أما عن الفارق بين الاسمين الواردين في العنوان فجد بسيط، فتحة على همزة الأولى، وكسرة أسفل الثانية، ولشد ما توضح اللغة ما تعجز عنه الألسنة خاصة في وقت المحن، والبحث عن الإنسانية في البشر!
أما عن الاسم الأول فهو لوزيرة الثقافة والديمقراطية السويدية التي بكت أمام مراسل وكالة الأناضول التركية الخميس الماضي قائلة: “الكلمات تعجز عن وصف معاناة أهالي شرقي حلب، وتلك المنطقة تحولت إلى جهنم حقيقي”، والكلمات لسيدة غير عربية أو مسلمة ربما لأنها وزيرة جمعت بين كلمتيّ “الثقافة والديمقراطية”، ووزراء الثقافة في بلادنا، اللهم إلا النذر اليسير ممن رحم ربي، إن حسن العهد بهم وارتفع حظهم لم يجمعوا بين الثقافة والإعلام، واكتفوا بحمل وزر تشويه كلمة الثقافة، وأغناهم الله عن الجمع بينها وبين غيرها.
تبكي السويدية أليس باه كونكي على آلاف المُشردين عن حلب خاصة الأحياء الشرقية مؤخرًا، وقد تجاوز عددهم 120 ألفًا خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فضلًا عن عشرات الآلاف المطلوب إجلاؤوهم عن المدينة، وتفشل محاولة إثر أخرى، نسأل الله تفريج كربهم وإزالة همهم، هذا غير مئات الشهداء خلال شهور الحصار خاصة الخمس الأخيرة، وفيهم الأطفال والنساء والعجائز.
تبكي الوزيرة السويدية وتُعلن أن اللغة لا تكفي للتعبير عن المأساة، فيما لا تكفي اللغة، على اتساع لغات الدنيا وقدرتها على التعبير عن الإنسانية لما تحضر لدى غير الأهل، وإن قال قائل إن الدول الغربية مُقصرة في نصرة أهلنا في سوريا، فماذا تغني دموع الوزيرة؟ تمسكنا بأن القطرات الأخيرة نفتقدها لدى مسؤولين ووزراء عرب، فضلًا عن مسلمين، لم يحاولوا أن يذرفوا ولو دمعة تكفير وندم عن تقصيرهم في نصرة الشعب السوري على مدار نحو 5 سنوات ونصف من ثورته التي أفنتْ منه ما يقارب 600 ألف شهيد، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، فضلًا عن الضحايا من المصابين أعانهم الكريم سبحانه.
“الفنانة” المصرية إلهام شاهين
أما “الفنانة” المصرية إلهام شاهين فقد كان لها موقف تعجز اللغة عن التعبير عنه، أيضًا، لكن من طرف مضاد، وللحقيقة فإن كاتب هذه الكلمات مدين باعتذار شديد من القارئ الكريم، إذ ليس من منهج الأول ولا من عاداته أو التزامه بينه وبين نفسه ذكر اسم خاصة إذا كان ممثلًا أو ما شابه، خاصة إذا كان الأمر يخص تصريحًا سلبيًا، ولكن للضرورة أحكام، كما يقول المثل المصري، وهل من ضرورة وأحكام أكثر مما تعانيها وتئن لأجلها الأمة العربية والإسلامية، جمع الله شأنها، وأعاد إليها رشدها عاجلًا غير آجل، فلكم تمنينا؟!
نقل موقع “عربي 21” الجمعة الماضية عن شاهين قولها إلى قناة سما الفضائية: “ألف ألف مبروك لعودة حلب تحت سيطرة الدولة السورية بالكامل.. ربنا يحمي الشعب السوري كله.. إن شاء الله الانتصار قادم للنهاية“.
وتابعت شاهين موجهة كلامها لجيش النظام السوري: “ربنا معكم عانيتوا كتير وقاسيتوا كتير وتعبتوا كتير.. بس إنتوا فعلاً جيش قوي استطاع الصمود كل هذه السنين لأنه على حق”.
وبداية يتعجب المرء ويوقن أن لله في خلقه شؤون، ومثل الكلمات الماضية لا تصدر إلا عن أناس وُليَ عليهم وزراء ثقافة لا يدرون من الثقافة إلا قشورها، وإن جاء بالخطأ وزير مثقف إلى بلادهم، تم نفيه بعد قرابة العام، كما حدث مع الدكتور أحمد عبد المقصود هيكل (أحمد هيكل) لما ولاه نظام المخلوع “مبارك” ثم ضاق به ذرعًا ليتخلى عنه بلا سبب (تولى الوزارة بين الفترة من 1985 و1987 لعام وأشهر)، وهي الإقالة التي أثمرت عن تولية فاروق حسني حتى قرابة أيام من سقوط نظام مبارك، وإهانة الراحل الدكتور هيكل إهانة شديدة، وكان صاحب الكلمات شاهدًا على طرف من أثرها عليه، رحمه الله، حتى تُوفي في عام 2006م.
يُحتم الموقف علينا أن نتساءل عن موقع الثقافة من كلمات السيدة شاهين، بل عن ضروريات الثقافة من الأساس، فالجملة الأولى التي تتحدث عن حماية الشعب السوري “كله”، أي شعب؟ وهل القائلة تحيا معنا في عالمنا؟ إن الشعب الذي تتحدث عنه هو الذي يُمعن حاكمه (المفترض) في دعوة المحتل الروسي، وقد صرحت قيادات الأخير منذ أسابيع ببقائه في البلاد أبد الدهر، أي وطن وقد فرّ مئات الآلاف عنه، والشيعة يعملون القتل فيه بخاصة النساء والأطفال والعجائز بما لا تقول به شريعة الغاب؟ وأي نصر وسوريا مقبلة على ما هو أمر وأنكى؟ إن لم يلطف الله بها، وهو ما أدى بالوزيرة السويدية الإنسانة قبل المثقفة إلى البكاء.
أما حديث شاهين عن جيش النظام السوري، ورب العزة الذي ترى أنه معهم وناصرهم فهو أحد عجائب الدنيا (الجديدة)، إذ إن القاصي والداني في العالم يعرف الفظائع الذي ارتكبته ميليشيات بشار الأسد، وهزيمتها على يد الثوار الأبطال لولا استعانتها بالروس نهاية سبتمبر/ أيلول 2015م، ومن قبل بالشيعة، وقد قامت فرق الموت المُتنوعة جوًا وبرًا بفظائع قيل إنها أنكى مما حدث في حرب عالمية، كيف تظن الفنانة أن رب العزة يقف مع نظام بشار وقد قصف أطفال شعبه بالكيماوي في الوقائع المعروفة؟ وهي إحدى وقائع يضيق عنها الحصر!
إننا في بلادنا لا نعاني من حكام ظلمة فحسب، بل من مجموعات من المُنتفعين جمعوهم حولهم بدقة وفرغوهم من معنى الإنسانية قبل الفهم وغيرهم، وهذه السيدة نفسها هي التي غنت بعد عزل الجيش لأول رئيس منتخب في مصر محمد مرسي: “اتفضل من غير مطرود”، وهي التي تعين الثورة المُضادة على أبناء شعبها، ثم تدعي الوطنية في وقائع الصمت هنا عنها أفضل من ذكرها!
أما ختام كلماتها التي تُوحي بأن الله نصر ميليشيات بشار والروس والشيعة، وفقًا للنتيجة الحالية من استعادتهم حلب، فهو ما يخص حقيقة يضيق عنه فهم “البسطاء” من البشر عامة، وإن علو في المال وزينة الدنيا، فمن أين لهم العلم بأن الله يعد المجاهدين في الأرض على عينه قبل أن يُمكن لهم في الأرض؟ وأن تراجع اليوم في حلب، هو تمام التمحيص لنصر الغد القادم، لكن بعد تنقية الجهود، وتمحيص الصفوف المُقاومة المُجاهدة، وهو ما لا نشك في مقدمه، وإن آلمتنا اللحظة، ويومها لن يكون لأشباه البشر، ولو تسموا بأسمائنا ونطقوا ظاهريًا بلغتنا، تأثير ولو، ضئيل جدًا، ما بيننا!