مقطوعة موسيقية تمتد لعشر ساعات، عظيم، طن من القهوة أو الشاي بجانبك، عظيم، الوقت بعد منتصف الليل ولا توجد أي ضوضاء – وعلى الأخص بكاء رضيع ابن الجيران – عظيم أيضًا.
إذًا، كل شيء مهيأ للكتابة، تستخدم ورقة وقلم، أو آلة كاتبة – حسنًا لا أحد يستخدم آلة كتابة في هذا الزمن غير ستيفن كينج وجورج أر مارتن وعدد قليل لم تسمع عنهم بعد، لأنك وببساطة لا تعرفهم -، لنقل إذًا لوحة المفاتيح، عظيم جدًا.
الآن، ومرة أخرى، كل شيء معد للكتابة، تنظر إلى الورقة الناصعة البياض وتستعد للمعركة، تطيل التحديق إلى الورقة البيضاء، ينقص كوب الشاي إلى النصف، ولا كلمة! تأخذ نفسًا طويلًا وتتذكر مئات المرات التي جلست خلالها نفس الجلسة، وتحشد كل أفكارك لتخرجها إلى الورق، وتردد لنفسك مثلما ردد المئات من قبلك: لا تخشى شيئًا.. ستكتب كما كتبت من قبل.
في مخيلتك تتكون جملة هيمنغواي المفضلة لديك “اكتب جملة حقيقية واحدة”، تكتب، ترص كلمة وراء كلمة، وتكون تلك الجملة التي تحدث عنها هيمنغواي، تنظر إليها مطولًا، لا تشعر بها، هناك شيء مفقود، هذا الشيء يجعلك تحذف الجملة بأكملها لتعود الصفحة ناصعة البياض كما السابق.
لا شيء، بعد ساعة من جلستك ولا شيء، يبدو الأمر محبطًا قليلًا، تفكر اليوم ليس يومي، لأكتب في الغد، هكذا تقول لنفسك.
تتذكر نجيب محفوظ وروتينه اليومي، أخصص ثلاث ساعات للكتابة يوميًا، ولا يهم إن انتهوا بجملة واحدة وشطبت عليها، تفكر، جملة مشطوبة تعد كأثر باقٍ، فماذا أنا فاعل بصفحة بيضاء فارغة؟! هذا عيب الكتابة هنا.
سوف ألاحق إلهام في الغد، تفكر في تلك الجملة بصوت عالٍ وبعزيمة قوية، ولكنها كذلك تبدو حجة سهلة وجيدة للهرب من الكتابة.
تردد صدى جملة روبرت جوردن عن انتظار الإلهام وأن هذا يعد بمثابة هراء ولسوف تموت جوعًا، من لا مكان يظهر شبح جوردن وينضم إليه شبح إي. بي. وايت ويهز رأسه ويقول “انتظر الظروف المثالية، انتظرها مثل جودو يا ولد، ولن تكتب كلمة واحدة”، هنا، تخفض رأسك، وتزمجر “اللعنة، حسنًا”، لنحاول مرة أخرى.
رأسك الآن تقرقر في محاكاة لعشرات الجمل لما يجب أن يكون عليه بداية الفصل الجديد، تستبعدها كلها مثل الجملة الأولى تمامًا، تطارد شبح جملة لعينة تعتقدها مثالية، لا تفعل، لا تطاردها، فقط ابتلع تلك الهزيمة، واكتب أي جملة، فقط ابدأ بأي جملة تجعل عملية الكتابة مستمرة، لا لن أفعل.. تتابع في عند واضح.
يظهر شبح نورا روبرتس، تبدو غاضبة، وتشير بيدها محذرة وتردد جملتها: بإمكانك أن تصلح أي شيء، ولكنك لن تستطيع تنقيح صفحة فارغة.
حسنًا، الآن ماذا؟ اكتب، سوف أكتب! تريدونني أن أكتب، أزيموف يطل من وراء مكتبه، ويحدق في استنكار: أيها الفتى، إنني أكتب 12 ساعة يوميًا، لا تأتي بي إلى هنا، برادبري ينظر إليّ مستنكرًا بدوره، يسأل: لماذا تجد صعوبة في الكتابة؟ إنها ممتعة.. ممتعة جدًا.
تقول وقد استبد بك الغيظ: “عزيزي برادبري.. أنا أعشق كتاباتك، لكنك تثير حنقي الآن، على الأقل راعي إحساسي، قريحتي جافة، وإلهام تخلت عني بدورها”.
يتوقف الجميع عن الكتابة، ويصوبون نظراتهم ناحيتك، يرددون معًا: قريحة جافة، ينتظر إلهام، ما الذي جاء بك هنا؟
يظهر كافكا من العدم، يحدق في برادبري، يسعل، يغطي فمه بمنديل ما، تلاحظ قطرات من الدماء تغطي المنديل، يقول: ولكن على المرء أن…، يقاطعه شبح هيمنغواي، وينظر لبرادبري شزرًا، ويردد: ممتعة! تبًا للمتعة، كل ما عليه فعله هو أن يجلس وينزف دمًا، سوف يكتب بكل ما لديه من جرأة، وعندما ينتهي، سيمزق ما كتبه، ويعيد كتابته من جديد.
يهز الجميع رؤوسهم في نصف تأييد ونصف رفض، ولكنهم رددوا نفس المعنى: مزق مخطوطتك الأولى.. لا تنشر مخطوطتك الأولى، تتنهد وتردد بدورك: سأكون ملعونًا.
تختفي الأشباح، والآن كل ما لديك هي صفحة جديدة، بعيدة كل البُعد عن الرواية، تضج بأشباح كتاب راحلين، تقول، لقد كتبت علي الأقل، هذا ما أفعله عند فشلي في الكتابة، أكتب عن عجز الكتابة، لدي صفحة تحتاج إلى إعادة تنقيح، وبالتأكيد يجب أن أمزقها، وعندها فقط ربما فقط أخرج منها بشيء جديد.