قال رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بنبرة خافتة، أمس الأحد، في تعقيب منه على حادثة اغتيال المهندس محمد الزواري في صفاقس: “نحن نعمل على حماية أمن الوطن وسيادته،” وببيان هزيل، صادر بعد أربعة أيام من الحادثة، أكدت تونس تورط عناصر أجنبية في عملية الاغتيال، كما أعلنت التزامها بتتبع الجناة داخل أرض الوطن وخارجه.
صمت مريب من الجهات الرسمية التونسية والأحزاب السياسية، وأحاديث على استحياء من المنظمات والجمعيات تجاه اغتيال الشهيد محمد الزواري.
تواصل الصمت الرسمي يثير الشبهة في تونس
بعد أربعة أيام وفي ساعة متأخرة من مساء أمس الأحد، أصدرت رئاسة الحكومة التونسية بيانًا
جاء بعد ضغط شعبي ورد فيه أنّ “الدولة ملتزمة بتتبع الجناة الضالعين في عملية اغتيال المرحوم محمد الزواري داخل أرض الوطن وخارجه بكل الوسائل القانونية”، وأضاف “تتابع رئاسة الحكومة تقدم التحقيقات والأبحاث الخاصة بجريمة اغتيال المواطن التونسي المرحوم محمد الزواري والتي توصلت آخر الأبحاث إلى إثبات تورط عناصر أجنبية فيها”.
بعد اغتيال المهندس محمد الزواري، ظُهر الخميس، أمام مقر سكنه في منطقة العين بطريق منزل شاكر من معتمدية صفاقس الجنوبية، بعد أن أصابته 8 طلقات نارية مباشرة بجمجمته في أثناء جلوسه بسيارته أمام منزله، نعته كتائب الشهيد عز الدين القسّام الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان لها حيث قالت: “الشهيد الزواري هو أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية، والتي كان لها دورها الذي شهدته الأمة وأشاد به الأحرار في حرب العصف المأكول عام 2014”.
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي عمل مديرًا لمكتب تونس لدى الكيان الإسرائيلي في تل أبيب، بين 1996 و1998
وأضافت “كان القائد الطيار الزواري قد التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية وانضم لكتائب القسّام قبل 10 سنوات، وعمل في صفوفها أسوة بالكثيرين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية، الذين كانت فلسطين والقدس والأقصى بوصلتهم، وأبلوا في ساحات المقاومة والفعل ضد العدو الصهيوني بلاءً حسنًا، وجاهدوا في صفوف كتائب القسام دفاعًا عن فلسطين ونيابة عن الأمة بأسرها”.
وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي الذي عمل مديرًا لمكتب تونس لدى الكيان الإسرائيلي في تل أبيب بين 1996 و1998 لم يصدر بيان تنديد بانتهاك السيادة الوطنية، خاصة بعد أن أثبتت التحريات الأولية أن عناصر أجنبية ضالعة في اغتيال المهندس محمد الزواري، حسب رئاسة الحكومة.
قوات الأمن التونسية لا تسمح لأي قناة تلفزيونية محلية أو أجنبية بالتصوير أمام وزارة الداخلية
كذلك موقف مصالح الاتصال في رئاسة الحكومة المسؤولة عن منح تراخيص التصوير للإعلام الأجنبي، لم تحرك ساكنًا وبقيت صامتة أمام التقرير الذي بثته القناة الإسرائيلية العاشرة من أمام بيت المهندس الزواري في محافظة صفاقس.
حيث بثت القناة العبرية العاشرة، مساء أمس، تقريرًا مصورًا من أمام بيت المهندس محمد الزواري، وفيه ظهر صحفي القناة موآف وردي (Moav Vardi)، يحاكي عملية الاغتيال ويتحدّث بأريحية مع جيران الزواري، وتحدّث مباشرة مع استوديوهات القناة أمام وزارة الداخليّة في شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة تونس، في وضح النهار، يتحدّث بالعبريّة ويمسك بميكروفون عليه شعار القناة العاشرة الإسرائيلية، بعد أن مرّر صورًا لمطار تونس قرطاج.
وعادة، وهو المتعامل به في تونس، فإن قوات الأمن التونسية لا تسمح لأي قناة تلفزيونية محلية أو أجنبية بالتصوير أمام وزارة الداخلية، ولا تسمح لأي قناة بالتصوير في شارع الحبيب بورقيبة أو أي مكان في تونس إلا بعد استخراج ترخيص من رئاسة الحكومة وبالبطاقات المهنية للصحيفة.
النائبة في البرلمان التونسي عن التيار الديمقراطي، سامية عبو، قالت في كلمة لها خلال مشاركتها أمس في الوقفة الاحتجاجية، تنديدًا باغتيال المهندس محمد الزواري أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس، إن صمت الحكومة والبرلمان يمثل شبهة، واعتبرت الصمت التونسي الرسمي عار.
