حلب الحضارة التي سقطت بين ليلةٍ وضُحاها أسقطت معها كل الأقنعة المهترئة من أجندات وتحالفاتٍ دولية ومشاريع فصائلية أيديولوجية لم تفرز حتى اللحظة سوى نكساتٍ دفع فاتورتها شعبُ أعزل في معظم المناطق الثائرة.
إذ الحديث اليوم عن مكابرةٍ أخرى ومشاريعٍ جديدة لم تعد تأتي أُوكلها بعد الخزي والعار الذي تعشش في داخل كل سوري إلى يوم القيامة، فما حدث في حلب كشف ما تبقى من المستور داخليًا وفصائليًا ودوليًا، وأنصاف أسئلة كانت متبقية تمت الإجابة عليها من أحداث حلب والتي تآمر عليها القاصي والداني، وإلا فماذا يعني أن أقرب الفصائل لحلب بريفيها الغربي والجنوبي لا تقوم بهجوم مناطقي لتخفيف الضغط عن حلب؟ ولماذا الحشود الفصائلية في إدلب بشقيها الإسلامية والمعتدلة لم تحرك ساكنًا بوقت كانت حلب بأمس الحاجة لهم؟ وما هو التبرير المنطقي لفصائل درع الفرات المنشغلة بمعارك الباب الثبات بأماكنهم ريثما يتم الإجهاز على حلب؟ أليس من الأجدر أن تؤجل عملية درع الفرات أو يتم فرز بعض من الفصائل للتوجه لنصرة حلب؟
نازحون سوريون من حلب الشرقية
فيما غاب عن الفصائل الأخرى استغلال التطورات في معارك تدمر والضربة القاسمة التي وجهها تنظيم الدولة لنظام الأسد فكانت فرصة ذهبية أن تقلب الفصائل المعادلة على النظام وحلفائه في حلب لفك الحصار ونصرة المستضعفين.
لقد نجح نظام الأسد في زرع التفرقة بين الفصائل وتجنيد ضباط موالين له لأداء مهام تصب نهايتها في عدم إغاثة الملهوف ونسف مطالب الشعب بنيل الحرية، عبر تثبيت العقائدية في مخيلتهم والسعي الدؤوب لتحقيق الخلافة الإسلامية في محافظة إدلب المهددة بمصير مشابه لحلب.
حتى المعارضة السياسية التقت بأهداف مشتركة مع الجناح العسكري من تشرذم ومشاريع خاصة، فلو سألنا أنفسنا ماذا قدمت المعارضة السياسية لنصرة حلب لرأينا أن حضورها كان خلف الدور التركي المتواصل بشكل مباشر مع الروسي فكان دورها ثانوي ولم تتصدًّر الصف الأول للمظاهرات في معظم البلدان العربية والغربية أمام السفارات الروسية.
آن لنا اليوم أن نعي خطورةَ المرحلة الحالية لننطلق من جديد ونقفَ وقفةَ رجلٍ واحد شعبٍ واحد ونسأل أنفسنا ماذا تعلمنا من حلب وماذا بعد حلب خصوصًا.
إن النظام يستعد لاستمرار حملة بربرية لعزل مدينة إدلب عن حلب من خلال فصل الأرياف الغربية والجنوبية عن أرياف إدلب، فهل ستقبل الفصائل التخلي عن مشاريعها السياسية المؤدلجة مذهبيًا وتنخرط في جسم واحد ومنظم يتبع لقيادة عليا موحدة للجيش السوري الحر لتتأهب لامتصاص كل هجمات النظام بأعمالٍ عسكرية تشبه حرب العصابات تحفظ ما تبقى من الأراضي المحررة، فرأينا في حلب الخطوط الدفاعية للفصائل كانت هشة وانهارت تباعًا فهل ستسعى في إدلب لتأمين خطوط دفاعية تكتيكية ترهق استراتيجية النظام وحلفائه؟
المعارضة السياسية بجميع كياناتها هل ستغير من سياستها الباردة وتعمل لحساسية المرحلة الحرجة لتحقيق الدور المطلوب منها في قيادة الثورة وإنقاذ ما تبقى من سوريا وتقوم بمرحلة مراجعة للسنوات الماضية، وتعدل وتطور من برامجها لتناسب الواقع الحاليّ مع عودة الحراك السلمي المتجدد اليوم في بعض قرى ومدن ريف إدلب ودرعا وحمص وحماه؟
ما أحوجنا اليوم لامتلاك قناعة مفادها النزول من السماء إلى الأرض وتكريس كل الطاقات المتولدة من رحم الثورة واستيعاب الهمم والإمكانيات وتوظيفها في سبيل نيل الحرية والكرامة.
خسارة حلب كانت بسبب الأخطاء المتراكمة على مدار خمس سنوات وخسارتها بهذا التوقيت المرتب لها دوليًا تعني أن الثورة دخلت في مرحلة حساسية ومنعطف جديد بات معها الحديث عن تسوية سياسية ثلاثية برعاية روسية والتي بدت أنها ترغب بحل سياسي يضمن لها مصالحها والحفاظ على ماء وجهها لتنسي العالم جرائمها ضد الشعب السوري.
فدعت إلى استمرار المفاوضات المباشرة في العاصمة كازاخستان وأدركت بشكل تام أن النظام وميلشياته غير قادرين على الحفاظ على المناطق الجغرافية فهي من حققت له النصر في حلب وطلبت منه المحافظة عليه لأنها تعي أنه غير جدير بذلك من دون غطائها الجوي، وما حدث بتدمر خير دليل على هشاشة النظام، فإن كانت التسوية التي تسعى لها روسية جدية وتنوي فعلًا إتمام صفقة مع حلفائها فعلى المعارضة السياسية أن تكون جاهزة لها لإنقاذ ما تبقى من سوريا مع الحفاظ والتأكيد على إنهاء حكم آل الأسد.