أعرب مسؤولي شركة مرسيدس الألمانية عن رغبتهم في زيادة استثمارات الشركة في مصر ” في ظل تحسن الظروف الاقتصادية” كما يشير وزير التجارة والصناعة المصري، طارق قابيل، خلال لقائه وفدًا من الشركة، الجمعة 16 ديسمبر/كانون الأول وأضاف أن وفدًا من مجلس إدارة شركة “مرسيدس بنز” العالمية سيزور القاهرة الأسبوع القادم، لبحث فرص زيادة استثمارات الشركة في السوق المصرية.
ونقلًا عن البيان الصادر للوزير، عن توماس زورن، المدير التنفيذي لشركة “مرسيدس”، قوله إن “الشركة تتطلع لفتح حوار جديد مع الحكومة المصرية تمهيدًا لضخ مزيد من الاستثمارات بالسوق المصرية، وذلك في إطار العلاقات الثنائية القوية التي تربط مصر وألمانيا”.
وأشار الوزير المصري، في البيان أن “صناعة السيارات تأتي على رأس أولويات الوزارة خلال المرحلة الحالية، عبر فتح قنوات تواصل جديدة مع اللاعبين الأساسيين في مجال صناعة السيارات في العالم، بهدف جذب صناعات كاملة للسيارات وتطوير نمو الصناعات المغذية لها”. ولفت إلى أن جمعية صناعة السيارات الألمانية بصدد القيام بزيارة لمنطقة محور قناة السويس لاستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في مجال صناعة السيارات.
وزير التجارة والصناعة المصري طارق قابيل
في الوقت الذي يناقش فيه مجلس النواب مشروع قانون تعميق “استراتيجية صناعة السيارات” لإقرار، والذي يستهدف زيادة نسبة المكون المحلي في المركبات والسيارات من 45% إلى 60%، من خلال برنامج زمني تصل مدته إلى 8 سنوات، كما يستهدف زيادة الصادرات في هذا القطاع.
ويتضمن المشروع أيضًا زيادة عمليات التصدير الكمي من خلال الشركات المصنعة فضلًا عن منح المشروع لجميع الوكلاء المستوردين للسيارات بنسبة 25% من مكونات السيارات المصنعة محليًا.
فتصنيع سيارة مصرية من شأنه المساهمة فى حل أزمة نقص العملات الأجنبية وتقليل التضخم الناتج عن قلة الإنتاج وزيادة الاستيراد كما يشير لذلك مراقبون، فاستيراد السيارات يستهلك كميات كبيرة من العملات الأجنبية، في الوقت الذي يعصف بالاقتصاد المصري أزمة في العملة الصعبة أدت لتعويم قيمة الجنيه في نهاية المطاف.
شركة مرسيدس تتطلع لفتح حوار جديد مع الحكومة المصرية تمهيدًا لضخ مزيد من الاستثمارات بالسوق المصرية
يدرك أحد النواب في البرلمان المصري أن من شأن عودة الاهتمام الحكومي بتصنيع السيارات بشكل محلي سيحول البلاد لدولة تهتم بالاقتصاد الحقيقي وليس الاقتصاد الوهمي القائم على تصنيع سلع ترفيهية وهمية لا تضيف قيمة حقيقة للاقتصاد.
يُذكر أن صناعة السيارات في مصر عانت على مدار الـ35 عامًا الماضية الكثير من التضييق والضغط على المصنعين سواءًا الشركات العامة أو الخاصة من خلال إصدار قرارات وإجراء تعديلات تشريعية كانت نتيجتها توجه مصر للاستيراد لأكثر من 90% من احتياجاتها من السيارات والصناعات المكملة لها، ما ترك المستهلك المصرى عرضة لتذبذب العملة الصعبة وغياب منافسة محلية تخفض من معدلات الاستيراد.
ولكن قد لا تكون الصورة ليست بهذه الجمال كما يشير النائب المصري، فالاقتصاد الحقيقي إذا لم يتم تدعيمه بأرضية قانونية سيتم هدره، فالشركات المتعددة الجنسيات سلاح ذو حدين في البلد الذي تدخل إليه ومن المفترض أن تكون هناك آليات تشريعية تحمي البلد وحقوق العاملين فيها والشركات الوطنية المنافسة في نفس المجال، وذكرت تقارير كثيرة معنونة “فوق الدولة: الشركات المتعددة الجنسيات في مصر” تجاوزات الشركات المتعددة الجنسية في مصر والحالة المزرية التي وصلت إليها التشريعات القانونية هناك والتي سمحت لتلك الشركات بالتجاوز على مرأى ونظر الحكومة.
فبالنظر إلى البيئة القانونية والتشريعية في مصر وخاصة فيما يخص القوانين المتعلقة بالاستثمار الأجنبي من حيث الضرائب والمنازعات القانونية والتسهيلات الكثيرة نجد أنها مجحفة بشكل كبير للبلد وأن القانون أمن لها حصانة لم تتوفر لها في كثير من الدول.
الشركات المتعددة للجنسيات في مصر
من البديهي أن تستفيد الدول من دخول الاستثمار الأجنبي إلى اقتصاداتها لما توفره من خلق فرص عمل وسد الحاجة المحلية عوضًا عن استيرادها والتكلف بالعملة الصعبة، وتفرض الحكومة بدورها على الشركات الأجنبية المستثمرة والتي غالبًا ما تكون متعددة الجنسيات، جملة من القواعد والقوانين تضمن لها حقها وحق الاستضافة.
إذ تفرض عليها ضريبة على أرباحها لا تقل عن الضريبة المفروضة على المستثمر المحلي، وتجبرها على إعادة استثمار أرباحها داخل البلاد وعدم إخراج كل المبالغ للخارج، ومن جهة أخرى تعمل الحكومة على إخضاع تلك الشركات لقضائها المحلي وليس الدولي بحيث تمنع خروج المنازعات إلى القضاء الدولي.
والنقطة الأهم هي نقل الكفاءة والخبرة لعمالها حيث من المفترض أن تعمل الحكومة على استراتيجية مستقبلية تؤمن فيها توطين الصناعات الأجنبية بحيث يتم تصنيعها بأيدي محلية بدون الاستعانة بالشركة الأجنبية، وهو بند مهم جدًا يهدف لعدم ارتهان البلد للشركة المتعددة الجنسيات، كما تسعى الحكومة للموازنة مع الشركات الوطنية بحيث لا تتضرر ولا تتعرض لخسارات بسبب عوامل المنافسة أو أي عوامل أخرى قادمة من الشركات المتعددة الجنسيات.
مصر تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من السيارات والصناعات المكملة لها
لم تكن تجرية مصر مع الشركات المتعددة الجنسيات جيدة خلال العقود الماضية حيث أدت إلى تفكك الصناعات الوطنية وتعرضها لخسارات كبيرة أدت في معظم الأحيان إلى الاستحواذ عليها من قبل شركات متعددة الجنسية.
وعلى الرغم من تعهداتها بزيادة القدرة الإنتاجية للشركات المصرية المستحوذ عليها وتوسيع نشاطاتها والحفاظ على الأرض والأصول في نفس النشاط والحفاظ على العمالة، إلا أن النتيجة غير ذلك تمامًا حيث تم تسريح العمال وإحالتهم إلى التقاعد المبكر، وانخفض إنتاج هذه الشركات بشكل كبير، فضلا عن بيع أراضيها وأصولها المالية على غير ما هو متفق عليه، وأبرز تلك الشركات المصرية المباعة: عُمر أفندي، والمراجل البخارية، والنيل لحلج القطن، وطنطا للكتان، وغزل شبين، وأسمنت أسيوط.
لا يمكن فصل رغبة مرسيديس وشركات أجنبية أخرى للاستثمار في مصر في المرحلة المقبلة عن قرض صندوق النقد الدولي الممنوح للحكومة المصرية والبالغ 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، حيث تم فرض شروط على الحكومة أرضت تلك الشركات للقدوم والاستثمار في مصر.
حيث ستضمن تلك الشركات توفر العملة الصعبة في سوق حرة غير مضبوطة من قبل المركزي بعد تعويم المركزي المصري الجنيه كأحد الشروط اللازمة لمنح القرض، فجل ما يهم تلك الشركات هو تحويل أرباحها من العملة المحلية إلى العملة الصعبة للخارج بدون أي عوائق.
وبالتبع أيضًا فقد عملت الحكومة المصرية لاستكمال شروط صندوق النقد على تحرير الاقتصاد المصري والخروج من عباءة سياسة الدعم التي تثقل كاهل الحكومة المصرية والتي تقدمها لشريحة كبيرة من المصريين من خلال دعم سلع وخدمات وجعلها بيد القطاع الخاص، ففي خلال الأشهر الماضية بدأت الحكومة الانسحاب من دعم الكهرباء والبترول وسلع وخدمات أساسية أخرى، وهذا يفتح الباب لشركات القطاع الخاص والشركات الأجنبية بشكل خاص لتلعب دور كبير في الاقتصاد المصري في المرحلة المقبلة.