كشف تقرير دولي جديد أن شركات غربية استفادت ومنذ وقت طويل من تقديمها الدعم لنظام الأسد، حيث أظهر تقرير جديد صادر عن منظمة غير حكومية مختصة بحماية الخصوصية تتخذ من بريطانيا مقراً لها، أن الشركات الغربية قامت ببيع برامج للمراقبة للنظام السوري، وأنظمة أخرى في المنطقة، وقامت ببناء “أنظمة لمراقبة الاتصالات داخل تلك البلدان” في السنوات التي سبقت الربيع العربي الذي انطلق في عام 2011.
التقرير الذي يهتم بحماية الخصوصية، يظهر كيف تمكنت شركات تكنولوجيا غربية، من بينها ألمانية، من تحقيق مكاسب من خلال مساعدتها نظام الأسد في بناء وسائل مراقبة جعلته يتحكم بكل الاتصالات داخل البلاد.
وفي تفاصيل التقرير، الصادر من المنظمة الدولية لحماية الخصوصية الدولية، كانت هناك شركات غربية مثل شركة “RCS SpA” الإيطالية، و”VASTech” الجنوب إفريقية، تقوم بدعم حكومة الأسد، بين عامي 2007 و2012.
التقرير الذي صدر بعنوان “الموسم المفتوح” يوضح كيف قامت شركة “التكنولوجيا الألمانية المتقدمة” (AGT)، وهي شركة مقرها في دبي مع مكتب مراسلة في برلين، ببيع معدات للنظام السوري. كما تم استخدام معدات أمريكية لنظام الرصد السوري في 2008 و2009، على الرغم من الرقابة على الصادرات التي فرضتها الولايات المتحدة التي تحظر في الواقع بيع معدات مراقبة لسوريا في ذلك الوقت.
وقد كشف نشطاء وصحفيون نشاط شركة “AGT” قبل صدور التقرير، دورية “Netzpolitik” الألمانية المتخصصة بقضايا الرقابة على الإنترنت والخصوصية، ذكرت في فبراير/ شباط عام 2015 بأن شركة AGT “قامت ببيع برمجيات اعتراض واسعة النطاق وأخرى سلبية”، إلا أن تلك البرمجيات الخاصة لم تعد تُعرض على الموقع الإلكتروني لشركة “AGT“، والرابط الإلكتروني الذي وضعته دورية “Netzpolitik” لمنتجات الشركة تلك لم يعد صالحاً. أما الشركة، وفي رد على التقارير، قالت إنها “لا تملك أي تكنولوجيا للمراقبة”، وإنها “خرجت من خدمات اعتراض الاتصالات” لبضع سنوات.
طوال الفترة التي سبقت الحرب، كثّف الأسد ملاحقته للمنشقين ومراقبة اتصالاتهم. الشركات الغربية ساعدت في إقامة تلك الأنظمة، التي بقيت تعمل إلى اليوم. ويُعتقد أن حكومة الأسد لا تزال تمتلك السيطرة على الإنترنت عالي السرعة الواصل إلى البلاد.
عهد ألمانيا السابق مع سوريا
ألمانيا كانت لها في السابق علاقات تجارية مع سوريا، فمنذ عام 2004 على الأقل، بدأ عملاق الهندسة الألماني سيمنز بتزويد نظام الأسد بنظام “إدارة لاعتراض الاتصالات”، والذي تم إنشاؤه بواسطة شركة ألمانية أخرى هي شركة “Ultimaco“، بحسب تقرير لموقع دويتشه فيله الألماني.
وتذكر منظمة الخصوصية الدولية في تقريرها أنه “في أغسطس/ آب من ذلك العام، تم بيع تقنيات وأنظمة مراقبة من شركة Ultimaco تعمل مع نظام سيمنز للاعتراض بقيمة 1.179 مليون يورو”. كما توضح المنظمة أن هذه التقنيات تسمح لنظام الأسد باعتراض المكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل الفاكس ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفورية وخدمات أخرى، وكانت جزءاً من الأجهزة الأمنية للحكومة السورية حتى عام 2009.
وقفات في العاصمة الألمانية برلين كانت تندد بالدعم الروسي لنظام الأسد
فرانك هيرمان، المتحدث باسم منظمة الخصوصية، أبدى أنه غير مندهش من الأسرار الجديدة التي كشفت، إذ قال لموقع دويتشه فيله: “الأمر غير مجهول تمامًا، ومن المرجح أن شركات المراقبة الغربية تقيم صفقات تجارية في الشرق الأوسط بأكمله”. ويضيف هيرمان أن من الصعوبة بمكان السيطرة على تصدير تكنولوجيا المراقبة، مقارنة بالسيطرة على تصدير الأسلحة.
عواصم غربية هددت بفرض عقوبات على من يساعد الأسد
في السابع من ديسمبر الجاري، دعت ست عواصم غربية هي واشنطن وباريس ولندن وبرلين وروما وأوتاوا إلى “وقف فوري لإطلاق النار” في حلب، وحثت إيران وروسيا على الضغط على النظام السوري للتوصل إلى ذلك، بحسب ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية.
وجاء في البيان آنذاك أن هذه الدول تعلن استعدادها “للبحث في تدابير عقابية إضافية ضد الأفراد والكيانات التي تعمل لصالح النظام السوري أو باسمه”.
فهل ستقوم الحكومات الست بمساءلة الشركات الغربية هذه، والتي استفادت ومنذ وقت طويل من تقديمها الدعم للحكومة السورية، وهل ستفتح التحقيقات حول كم الدعم الذي قدمته الشركات لنظام الأسد، والذي ساهم بكل تأكيد في الجريمة المستمرة منذ أكثر من 6 سنوات بحق الشعب السوري، والذي يعيش اليوم أكبر مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.
شريان الأسد السري
إلى ذلك، وقبل نحو عام كشف فيلم الوثائقي تحت اسم “شريان الأسد السري”، الذي بثته فضائية “الجزيرة” القطرية، عن تورط شركات أجنبية لها فروع إماراتية، في تزويد رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بالنفط والغاز والمشتقات النفطية التي يستخدمها في قتل الشعب السوري.
بشار الأسد ووزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد (أرشيفية)
ووفق الفيلم، فإن فرض العقوبات الغربية على “الأسد” في عامي 2011 و2012، أدت إلى انسحاب جميع الشركات الغربية لاسيما الأوروبية العاملة في مجال استخراج وتكرير وتصنيع النفط والغاز من سوريا، وهو ما جعل رئيس النظام السوري يتجه إلى مصادر أخرى باتفاقيات سرية، مثل شركات إماراتية، حيث تلقى الأسد في عام 2013 واردات ضخمة من النفط الخام العراقي عبر ميناء مصري، وهو ما كشفه تحقيق صحفي لوكالة “رويترز” نشر آنذاك.
ولفتت الوكالة آنذاك إلى أنه قبل إعداد هذا التحقيق كان المجتمع الدولي يعتقد أن النفط الإيراني هو فقط الذي يصل إلى النظام السوري عبر قناة السويس، ولكن وثائق للشحن والدفع، أظهرت أن ملايين البراميل من النفط الخام وصلت إلى نظام “الأسد” عبر شركات تجارية لبنانية ومصرية ولبنانية، على متن سفن إيرانية عبر ميناء البصرة العراقي، وسيدي كرير المصري بالبحر المتوسط.