ترجمة وتحرير نون بوست
تصلنا صورًا مؤلمة من حلب منذ أشهر، ينشرها أصحابها عادة، لتوثيق الوضع المزري للشعب السوري والرعب الذي يعيشه بشكل يومي، في 15 من كانون الأول/ ديسمبر، عاد الصحفي في “نيويورك تايمز” مايكل كيملمان للحديث عن أهميتها واستنكار لا مبالاة العالم الغربي.
وكتب هذا الصحفي: “تُسجّل هذه الصور بشكل مباشر رفض الاختفاء من دون ترك آثار”، فمنذ آذار/ مارس سنة 2011، وثّق السوريّون كل أحداث الثورة من المظاهرات السلمية إلى القمع الدموي ثم الصراع المسلح، وقال الصحفي السوري هادي العبد الله في مقال نشر على صحيفة ليبيراسيون: “في البداية، وثّق السوريون كل شيء آملين في أن يتدخل العالم عندما يشاهد الصور، ولكن هذا لم يحدث”.
وواصل الصحفي الأمريكي استنكاره لعدم تأثير أي من الصور على الحرب في سوريا، أو في بلورة رد فعل محترم من قبل المجتمع الغربي، وأضاف قائلاً: “لقد تسببت صور من الحرب في وقت سابق في بناء وعي شعبي وخلق ردود فعل مناسبة”، لقد كتب هذا قبل أن يستحضر صورة الفوتوغرافي نيك أوت للفتاة الفيتنامية وصورة كافن كارتر من السودان (هاتان الصورتان الرمز ظهرتا على غلاف “نيويورك تايمز” يوم 15 من كانون الأول/ ديسمبر).
ولكن في الحقيقة لم تتغير مجريات الحرب بفضل صورة فوتوغرافية، ولذلك قال أندري غونثرت الباحث في التاريخ الثقافي والدراسات البصرية ومدون على موقع “الصورة المجتمعية”: “عمليًا، لا تمارس المعلومات أي تأثير على الواقع، وهذا هو الفرق بين الصحافة والسياسة، في كل مرة نتساءل فيها عن عدم تأثير الصورة نكون قد خلطنا بين الصحافة والسياسة من جهة، والمعلومة والفعل اللذين يمثلان عالمين مختلفين جدًا من جهة أخرى”.
التضليل
يُضاف إلى هذا مسألة وفرة الصور وعلاقتنا بها، فقد شرح هذا الأمر الكاتب فراد ريتشين صاحب كتاب “ما بعد الصورة الفوتوغرافية: العصر الجديد” والكاتب المنتظم لدى مجلة “تايم” عندما قال “لا يوجد بين صحفنا من يهتم بصراع محدد أو مسألة ما، لقد علمتنا وسائل التواصل الاجتماعي اختيار ما نريد رؤيته بشكل فردي، كنوع من الحق في التعاطي مع معلومات محددة ورفض أي نقاش مجتمعي حولها، نحن نشكك بشكل متزايد في الصور التي تريد توجيهنا أو تلك التي لا تعكس إلا وجهة نظر فردية، فقدنا الثقة في حكوماتنا في تطوير ما نريد رؤيته (مثل موضوع التغيرات المناخية أو الوضع في حلب)”.
ثم أضاف قائلاً “نحن نشاهد بأعيننا تفسّخ وسائل الإعلام والسياسة، يجب توجيه النقد لصحيفة نيويورك تايمز ومجلة تايم وغطائهما الإعلامي الذي كان يجب أن يضع هذه الصور في العناوين الأولى منذ أشهر من الآن، عوض الجدل الذي حدث بخصوص المرشح الرئاسي ترامب”.
إذا كنت تشعر بالأسى لكل الصور القادمة من سوريا ولم تغير واقع الحرب، تذكّر دائمًا أن الصورة في حد ذاتها لا تغير الواقع أبدًا.
ويشاطره في فكرة تناول المواضيع المهمة كل من روبرت هاريمان وجون لوكايتس اللذين كتبا تقريرًا تحت عنوان “الصورة العامة” الذي نشر على مدونة “نو كابشن نيدد” فقالاً: “كم من كلمة كُتبت عن حلب؟ كم من مقال أو مقولة كُتبت على المدونات؟ لماذا لا تحمل تلك الكلمات عبء عدم الكفاءة؟ هي أيضًا كلمات تنطفئ بسرعة، لا تستطيع توجيه دورة الأخبار لمدة طويلة، وعلى الرغم من أنها كلمات شاهدة على وضع مزرٍ فإنها لا تخلق موجات احتجاجية عارمة”.
في نهاية تقريره “لا مبالاة العامة” أشار مايكل كيملمان إلى عجز المجتمع عوض لا مبالاته، إلى حد ما، حيث اكتفى هذا المجتمع بإبراز ردود فعله على الفيسبوك عن الأوضاع في حلب، ثم قال أندري غونثرت: “للأسف، إن العجز حالة عوّدتنا عليها المكاتب السياسية (أي أن المسؤولين يبتعدون شيئًا فشيء عما يريده الشعب)، ولكن ليس أي من ذلك هو مشكلة الصورة”.
المصدر: صحيفة سلايت