اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ”ديفيد فريدمان” كسفير لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي يعكس تحولات جذرية في خارطة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بمستقبل ما يُعرف بـ “عملية السلام”، وهو ما كشفته تصريحات السفير الجديد التي تفضح افتقاده للدبلوماسية والخبرة السياسية اللازمة.
مواقف فريدمان السياسية والتي تناقلتها بعض وسائل الإعلام دفعت بعض النواب الأمريكيين للتخوف والقلق حيال مستقبل العلاقات الأمريكية الشرق أوسطية، فوفقًا لخبراء ومحللين فإن هذه السياسة الجديدة تدفع إلى تهديد مصالح أمريكا في المنطقة فضلاً عن زيادة وتيرة العداء بين المسلمين واليهود.
من هو ديفيد فريدمان؟
“كيهود أمريكيين تعدادنا يقترب من ستة ملايين نسمة، حصلنا على فرصة ما كان أسلافنا ليحلموا بها، بدلاً من أن نضطر إلى مواجهة التحديات التي يفرضها أعداء إجراميون، حملنا أمانة إرث أعظم الأجيال التي سبقتنا، لضمان بقاء إسرائيل على قيد الحياة، واستمرارها في الازدهار، كضوء يشع على الأمم وكوطن دائم للشعب اليهودي”، بهذه الكلمات التي استهل بها السفير الأمريكي الجديد لدى تل أبيب ديفيد فريدمان مقاله في صحيفة “جيروزاليم بوست” كشف عن نفسه بصورة واضحة لا لبس فيها.
فريدمان البالغ من العمر 57 عامًا، يعمل محاميًا متخصصًا بقضايا الإفلاس والعقارات لدى مجموعة دونالد ترامب منذ 15 عامًا، معروف بدعمه لسياسات الكيان الصهيوني، يميل إلى الفكر اليميني المتطرف، وتم تعيينه خلال حملة ترامب مستشارًا له لشؤون إسرائيل إلى جانب جيسون غرينبلت.
ساهم السفير الأمريكي الجديد بالعديد من الأنشطة المالية واللوجستية لدعم مخططات الكيان الصهيوني الاستيطانية لا سيما في الضفة الغربية، كما يشغل منصب رئيس منظمة “الأصدقاء الأمريكيين لمستوطنة بيت إيل”، والتي قدمت للمستوطنة ملايين الدولارات في السنوات الأخيرة.
تعتمد خطة فريدمان لدعم الصهيونية على محاور ثلاث، أولها: تعزيز مشروع الكيان الصهيوني الاستعماري، ثانيها: إجهاض الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، ثالثها: مهاجمة اليهود الليبراليين الداعمين للسلام مع الفلسطينيين، كما سيرد ذكره تفصيلاً.
فريدمان عمل مستشارًا لـ”ترامب” خلال حملته الانتخابية
توجهاته السياسية
تصريحات فريدمان للعديد من الصحف الأمريكية والصهيونية كشفت بشكل كبير توجهاته السياسية حيال قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي تتسم بالعنصرية والتطرف ودعم المخططات الاستعمارية للكيان الصهيوني بصورة غير مسبوقة، بما يعكس التناغم الواضح بين السفير الجديد والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
توسعات استيطانية جديدة
أول محاور سياسة فريدمان التي تعكس بالفعل توجهات واشنطن الجديدة تتمثل في ضم الكيان الصهيوني لأجزاء إضافية من الضفة الغربية، وهو ما يطالب به اليمين المتطرف الصهيوني منذ سنوات، وردًا على سؤال بخصوص إن كان ترامب يدعم ضم أجزاء من الضفة الغربية، أكد فريدمان الذي كان مستشاره لشؤون إسرائيل خلال حملته الانتخابية، لهآرتس: “أتوقع أنه يمكن أن يقوم بذلك”، مضيفًا: “أعتقد أن هناك أجزاء من الضفة الغربية ستبقى جزءًا من إسرائيل في أي اتفاق سلام، أنا متأكد أنه لن يكون لديه أي مشكلة مع ذلك”.
