تساؤلات كثيرة وإجابات غائبة وتحليلات متعددة وتوقعات كثيرة حول الاشتباكات التي اندلعت في مدينة الكرك الأحد، واستمرت إلى أكثر من تسع ساعات، في حين أسفرت عن مقتل عشرة أشخاص، بينهم سبعة من رجال الأمن وسائحة كندية ومواطنين اثنين، إضافة إلى إصابة 27 آخرين.
فقد أثارت الاشتباكات العديد من علامات الاستفهام التي يتناولها المراقبون والمحللون، فلماذا اختارت المجموعة المسلحة مدينة الكرك ولماذا، وماذا كانت تخطط، وما هي أهدافها، وكم عددها، وهل تتبع تنظيم “داعش”، ومن أين جاءت بالأسلحة والذخيرة التي قاتلت من خلالها مدة ساعات طويلة دون أن تنفذ، الأمر الذي يشير إلى ضخامة كمية تلك الأسلحة والذخيرة.
وهل فعلا كانت المجموعة المسلحة تخطط لتنفيذ تفجيرات في احتفالات رأس السنة بالعاصمة عمان، لكن خطأ في تركيب المواد المتفجرة الذي تمثل في تسرب رائحة البارود من الشقة التي كانوا يقيمون فيها بمدينة الكرك كشف أمرهم؟.
ما هي جنسيات عناصر المجموعة، هل تضم لاجئين سوريين أو عراقيين، أو حتى أجانب لاذوا بالفرار من سوريا بعد الأزمة والخسائر التي مني بها تنظيم داعش؟
هل تم تطويق كامل عناصر المجموعة، أم أن هناك من سنحت له الفرصة واختفى لأيام مقبلة كي ينتقم من جديد، هل هناك عناصر أخرى مرتبطة بهذه المجموعة وتنسق معها في محافظة أخرى لدواع وتحوط أمني خوفا من اكتشاف الجميع؟
كل ما مر من أسئلة برسم الإجابة، ولن يحصل الرأي العام كما هي العادة على جميع إجابات هذه الأسئلة، لأن بعضها سيظل حبيس أدراج الأجهزة الأمنية لأهداف استراتيجية وتكتيكية.
عملية انتقامية في إطار مواجهة مفتوحة
لكن في محاولة لفهم ما جرى، اعتبر المحلل السياسي راكان السعايدة أن ما حدث يأتي في سياق طبيعي جراء المواجهة المفتوحة ما بين النظام الأردني ومن ورائه التحالف الدولي من جهة، والتنظيمات المتشددة من جهة أخرى.
لكن السعايدة اعتبر أنه “في حال ثبت أن لتنظيم داعش يد في الأحداث، فإن ذلك يأتي في سياق الأعمال الانتقامية، فضلا عن مواجهة الإجراءات الأمنية ضد عناصر التنظيم “، لافتا إلى أن “المجموعات المسلحة المتشددة لديها القدرة على تجديد قدراتها وإمكانياتها التنظيمية والعسكرية في أكثر من مكان وزمان، إذ لا ننسى ما حدث في مدينة إربد بداية العام الجاري من مواجهة أمنية مع خلية تابعة لداعش”.
وحول لماذا اختارت المجموعة المسلحة مدينة الكرك هذه المرة، توقع السعايدة أن المجموعة أردت القول إنه “بإمكاننا الوصول إلى أي مكان، فضلا عن اعتقادها بأن الكرك بعيدة عن الرقابة الأمنية المكثفة المشددة، الأمر الذي يتيح لها العمل بحرية وهدوء “، داعيا إلى “مزيد من العمل الاستخباري والأمني المكثف للوقوف في جميع محافظات الأردن، دون إتمام هذه المجموعات لأهدافها ومخططاتها”.
وأنهى السعايدة حديثه بالقول إن “ثبت فعليا أن تنظيم داعش وراء هذه الاشتباكات، فإن ذلك يدلل بقوة على الأزمة التي يمر بها التنظيم في العراق وسوريا، فهو فيما يبدو يبحث عن ساحات أخرى يثبت فيها وجوده عبر نشاطاته الإرهابية”.
الطراونة: خلية مستعدة كل الاستعداد ومدربة جيدًا
أفاد الخبير الأمني العميد المتقاعد الدكتور حسين الطراونة أن خطأ فنيا فيما يبدو وذلك أثناء تجهيز عبوات ناسفة ومتفجرات من قبل المجموعة المسلحة هو الذي تسبب في كشفها ومطاردتها.
ودعا الطراونة الأجهزة الأمنية الأردنية إلى “إعادة هيكلة ومراجعة أمنية دقيقة للإجراءات والمنظومة الأمنية، معتقدا بوجود خلل ما لا بد من تداركه عبر دراسة حثيثة ومتواصلة لجميع الثغرات”.
