ترجمة وتحرير نون بوست
لم تستطع حكومة فايز السراج التي وصلت للسلطة خلال شهر حزيران/ يونيو سنة 2014، أن تباشر مهامها بصفة عادية على الرغم من اعتراف المجتمع الدولي بشرعيتها، ويعود سبب تعثرها داخل ليبيا إلى وجود حكومة أخرى وبرلمان آخر عاصمته طبرق في الجزء الغربي من ليبيا.
لم تتغير الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا على الرغم من مرور سنة كاملة على توقيع اتفاقية “الصخيرات” في المغرب يوم 17 من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2015، وكان الهدف من هذه الاتفاقية إخراج ليبيا من الفوضى العارمة التي تعيشها منذ سقوط نظام معمر القذافي، ولكن بعد مرور سنة، لم يتغير شيء في ليبيا بل أصبح شبح الأزمة يخيّم على الساحة الداخلية الليبية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأزمة الليبية تتمثل في الانقسامات الإقليمية وتفاقم تأثير الميليشيات المسلحة، ما أعقبه تراجع اقتصادي كبير، بالإضافة إلى فشل سياسة التوافق.
وقد علّق رئيس الحكومة فايز السراج على الأوضاع المزرية في ليبيا قائلاً: “الوضعية أصبحت أسوأ منذ 30 من آذار/ مارس”، ويمثّل هذا اليوم تاريخ الإعلان عن التشكيلة الوزارية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، واعترف السراج بصعوبة الإعلان عن مصالحة كاملة نظرًا لضعف الدعم المالي لحكومته وعجزه عن فرض سلطته على كامل التراب الليبي.
وفي المقابل، يتمثل الإنجاز الوحيد الذي حققته حكومة الوفاق الوطني، بقيادة السراج، في طرد مقاتلي تنظيم الدولة من مدينة سرت، لكنه يبقى انتصارًا ضبابيًا نظرًا لأنه تحقق على يد ميليشيات مسلحة، وليس على يد جيش ليبي نظامي لا زالت ليبيا تفتقر إليه إلى حد الآن.
وبما أننا تحدثنا عن معركة سرت، فيجب الإشارة إلى أنها وقعت يوم 6 من كانون الأول/ ديسمبر عندما نجح مقاتلون تابعون لعدة ألوية متحالفة، أغلبهم من مدينة مصراتة، في طرد مقاتلي تنظيم الدولة من سرت بعد معارك دامت أكثر من ستة أشهر متتالية، بمساعدة غطاء جوي أمريكي، وأوقعت هذه المعركة قرابة 700 قتيل في صفوف القوات الليبية و2500 قتيل في صفوف تنظيم الدولة والمواطنين المرابطين في المدينة.
وفي نفس السياق، أصبح طرد مقاتلي تنظيم الدولة من معقله في سرت على رأس أولويات العالم الغربي خوفًا من أن تصبح سرت “موصل إفريقيا”، ودفعت سيطرة تنظيم الدولة على سرت، الأطراف السياسية الليبية للإسراع في توقيع اتفاقية الصخيرات في المغرب بعد مرور شهر فقط على هجمات باريس، لذلك قرّر الغرب مطاردة تنظيم الدولة في ليبيا، لكن ذلك لا يمكن أن ينجح دون وجود حكومة وفاق وطني.
ومن جهة أخرى دفعت ليبيا غاليًا نتائج هذا “الاتفاق المستعجل” حيث تعطلت حكومة السراج، على الرغم من اعتراف المجتمع الدولي بشرعيتها، وفشلت في مباشرة مهامها الرسمية نظرًا للحصار السياسي الذي يفرضه عليها برلمان طبرق في غرب ليبيا، ويعود هذا التعثر السياسي لحكومة السراج إلى قوة تأثير اللواء خليفة حفتر، على برلمان طبرق، وقد وُلد حفتر في إقليم برقة الواقع شرق البلاد والذي يُعرف بتركز أهم مناطق احتياطي النفط والغاز.
ومن جهة أخرى، إن موقف حفتر المعادي لحكومة السراج ليس غريبًا، نظرًا لأن أول شروط اتفاق الصخيرات هو طرد الجنرال المتقاعد نهائيًا من الساحة السياسية في ليبيا، لكن ما زالت الأمم المتحدة والدول الغربية تثق بخليفة حفتر على الرغم من الأزمة السياسية الحادة بينه وبين حكومة السراج التوافقية، ويدلّ ذلك على الازدواجية التي تميّز السياسة الغربية تجاه الأزمة اللبيبة.
في الوقت نفسه، ليس حفتر وحده المعارض لحكومة السراج في طرابلس، بل هناك عدة إجراءات رفضها بعض المنتمين لحكومة الوفاق الوطني حيث دخل السراج في مواجهة مباشرة مع محافظ البنك المركزي الليبي صادق الكبير، الذي عطل إجراءات تمويل حكومة السراج ورفض تحقيق المطالب المالية للحكومة، وتدخل وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، عن طريق تنظيم اجتماع في لندن لتحقيق المصالحة بين الرجلين.
ومن ناحية أخرى، توترت العلاقات مؤخرًا بين فايز السراج ووزير دفاعه مهدي البرغثي، بعد قيام كتيبة مسلحة بمحاولة فاشلة لاسترجاع مناطق الهلال النفطي من قبضة اللواء حفتر الذي احتلها منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
حسب مجموعة الأزمات الدولية، فإن وزير الدفاع الليبي مهدي البرغثي، هو العقل المدبر لهذا الهجوم على الهلال النفطي، في الوقت الذي نفى فيه فايز السراج مسؤوليته عنه.
ونظرًا لمحدودية الدعم المالي في تسليح الميليشيات المرابطة في طرابلس والتابعة لحكومة الوفاق، يفضّل السراج عدم الدخول في أي مناوشات مع الكتائب المسلحة التابعة لخليفة حفتر على الرغم من عناد وزير دفاعه مهدي البرغثي.
ويرى مراقبون أن هذه العملية المسلحة الفاشلة أحرجت فايز السراج كثيرًا، فهي ستعزز موقف الإسلاميين المحيطين به الذين اتهموه بأن قراراته السياسية تخضع لتوجيهات الغرب، بل يمكن أن يعزز ذلك أيضًا من تأثير الجنرالات العسكريين الموالين لحفتر، والذين يرون الوزير الأول فايز السراج، مجرد رهينة بين يدي حركة الإخوان المسلمين داخل حكومة الوفاق الوطني.
ومن جهة أخرى، كثّف اللواء المتقاعد حفتر زياراته نحو روسيا حيث أجرى زيارتين إلى موسكو خلال هذه السنة في خضم تغيرات جيوسياسية أهمها في الأزمة السورية ووصول ترامب للبيت الأبيض، ويبدو أن المناخ الجيوسياسي يصبّ في صالح خليفة حفتر الذي يطمح لإنشاء نظام عسكري بعيدًا عن الإسلام ومقتديًا بجاره المصري عبد الفتاح السيسي، مما يؤكد أن اتفاقية الصخيرات أصبحت طيّ النسيان.
المصدر: صحيفة لوموند