ترجمة وتحرير نون بوست
إن المنافسة الحاليّة بين تركيا وإيران، ليست سوى تكرار للعبة سلطة قديمة: صراع الأسلاف وصراع الإمبراطوريات البيزنطية والفارسية بغية السيطرة على بلاد ما بين النهرين، أي العراق وسوريا اليوم، ومع أن الصراع ظل متواصلاً حتى حين تحولهما إلى دول، إلا أن الدولتين استطاعتا أن تحافظا على السلام فيما بينهما لما يقارب من 200 سنة.
مع ذلك، فمن الممكن اعتبار أن تركيا وإيران في مسار تصادمي، بسبب مشاركتهما كأكبر قوتين سنية وشيعية في الصراعات الطائفية في كل من العراق وسوريا، كما أن عدم قدرتهما على التعايش مع بعضهما البعض قد تكون سببًا في تقويض أو حتى انتهاء العلاقات التي تطورت على مدى العقدين الماضيين، التي أصبح خلالها اقتصاد الدولتين متداخلاً على نحو متزايد.
لتغيير مسار العملية وتجنب ما هو أسوأ، فإنه على تركيا وإيران تجاوز عدم الثقة بينهما والعمل على ما هو أهم من مجرد إدارة الاختلافات، مع مخاطر وقوع حوادث وسوء حسابات وسوء تواصل
كما أن كيفية اختيار البلدين لطريقة توزيع قدراتهما وما إذا كان يمكنهما التغلب على خلافاتهما، لها أهمية بالغة في تحديد مستقبل الشرق الأوسط، هذا إضافة إلى أن الديناميكيات الحاليّة تشير إلى مزيد من سفك الدماء وغياب الاستقرار، والخطر الأكبر هو حدوث مواجهة عسكرية مباشرة، حتى وإن لم تكن متعمدة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق هو جزء من ردة الفعل التركية على توسع النفوذ الإيراني، خصوصًا في حلب والموصل وما حولهما من مناطق قريبة من حدودها الجنوبية.
كما أن هذا التدخل هو محاولة لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المرتبط بحزب العمال الكردستاني، من السيطرة على مزيد من الأراضي، وبفضل هذا التدخل تقدمت المعارضة السورية المدعومة من قبل الجيش التركي جنوبًا، وتمكنت من طرد تنظيم الدولة من مدن جرابلس والراعي ودابق على الحدود التركية، بين شهري آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر.
أما الآن فتتمركز المعارضة السورية قرب مدينة الباب، وتستعد للمواجهة، وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة يسيطر على المدينة، فإنها مطمع أطراف أخرى نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، أبرزهم حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من قبل الولايات المتحدة من الجهة الشرقية، وجيش النظام السوري والمليشيات الإيرانية الداعمة له من الجنوب، وقد زعم عدد من المسؤولين أن طائرة إيرانية دون طيار تسببت في مقتل أربعة جنود أتراك في 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
تتهم إيران تركيا بعدم التصدي للمتشددين القادمين إلى سوريا عبر أراضيها، وتمنحهم دعمًا ماليًا ولوجستيًا
في الحقيقة، فإن الاحتكاك بين البلدين يتصاعد بشكل خطير في وقت وصلت فيه الثقة بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها، وتفسر طهران سياسة تركيا الجديدة في سوريا بأنها نتيجة لطموح “العثمانيين الجدد” لاستعادة الهيمنة، وتعزيز مكانة السنة الموالين لتركيا في الأراضي التي حكمها أسلافهم.
وتحدث مسؤول في الأمن القومي الإيراني، عن أن “توجه الحكومة التركية ليس هو سبب التغيير في سوريا، أو أن لعلاقة إيران معها دخل في ذلك، بل ما تغير هو الطموحات التركية”.
علاوة على ذلك، تتهم إيران تركيا بعدم التصدي للمتشددين القادمين إلى سوريا عبر أراضيها، وتمنحهم دعمًا ماليًا ولوجستيًا، وفي السياق نفسه، يؤكد المسؤولون في أنقرة أن إيران تسعى لإعادة إحياء النسخة الشيعية من الإمبراطورية الفارسية القديمة، ففي آذار/ مارس 2015، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إيران بقتال تنظيم الدولة في العراق فقط لتحل محله.
وتقول تركيا أيضًا إن نشر إيران للمليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان لغاية حماية الأقلية الطائفية العلوية على حساب الأكثرية السنية، تسبب في زيادة التوترات الطائفية، ومنح المتطرفين السنة أداة تجنيد محتملة.
وفي إطار تبادل الاتهامات، تندد كل من الدولتين برفض الأخرى للاعتراف بمنظورها الواقعي، وتجاهل حقيقة أن كلاً من الدولتين اعتمدت طريقة أخطأت من خلالها في حق الأخرى، بما في ذلك نشر قوات عسكرية وراء الحدود، ودعم المليشيات الساعية للسيطرة على حطام ما سينتج من الفوضى في سوريا والعراق.
وقد حاولت كلا الدولتين البناء وفقًا لمصالح مشتركة، بما في ذلك إلحاق الهزيمة أو على الأقل تهميش تنظيم الدولة، والتصدي لصعود الأكراد السوريين الذين يطالبون بحكم ذاتي، لكن الشكوك العميقة بشأن طموحات الطرف الآخر للاستفادة من الفوضى، كانت دائمًا هي العائق.
ولتغيير مسار العملية وتجنب ما هو أسوأ، فإنه على تركيا وإيران تجاوز عدم الثقة بينهما والعمل على ما هو أهم من مجرد إدارة الاختلافات، مع مخاطر وقوع حوادث وسوء حسابات وسوء تواصل، والاعتراف صراحة أيضًا بالمصالح الجوهرية والمخاوف الأمنية، بحسب ما اقترح محلل الشؤون الإيرانية.
وتحقيقًا لهذه الغاية، فإنه على البلدين تأسيس قناة مفاوضات دائمة فيما يتعلق بالعراق وسوريا، إذ كان نسق اللقاءات إشكاليًا، كما أن اجتماعات دورية ذات مستوى عالٍ تستمر ليوم أو يومين، يليها فراغ دبلوماسي كبير أو مملوء بحروب بالوكالة، وعلى الرئيس التركي أردوغان والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي تعيين ممثلين شخصيين مع السلطة، لإدارة القنوات الدبلوماسية.
إن التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق هو جزء من ردة الفعل التركية على توسع النفوذ الإيراني، خصوصًا في حلب والموصل وما حولهما من مناطق قريبة من حدودها الجنوبية
كما أنه على الحكومتين أيضًا إيجاد طرق للتعاون ولتبادل الثقة، مثل مشاركة المعلومات الاستخباراتية للتصدي للأعداء المشتركين وتجنب الاشتباكات العرضية، وتنسيق الخطوات التي قد تقلل التوترات في مجالات التقاطع والصدام.
وكخطوة أولى، يجب التعاون في شمال العراق، حيث يمكن لإيران كبح جماح الميليشيات الشيعية المنتشرة في محافظة نينوى العراقية، مقابل موافقة تركيا على سحب دباباتها وغيرها من الأسلحة الثقيلة من المنطقة.
كما يجب على الولايات المتحدة، والتي لها علاقات عسكرية قوية مع تركيا، وروسيا التي لها علاقات عسكرية قوية مع إيران، أن تدعم مثل هذه الخطوات، بغض النظر عن خلافاتهما، ومن بين كل الدول المشاركة في حروب الوكالة بسوريا والعراق، لا توجد دولتان أنسب للبحث عن تعايش مشترك أكثر من تركيا وإيران.
وكدولتين ناضجتين لهما تاريخ طويل من العلاقات السلمية، لا يجب أن تسمح كل منهما لنفسها بالدخول في نفق مستقبل غير واضح، ولا يمكنهما المساهمة في تحقيق منطقة آمنة ومستقرة إلا من خلال إيجاد أرضية مشتركة، أو سيكون البديل مزيدًا من الفوضى والمعاناة.
المصدر: نيويورك تايمز