لم تنته مسألة إجلاء المدنيين في حلب، فالمفاوضات لا تزال جارية على قدم وساق بين ممثلين عن فصائل المعارضة المسلحة في حلب الشرقية وممثلين عن النظام بوجود كل من روسيا وإيران، وقد توصلوا إلى اتفاق جديد لإتمام عملية تهجير المحاصرين بعد ساعات من مفاوضات عسيرة شابها الكثير من العواقب التي وضعتها الميليشيات التابعة لإيران والنظام السوري.
وكما كان متوقعًا فقد عرقل الإيرانيون والميليشيات التابعة لهم اتفاق أمس السبت، حيث طالبوا بإخراج الجرحى من بلدتي الفوعا وكفريا قبل السماح للمهجرين في حلب بالعبور إلى ريفها الغربي، ومن غير المستبعد عرقلة الاتفاق الجديد أيضًا لفرض شروط جديدة قد تتضمن إخراج كامل أهالي بلدتي الفوعة وكفريا إضافة للمسلحين التابعين لها.
وحسب آخر اتفاق بين الممثلين فقد تضمن إخراج 4000 شخص من جرحى بلدتي الفوعة وكفريا مع عوائلهم في ريف إدلب إضافة لخروج 200 شخص فقط من مدينتي مضايا والزبداني في ريف دمشق والسماح لكامل المهجرين في حلب بالمرور إلى ريفها الغربي، والذي يقدر عددهم بـ50 ألف مدني يعيشون في ظروف غاية في السوء.
المهجرين من حلب الشرقية إلى مناطق غرب حلب
ومن المتوقع أن يبدأ تنفيذ الاتفاق اليوم الأحد في حال لم يظهر أي طارئ جديد من قبل ميليشيات إيران والنظام السوري الذين يتعمدون عرقلة الاتفاق لوضع شروط جديدة، وإلى حين الانتهاء من مسألة حلب تدور شكوك كثيرة بشأن الوجهة التي سيتجه إليها النظام السوري ليخرج منطقة أخرى من دائرة الصراع، والاحتمالات تتمحور حول إدلب وحماة وريف حلب الغربي والغوطة ودرعا، فإلى أين ستتجه بوصلة النظام المقبلة؟
معركة إدلب أو وقف الاقتتال
لدى الحديث عن أي معركة في إدلب ستظهر فروقًا كثيرة مع معركة حلب على جميع الأصعدة، إذ ستفرض واقعًا جديدًا سواء على المعارضة أو على النظام نفسه والميليشيات المقاتلة معه.
فإدلب مهمة بالنسبة للنظام لاستكمال سيطرته على ما يسميه “سوريا المفيدة” وبنفس الوقت سيطرة النظام على حلب لا تعني أن معركة إدلب ستكون على طبق من ذهب، فمعركة حلب ومناطق أخرى سابقة كداريا مثلاً أثبتت أن الحل العسكري لا يحسم الحرب في سوريا وإنما يجعل الصراع سائلاً من مكان إلى آخر.
ومن جهة أخرى على الرغم من حجم القوة العسكرية التي حشدها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيين فإنهم لم يتمكنوا من حسم الموقف عسكريًا لهم ودائمًا ما تنتهي المعركة باتفاق سياسي.
لا تظهر دلائل على الأرض تفيد توجه بوصلة النظام إلى إدلب بشكل حقيقي حتى الآن، وكل ما ظهر يعد مخاوف من قبل المعارضة والأمم المتحدة من توجه المعركة إلى إدلب بعد حلب، ولكن بالنظر لاستراتيجية النظام المتبعة خلال العام الماضي وقياسها على العام المقبل فإن انتقاءه معركة حلب قبل أي منطقة أخرى يظهر فيه الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على حلب ومن ثم انتقاله للمنطقة الأقل أهمية بالنسبة له، حتى لو تطلب منه وقتًا طويلًا وإجراءات مختلفة، والمهم في النهاية تحقيق الهدف المطلوب وهو إخراج المنطقة المستهدفة من دائرة الصراع، ويرى خبراء أن الأهمية الاستراتيجية لإدلب تأتي بعد حلب.
المعارضة ستعمل على تجنب الأخطاء القاتلة التي وقعت بها في معركتها في حلب، كما أن طبيعة التحالفات التي ارتبط بها النظام السوري مع إيران من ناحية وروسيا من ناحية أخرى إضافة إلى الميليشيات تجعل من الصعب على فصائل المعارضة المسلحة أن تخوض الحرب بنفس الطريقة التي خاضتها في حلب.
مع ظهور ضغط ناشئ على المعارضة من جهة حلفائها، والتي باتت تشهد ضغوطًا كبيرة في المرحلة السابقة أظهرها بمظهر العاجز عن القيام بأي دور عسكري، فتركوها تواجه مصيرها وحدها كما ظهر عجزها أيضًا وبشكل كبير في مساعدة المدنيين لإجلائهم من حلب الشرقية، إلا بعض من مساعي تركيا التي وضعت ثقلها الدبلوماسي للتوافق مع روسيا بشأن آلية معينة لإنهاء الوضع المأساوي في حلب وإخراج المدنيين من المنطقة المحاصرة.
معركة حلب شكلت لحظة فاصلة في تاريخ الثورة السورية والمعركة القادمة سواء كانت في إدلب أو غيرها فعلى المعارضة أن تعيد تشكيل تحالفاتها على الأرض رغم أن الخيارات أمامها تضيق، وذهب البعض أن على المعارضة المسلحة أن تتوحد سياسيًا وعسكريًا تحت راية واحدة لحشد الدعم الجماهيري وأن تلجأ لحرب العصابات وتبتعد عن احتلال المدن والتمترس بين المدنيين لتجنب سقوط ضحايا بينهم.
ويرى خبراء عسكريون أن إدلب تتمتع بعدة ميزات لصالح المعارضة من بينها الفضاء الريفي المفتوح وصعوبة حصار المعارضة في منطقة ضيقة نتيجة اتصالها مع الحدود التركية، فضلاً أن القوة الروسية لن تكون بذات الفعالية التي كانت عليها في حلب بسبب اتساع الرقعة الجغرافية في إدلب.
تركيا وروسيا تسعيان لفرض آلية حل جديدة في سوريا
ومن جهة أخرى فإن إدلب تتمتع بخطوط إمداد لقوى المعارضة السورية ستشكل إضافة نوعية لها وتمنحها الفرصة لإطالة المعركة وإيقاع أكبر الخسائر في صفوف قوات النظام وحلفائه.
مع التأكيد أنه لا يمكن إغفال الجهد السياسي المبذول من قبل تركيا لتفعيل المسار السلمي والعمل على وقف إطلاق النار في كل سوريا بالتعاون والتنسيق المباشر مع روسيا فما جعل اتفاق حلب ممكنًا هو التقارب التركي الروسي بعد تحسين العلاقات بينهما سابقًا، وفرصة ظهور مفاوضات جديدة قد تكون مواتية في المرحلة المقبلة لفرض ديناميكية مختلفة في الصراع رجوعًا إلى تأثير روسيا وتركيا على الأرض لما تمثله روسيا من دور كبير على النظام، وتركيا التي تعد الداعم المالي والعسكري الأكبر للمعارضة السورية وطريقها الوحيد، فكلا القوتين قادرتين على فرض سياسة جديدة على أطراف الصراع الآخرين للقبول بصيغة حل جديدة.