية، بعدها التحق بالخدمة العسكرية، وبعد أن أنهى خدمته العسكرية قرر الذهاب إلى سورية، أين حصل على شهادة الدراسة الثانوية من دمشق وانتسب إلى كلية الآداب جامعة دمشق/ قسم علم النفس، درس سنتين ثمّ التحق بصفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
استشهد البطل فيصل الحشايشي أصيل محافظة قابس جنوب تونس، إثر مشاركته في عملية فدائية جريئة ضد دورية صهيونية جنوب لبنان على مشارف فلسطين
وفي ديسمبر 1988، استشهد خالد بن صالح الجلاصي في عملية بطولية بمنطقة المنارة بالجليل الأعلى شمال فلسطين، وبعدها في نوفمبر 1990، ارتقى البطل التونسي أصيل منطقة سبيطلة من محافظة القصرين (وسط)، مقداد الخليفي، شهيدًا، خلال عملية جهادية نفذها صحبة رفاق له ضد دورية صهيونية في مزارع شبعا، وروى بدمه الطاهر ثرى فلسطين فتربع على عرش البطولة والمجد.
قائمة شهداء تونس لأجل فلسطين لم تنته هنا، ففي ديسمبر 1992، كان موعد البطل عمر قطاط مع الشهادة، حيث استشهد في عملية بطولية بجنوب لبنان عندما كان بصدد إيصال الإمداد والمؤونة للمبعدين من فلسطين في مرج الزهور بالجنوب اللبناني للمساهمة في دعم وتعزيز صمودهم في مواجهة العدو الصهيوني، وفي يوليو 1993 استشهد البطل فيصل الحشايشي أصيل محافظة قابس جنوب تونس، إثر مشاركته في عملية فدائية جريئة ضد دورية صهيونية جنوب لبنان على مشارف فلسطين.
الشهيد محمد قطاط
وفي 11 من يناير 1995، قدّمت تونس، سامي بن الطاهر الحاج علي، شهيدًا لأجل فلسطين، حيث كمن بصحبة رفاق له لقافلة صهيونية على الطريق الواقعة بين بلدة الطيبة اللبنانية ومستوطنة مسكافعام في فلسطين المحتلة، واستشهد هناك.
في 27 من يناير 1996، استشهد ابن مدينة المتلوي من محافظة قفصة (جنوب)، كمال السعودي البدري، عن سن 21 سنة، وابن بلده بليغ أنور اللجمي، مدافعين عن أرض فلسطين، أسوة بآبائهم وأجدادهم الذين حاربوا مع أخوانهم الفلسطنيين سنة 1948، التحق كمال وأنور بصفوف المقاومة وشاركا في عديد من العمليات القتالية على خط العدو جنوب لبنان واستشهدا في عملية فدائية جريئة في منطقة السريرة قضاء جزين بالجنوب اللبناني على مشارف فلسطين، وقد وكانا ضمن مجموعة الشهيد يحيى عياش أحد التشكيلات العسكرية المقاتلة للجبهة الشعبية القيادة العامة.
اغتالت إسرائيل في 1988 بتونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية
كثير هم أبناء تونس الذين ساهموا منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني واستشهد العديد منهم، وإضافة إلى تقديم أبنائها شهداء لأجل فلسطين، كانت تونس حاضنة للمقاومة الفلسطينية في الثمانينيات من القرن الماضي، واستقبلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وآلاف المقاتلين الفلسطينيين، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كما كانت تونس مقرًا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وهذا ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي إلى الإغارة على حمام الشط جنوب العاصمة تونس في أكتوبر 1985، حيث كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية وقتها، وقتل في الاعتداء 68 تونسيًا وفلسطينيًا، كما اغتالت إسرائيل عام 1988 في تونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
منذ بداية الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، اعتبر التونسيون، قضية فلسطين، قضيتهم الأولى، وقدّموا دماءهم فداءً لها ووقفوا مع قادة المقاومة واحتضنوهم بينهم.