وأكّدت مصادر محلية تونسية لنون بوست، أن عملية دفن المهندس الزواري، تمت بسرعة، يوم الجمعة، في الوقت الذي كان من المفترض أن تبقى جثة الزواري، يومين، في قسم الطب الشرعي لتشريحها، وأرجعت المصادر، سبب ذلك إلى تعمد السلطات، دفن الزواري بسرعة، كي لا يشارك في تشييع الجنازة إلا عدد قليل، كما أكّدت مصادر خاصة لنون بوست تعرّض المنظومة التي تعمل بها كاميرا المراقبة الى الاختراق والتشويش عليها خلال حدوث عملية الاغتيال.
الأحزاب الحاكمة لم تعقب بعد باستثناء النهضة
الصمت المريب تجاه قضية اغتيال المهندس محمد الزواري لم يكن من مؤسسات الدولة والمتولين زمام الحكم فقط، فكان من الأحزاب والمنظمات والجمعيات أيضًا، إلا قلة منهم، واكتفت حركة النهضة الإسلامية، أحد مكونات الائتلاف الحاكم في تونس وأكبر قوة برلمانية في البلاد، في بيان لها عقب اجتماع لمكتبها التنفيذي، الخميس، بمطالبة السلطات الأمنية في تونس بالكشف عن منفذي اغتيال الزواري، ووصف زعيمها راشد الغنوشي، عملية اغتيال المهندس محمد الزواري بالعملية الإرهابية التي تقف وراءها “قوى شيطانية دولية”.
ودعت كتلة حركة النهضة في البرلمان، رئيس مجلس نواب الشعب ومكتب المجلس وكل الكتل والنواب إلى اتخاذ موقف صريح من هذا الاعتداء السافر الذي استهدف تونسيًا وانتهك سيادة البلاد وأمنها والتنسيق مع الهيئات البرلمانية الدولية والإقليمية ومع كل البرلمانات الشقيقة والصديقة لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الكيان الصهيوني المجرم، وطالبت الكتلة، مكتب المجلس تنظيم جلسة عامة في أقرب الأوقات للاستماع لممثلي الحكومة بخصوص الموضوع، فيما لم يصدر بعد بيان من حركة نداء تونس ولا آفاق تونس ولا حزب المسار والاتحاد العام التونسي للشغل.
إلى ذلك، طالبت عمادة المهندسين التونسيين، أمس، الحكومة التونسية برفع شكوى لمجلس الأمن، وقررت القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لكشف الجناة وتتبعهم قضائيًا، وأعلنت، يوم الخميس القادم، يوم غضب وانتصار “لشهيد الأمة” محمد الزوراي، وحمل الشارة السوداء في كامل أنحاء الجمهورية، وقررت تخصيص يوم 15 من ديسمبر من كل سنة الموافق لذكرى الاغتيال، يومًا وطنيًا للاحتفاء بالكفاءات العلمية وحمايتها.
فيما أصدر الاتحاد العام التونسي للطلبة (منظمة طلابية)، الذي نشط في صفوفه الزواري سنوات الجامعة، بيانًا ندّد فيه بعملية الاغتيال وطالب السلطات التونسية بكشف كامل الحقيقة عن هذه الجريمة النكراء ومتابعة من خطط لها ونفذها في الداخل والخارج، معتبرًا أن عملية الاغتيال استهداف للخبرات العلمية التونسية والعربية وسعي من أعداء الأمة لإجهاض كل محاولات الاستقلال العلمي والأكاديمي.
يطالب تونسيون، السلطات الحاكمة في بلادهم بضرورة تتبع الجناة وإدانة وعرض هذه الجريمة على كل المنظمات الدولية
من جهته استغرب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الموقف الرسمي المخزي للحكومة ورئاسة الجمهورية العاجزين عن تحمل مسؤوليتهما التاريخية في هذا الظرف الدقيق، ووجّه المنتدى، في بيان له، نداءً عاجلاً إلى مجلس نواب الشعب لدعوة رئيس الحكومة ومساءلته في جلسة علنية ومطالبته بكشف كل ملابسات هذه الجريمة وإلزامه باتخاذ القرارات الجريئة والواضحة صونًا لحرمة الوطن وانتصارًا لقضية الشعب الفلسطيني، معتبرًا الاغتيال تعديًا صارخًا على أمن تونس القومي وفصلاً آخر من فصول مخطط تصفية المقاومة الفلسطينية.
استنكار شعبي لصمت الحكومة
قابل هذا الصمت الرسمي المريب من مؤسسات الدولة التونسية والقائمين عليها، استنكارًا شعبيًا كبيرًا، وفي هذا السياق كتب شاب تونسي يدعى حمدي بن عربي تدوينة على تويتر، جاء فيها، “شهيد غصبًا عن الإعلام والدولة والحكومة التونسية ورئيس الجمهورية والبهلول رئيس الحكومة، المجد لشهدائنا، المجد لـ #محمد_الزواري”.
شهيد غصبا عن الإعلام والدولة والحكومة التونسية ورئيس الجمهورية والبهلول رئيس الحكومة.. المجد لشهداءنا، المجد لـ #محمد_الزواري pic.twitter.com/CqNvYoRrV0
— Hamdi Bel Abria (@bel_abria) December 18, 2016
فيما اعتبرت الجامعية والناشطة الحقوقية التونسية عايدة بن كريم، أن قضية اغتيال الشهيد محمد الزواري، أكبر من رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، وكتبت بن كريم، تدوينة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي، فيها، “لنكن موضوعيين وعقلانيين مستحيل يوسف الشاهد يكون فاهم حكاية الاغتيال والاختراق والبث المباشر.. حكاية أكبر من المهمة المناطة بعهدته هو لم يمارس السياسة قبل 2012 ولا علاقة له بالمواقف الكبيرة ولا بالوقائع الكبيرة”.
إلى جانب ذلك، قال الإعلامي التونسي كمال بن يونس، إن رؤساء الأحزاب والنقابات والكتل البرلمانية في البرلمان، مطالبون بدعوة رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والدفاع والمسؤولين عن قطاع الإعلام الرسمي لاستجوابهم في البرلمان في جلسة علنية عن جريمتين واضحتين: الأولى اختراق الموساد لسيادة تونس وحرمتها الترابية وارتكابها جريمة اغتيال المناضل محمد الزواري، الثانية: تسكع فريق تليفزيوني إسرائيلي في شوارع تونس وصفاقس والطريق السيارة والمطار.. أي الدولة التونسية؟
وكان نشطاء وسياسيون تونسيون، قد نددوا أمس خلال وقفة احتجاجية نفّذتها جمعيات مناصرة للقضية الفلسطينية ونشطاء المجتمع التونسي، أمام المسرح البلدي بالعاصمة تونس، باغتيال مهندس الطيران محمد الزواري، وطالبوا السلطات الحاكمة في بلادهم بضرورة تتبع الجناة وإدانة وعرض هذه الجريمة على كل المنظمات الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، احتجاجًا على الجريمة ورفضًا لاختراق السيادة الوطنية التونسية.
ما علاقة استقالة المدير العام للأمن الوطني التونسي باغتيال الزواري؟
من جهة أخرى، ورغم عدم ذكر المدير العام للأمن الوطني التونسي عبد الرحمن بلحاج سبب استقالته الفعلي من منصبه، قبل ساعات من حادثة اغتيال محمد الزواري، لم تستبعد مصادر سياسية أن يكون السبب المباشر للاستقالة عملية الاغتيال، وأشارت تقارير إعلامية محلية أن بلحاج استقال رفضًا لتدخلات من جهات سياسية داخل الجهاز الأمني، ولخلافات كبيرة مع وزير الداخلية الهادي مجدوب، وأعلنت وزارة الداخلية التونسية في بيان مقتضب أن “عبد الرحمن بلحاج علي المدير العام للأمن الوطني قدم استقالته لأسباب شخصية”.
وكان بلحاج مدير الأمن الرئاسي زمن الرئيس المخلوع بن علي، وتمت إزاحته بسب تحريض زوجة بن علي عليه، ونقله إلى موقع دبلوماسي في موريتانيا، واستعاده للخدمة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، وعرفت الفترة التي أمسك بها بلحاج زمام الإدارة العامة للأمن الوطني في تونس، نجاحات أمنية كبيرة، ولم يخف عديد التونسيين، خشيتهم من أن تكون الاستقالة مرتبطة بجريمة اغتيال مهندس الطيران محمد الزواري.
في سياق التحريات الأمنيّة المتواصلة للكشف عن ملابسات عملية الاغتيال، أعلنت “الداخلية التونسية”، في بيان لها “تمكّن الوحدات الأمنية، ليلة الجمعة، من الاحتفاظ بإحدى المواطنات التونسيات التي يُشتبه بضلوعها في جريمة القتل المذكورة، والتي كانت قد وصلت ليلة الجمعة، إلى مطار تونس قرطاج قادمة من إحدى الدول الأوروبية”، وأضاف البيان أن التحقيق لا يزال متواصلاً للكشف عن مزيد من تفاصيل وملابسات القضية، وكانت الداخلية التونسية قد أعلنت حجزها 4 سيارات استعملت في تنفيذ الجريمة، ومسدسين وكاتمي صوت استُخدما في العملية، بالإضافة إلى هواتف نقالة وعدد من الأشياء الأخرى ذات صلة بالجريمة.
تعامل الحكومة التونسية ورئاسة الجمهورية والبرلمان في وجهة نظر البعض لم يرتق بعد لعظم الحادثة، مما يؤكّد دون شك وجود تقصير وقصور من جانب النظام في تونس، ورغبة في التغطية على الحادثة، ويخشى التونسيون أن يكون مردّه وجود تواطؤ مع الجهات المنفذة لعملية الاغتيال.