أما فيما يتعلق برؤيته لمشروعية بناء المزيد من المستوطنات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية، كتب فريدمان في صحيفة “جيروزاليم بوست” أن ترامب لن يطلب من إسرائيل أن تتوقف عن النمو، وبالتالي عن البناء في مستوطنات الضفة الغربية، مشيرًا أن الرئيس الأمريكي الجديد لا يعتبر بناء المستوطنات مسألة غير قانونية.
بينما يرى المجتمع الدولي أن جميع المستوطنات غير قانونية، سواء أقيمت بموافقة حكومة الاحتلال الإسرائيلية أم لا، فضلاً عن ضم مساحات من الضفة الغربية المحتلة، مما يجعل مسألة إقامة دولة فلسطينية أمر غاية في الصعوبة، وهو ما يقودنا للانتقال إلى المحور الثاني من محاور سياسة السفير الأمريكي الجديد ألا وهي مسألة حل الدولتين.
أعتقد أن هناك أجزاء من الضفة الغربية ستبقى جزءًا من إسرائيل في أي اتفاق سلام، أنا متأكد أنه لن يكون لدي ترامب أي مشكلة مع ذلك
تقويض فكرة حل الدولتين
لم يدعم فريدمان مسألة حل الدولتين بصورة كاملة، إذ يرى أن هذا الأمر يرجع في المقام الأول إلى رغبة الكيان الصهيوني، فإن أراد ذلك كان بها، وإلا فليس هناك إلزام عليه، وهو ما جسدته تصريحاته لصحيفة هآرتس اليسارية الإسرائيلية: “على الإسرائيليين أن يقرروا إن كانوا يرغبون أم لا بالتخلي عن أراضٍ لإقامة دولة فلسطينية، إن لم يرغب الإسرائيليون بذلك، فإنه (ترامب) لا يعتقد أن عليهم القيام بذلك، الخيار يعود لهم، إنه لا يعتقد بأن قيام دولة فلسطينية مستقلة هو واجب لزامًا على الأمريكيين”.
هذه التصريحات تعكس تطورًا خطيرًا في توجهات واشنطن حيال الشرق الأوسط، وخاصة عملية السلام العربي الإسرائيلي، إذ كان هذا المحور – حل الدولتين – هو العصب الأساسي لمفاوضات عملية السلام، وبهذا التغير الواضح في التوجهات فإن مستقبل السلام بين العرب والكيان الصهيوني سيدخل نفقًا مظلمًا.
على الإسرائيليين أن يقرروا إن كانوا يرغبون أم لا بالتخلي عن أراضٍ لإقامة دولة فلسطينية، إن لم يرغب الإسرائيليون بذلك، فإنه (ترامب) لا يعتقد أن عليهم القيام بذلك
تناغم تصريحات ترامب مع فريدمان يعكس قلقًا داخليًا وخارجيًا
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
لطالما عزف فريدمان على أوتار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، بدلاً من تل أبيب، بما يعني اعترافه الرسمي بأن القدس هي عاصمة الكيان الصهيوني المحتل، كما جاء في بيان نشره فريق ترامب عنه قائلاً: “أنوي العمل بلا كلل لتعزيز العلاقات الثابتة التي تربط بين بلدينا ودفع السلام قدمًا في المنطقة، وأنتظر بفارغ الصبر أن أفعل ذلك من السفارة الأمريكية في العاصمة الأبدية لإسرائيل، القدس”.
تأكيدات السفير الأمريكي الجديد بشأن نية واشنطن الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، يضع المجتمع الدولي وبعض التيارات المعتدلة داخل البيت الأبيض في حرج شديد، إذ إن هذه المسألة عصب الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة، والتفريط فيها لصالح الكيان المغتصب بلا شك ستعيد رسم خارطة الصراع في المنطقة بصورة لا يمكن توقع نتائجها.