وحول طول مدة المعركة، رأى الطراونة بأن “طول مدة المعركة إضافة إلى عدد الشهداء والجرحى والمصابين، يتبين أن لدى المجموعة المسلحة إمكانيات وقدرات وأسلحة وذخيرة، ما يساعدها على الصمود كل هذه المدة الطويلة” منوها إلى أنها “مستعدة كل الاستعداد ومدربة تدريبا جيدا”.
من أين بدأت الحكاية؟
كشفت مصادر أمنية عن أن الخلية الإرهابية قدمت إلى بلدة القطرانة في محافظة الكرك قبل ثلاثة أشهر، واستأجرت شقة في عمارة داخل البلدة ثم استأجرت قبل 15 يومًا مطعمًا لا يعمل.
وقالت المصادر إن ابن صاحب العمارة التي يستأجرون شقة فيها اشتم رائحة بارود من داخل الشقة المؤجرة، فأبلغ الأمن الذي حضر إلى المكان”.
ولدى وصول رجال الشرطة إلى الشقة تم منعهم من دخولها، وقام الأشخاص الذين بداخلها بإطلاق عيارات نارية بواسطة أسلحة رشاشة، ما أدى إلى إصابة اثنين من رجال الأمن بينما لاذ الأشخاص الملثمون بالفرار باتجاه مدينة الكرك بواسطة “بك آب” سرقوه من ابن صاحب الشقة تحت تهديد السلاح.
وتزامن ذلك مع قيام مركبة أخرى في المدينة بإطلاق عيارات نارية باتجاه دورية شرطة هناك، وأعلنت الأجهزة الأمنية بعدها ضبط ثلاثة مسلحين كانوا يستقلون سيارة سياحية وبحوزتهم كمية كبيرة من الذخيرة.
وقام مجموعة من المسلحين بعد ذلك بتنفيذ هجوم على مركز أمن المدينة ما تسبب بجرح العشرات من بينهم سياح.
وبعد ذلك بدأت المرحلة الأخيرة من العملية حين قام مجموعة من الملثمين يتراوح عددهم بأربعة أشخاص بالتحصن داخل قلعة الكرك وإطلاق عيارات نارية باتجاه مركز أمن المدينة وأخذ مواطنين كرهائن، مما دعا القوات الخاصة للتعامل المباشر معهم.
وبعد ساعات من فرض قوات الأمن طوقًا حول القلعة وتعزيزها بالطائرات والقوات خاصة، تمكنت هذه القوات من تحرير سائحين حوصروا داخل القلعة.
الملك يشرف على عملية الكرك
إلى ذلك قال مراسل الجزيرة في عمان خلال تغطيته لأحداث الكرك أن الملك عبد الله الثاني يشرف بنفسه على عملية الكرك، وهو في اجتماع مفتوح مع القيادات الأمنية في البلاد، في حين تداولت مواقع إخبارية توجه الملك إلى الكرك لمتابعة عملية القضاء على المجموعة المسلحة بشكل شخصي وعبر الميدان.
فيما وصل الأمير راشد بن الحسن إلى قلعة الكرك لتعزيز التواجد الأمني هناك، في حين ظهر الأمير في صورة تم تداولها على المواقع الإخبارية من قبل ناشطين، وهو مسلح وحوله عدد من رجال الأمن.
الضباب والأمطار تسببا في إطالة عمر الاشتباكات
قوات الأمن أعلنت عن قتلها عددًا من المسلحين وسط ظروف جوية سيئة صعّبت على الأمن حسمها سريعًا.
وقال مصدر عسكري في تصريح صحفي، إن “قوات الأمن قتلت عددًا من الإرهابيين المتواجدين داخل قلعة الكرك، وسيتم القضاء على الخلية الإرهابية كاملا”.
ولفت مصدر أمني إلى أن “الضباب الكثيف والتساقط الغزير للأمطار ساهم بإطالة المواجهات”.
كيف انتهت العملية؟
حتى الساعة الـ12:30 صباحًا، بتوقيت عمّان، أصدر جهاز الأمن العام بيان حول مجريات العملية قال فيه: “أنهت القوة الأمنية المشتركة التي تعاملت منذ ظهر اليوم مع مجموعة إرهابية خارجية عن القانون، تحصنت داخل قلعه الكرك بعد إطلاق النار على عدد من رجال الأمن العام والمارة في محافظة الكرك، أعمالها بعد أن تمكنت من القضاء على أربعة إرهابيين منهم وقتلهم جميعا”.
وبحسب البيان “فقد جرى ضبط كميات من الأسلحة الأتوماتيكية والذخيرة بحوزة الإرهابيين القتلى، كما بوشرت كذلك التحقيقات للوقوف على كافة تفاصيل الحادثة وتحديد هوية المسلحين وانتماءاتهم”.
وكشف البيان عن أن “أجهزة الأمن داهمت المنزل الذي كان بداخله الإرهابين في منطقة القطرانة، حيث عثرت بداخله على كميات كبيرة من المتفجرات إضافة إلى أحزمة ناسفة وأسلحة”.
وأشار بيان الأمن العام أن “حصيلة المصابين ممن يرقدون على سرير الشفاء، 11 من مرتبات الأمن العام وأربعة من مرتبات قوات الدرك، إضافة إلى 17 مواطنا وشخصين من جنسيات أجنبية”.
أسماء الشهداء والمصابين
وحسب ما أعلن حول أعداد القتلى خلال الاشتباكات، فإن شهداء الأمن العام هم علاء النعيمات وحاتم الحراسيس ويزن السعودي وصهيب السواعير، أما المتوفون من المدنيين فهم ضياء الشمايلة ومحمد البنوي الضمور.
في حين عرف من المصابين المدنيين أيمن الحوامدة وبهاء النوايشة وعبدالله الخريشة ومحمود الشمايلة وحماد الرواشدة وإبراهيم البشابشة وسند الضمور وفادي المحادين وعبدالله حرز الله.
ماذا قال التشريح الطبي؟
في الوقت الذي قامت فيه الأجهزة المختصة بنقل جثامين الشهداء من المستشفى العسكري إلى مستشفى الكرك، بهدف تحويلهم إلى الطب الشرعي.
قال مصدر طبي من مستشفى الكرك الحكومي إنّ التشريح كشف عن إصابة الجثث التسعة برصاص قاتل في منطقتي الرأس والصدر”، مشيرا إلى أن “بعض الشهداء من رجال الأمن أصيبوا بأكثر من 4 رصاصات فيما أصيب أحد الشهداء بـ 6 رصاصات”.
مساندة المواطنين للأمن
في الأثناء، كان لهبة عشرات المواطنين في الكرك ومشاركتهم في الاشتباكات ومساعدتهم رجال الأمن العام عبر تزويدهم بالذخيرة أحيانا وإطلاقهم النار تجاه المجموعة المسلحة تارة أخرى، صدى كبير.
فقد شوهد العديد من أبناء العشائر عبر مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعين وهم يحملون أسلحتهم ويهبون لمساعدة المحتجزين في قلعة الكرك من قبل المجموعة المسلحة، فضلا عن مشاركتهم في إطلاق النار على المجموعة المسلحة.
تبرع بالدم ودعم طبي
نتيجة سقوط عدد كبير من الجرحى والمصابين في الاشتباكات، هرول كثير من المواطنين للتوجه إلى المستشفيات للتبرع بالدم نجدة للجرحى والمصابين، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الصحة الدكتور محمود الشياب عن دعم مستشفيات الكرك بـ120 وحدة دم، إضافة إلى تزويد مستشفيات المحافظة بجميع التخصصات من عظام وصدرية وأعصاب وتخدير وطواقم تمريضية.
تنديد واستنكار محلي ودولي
في السياق، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانا استنكرت فيه “الاعتداءات الإجرامية بحق رجال الأمن العام في الكرك”
وقالت الجماعة في تصريح صحفي صادر عنها إنها “تحتسب الشهداء الذين قضوا أثناء تأديتهم واجبهم في حفظ أمن وطنهم وبلدهم عند الله”، معبرة عن “غضبها وإدانتها الشديدة لمثل هذه الأعمال الإجرامية”.
كما أكدت نقابة المهندسين “وقوفها صفا واحدا ويدا بيد مع أبناء الوطن جميعا أفرادا ومؤسسات خلف جهاز الأمن العام بما يمثله هذا الجهاز من حصن للوطن وضمانة لأمن أبنائه”.
وأصدرت السفارة الأمريكية في عمان بيانًا استنكرت فيه الهجوم المسلح في الكرك، وأكدت تضامن الولايات المتحدة الأمريكية مع الحكومة الأردنية، مضيفة: “نقدم أحر تعازينا لجميع الضحايا وأسرهم، وندرك شجاعة أفراد الأمن الأردني الذين قضوا دفاعاً عن المدنيين”.
مطالبات بإقالة وزير الداخلية
أخيراً، طالب النائب صداح الحباشنة بإقالة وزير الداخلية سلامة حماد ومدير الأمن العام عاطف السعودي، بسبب “تقصيرهما في التعامل مع أحداث الكرك، متسائلا كيف لأربعة مسلحين أن يحتلوا الكرك”.
وقال الحباشنة إن “أهالي محافظة الكرك يقبعون داخل منازلهم بسبب الأحداث المؤسفة التي تدور في الكرك، والأجهزة الأمنية تقف مكتوفة الأيدي”.
وطالب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي محاسبة ما اعتبروه “التقصير الرسمي الذي وقع في الكرك” خلال عملية اليوم، حيث حمل الناشطون المسؤولية الكاملة لوزير الداخلية سلامة حمّاد. كما انتقد الناشطون التقصير الذي وقع في التأخر بعلاج الجرحى الذين أصيبو خلال العملية، حيث اتهموا الأجهزة الرسمية “بإبدائها الاهتمام الكامل للسائحة الكندية التي قضت خلال العملية من خلال جلب طائرة خاصة لنقلها، فيما تم تجاهل المصابين من المواطنين لفترة من الزمن”.
هذه المادة تمّت بالإشتراك مع فريق شبكة أردن الإخبارية