أنوي العمل بلا كلل لتعزيز العلاقات الثابتة التي تربط بين بلدينا ودفع السلام قدمًا في المنطقة، وأنتظر بفارغ الصبر أن أفعل ذلك من السفارة الأمريكية في العاصمة الأبدية لإسرائيل، القدس
إجهاض دعوات السلام
يستند فريدمان أيضًا في توجهاته السياسية إلى مواجهة نشطاء السلام الداعمين للتقارب بين الفلسطينيين واليهود، والعمل على إحلال وتفعيل عملية السلام بين الجانبين، حيث وصفهم بأنهم “أسوأ من الكابوس”، والكابوس هم مأمورو المعتقلات النازية الذين كان يعينهم النازيون من بين معتقلي معسكرات الإبادة، في إشارة منه إلى نشطاء السلام في منظمة “جاي ستريت” اليسارية المؤيدة لإسرائيل والمتمركزة في الولايات المتحدة، والتي تدعم فكرة السلام مع الفلسطينيين.
المنظمة عارضت وبشدة تعيين فريدمان سفيرًا للولايات المتحدة في دولة الاحتلال مشيرة أنه متهور وداعم قوي للاستيطان مما يضع سمعة أمريكا على المحك إقليميًا ودوليًا، فضلاً عما سيسببه من أزمات بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط.
تعيين فريدمان تقويض لعملية السلام في الشرق الأوسط
نواب أمريكيون يحذرون
توجهات السفير الأمريكي الجديد لدى تل أبيب، والمتناغمة مع تصريحات الرئيس ترامب، تعكس تغيرًا واضحا في مواقف توجهات واشنطن تجاه المنطقة بشكل يبعث على القلق والترقب، وهو ما أشار إليه بعض النواب الأمريكيين، محذرين من خطورة فريدمان على العلاقات الأمريكية الخارجية في الفترة القادمة.
جيرولد نادلر عضو مجلس النواب الأمريكي، يهودي من نيويورك، في بيان له أشار إلى أن فريدمان يمثل تهديدًا لأمن الشرق الأوسط والعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ملفتًا أن المواقف المتطرفة المتشددة للسفير الجديد تضعه خارج التيار الرئيسي للسياسية الأمريكية والصهيونية، وقال إن تعينه ينسجم مع المواقف اليمينية المتطرفة للرئيس “ترامب” وقادة الحزب الجمهوري، إضافة إلى ما يمثله هذا التعيين من هجوم واضح على يهود أمريكا، وهو ما جسده هجومه على اليهود الليبراليين الداعمين لعملية السلام.
كثير من النواب يعارضون تعيين فريدمان، لا سيما أن سياسته ستمثل رحيلا تاما لنهج الولايات المتحدة في الصراع الدائر بالشرق الأوسط.
أما النائب جيري كونولي عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أشار إلى أن تعيين فريدمان يشكل “إهانة” لسياسات الولايات المتحدة بشأن المستوطنات وحل الدولتين، كما وصفه بأنه متعصب غير متسامح من الدرجة الأولى.
من جانبه أشار ديلان وليامز عضو جماعة “جاي ستريت” المتهمة بدعم عملية السلام مع الفلسطينيين، إلى أن كثيرًا من النواب يعارضون تعيين فريدمان، لا سيما أن سياسته ستمثل رحيلاً تامًا لنهج الولايات المتحدة في الصراع الدائر بالشرق الأوسط.
وأضاف أن هناك الكثير من الشواهد على هذا الرفض، منها صمت أعضاء الكونجرس تجاه هذا التعيين، على عكس المعتاد، ورتابة ردود أفعالهم قياسًا بالأسماء المعينة ضمن فريق عمل ترامب، ملفتًا أنه لو تم الكشف عن بعض المعلومات عن توجهات فريدمان وسياساته العنصرية ستزداد رقعة المعارضة له داخل المجلس بصورة مكثفة.
التوجهات المبدئية التي نقلتها تصريحات السفير الأمريكي الجديد لدى الكيان الصهيوني، لا شك أنها ستعيد ترتيب ملامح الصراع العربي الإسرائيلي، فضلاً عن خارطة التحالفات الأمريكية الشرق أوسطية، لكن يبقى السؤال: هل تقبل الجهات السيادية والبرلمانية والمخابراتية الأمريكية بهذا التغير المفاجئ في سياساتها الخارجية الذي قد يهدد مصالحها في الشرق الأوسط ومع المسلمين بصورة عامة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة.