تحدث تقرير خاص أعده مركز ميدل إيست مونيتور (ميمو) أعده اليستر سلون الصحفي والناشط الإجتماعي البريطاني، عن ما أسماه نفاق بريطانيا في علاقاتها الخارجية خاصة في علاقاتها مع مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أشار إلى أن طريقة تعامل بريطانيا تتناقض مع معالم السياسة الخارجية الأخلاقية التي تحدث عنها وزير الخارجية ويليام هيغ الذي قال عندما تولى منصبه عام 2010: “سياستنا الخارجية يجب أن تكون متناسقة في دعمها لحقوق الإنسان التي تظل جوهرها”.
ويرصد التقرير دور الخارجية البريطانية والجيش وقصر باكنغهام والمتحف البريطاني في تعزيز العلاقات مع دول الخليج، ودعم هذه المؤسسات البريطاينة لما تقوم به حكومتي كل من الإمارات والبحرين من “حملات دعائية خرقاء” لتنظيف صورتهما في الوقت الذي تواصلان فيه قمع المعارضين بوحشية وبشكل واضح في شوارع البحرين وفي سجون الإمارات.
وفي خصوص “تجاهل بريطانيا للمطالبين بالإصلاح في البحرين”، ينقل الكاتب ما وصلت إليه الدراسة التي قدمها السفير الأمريكي السابق في البحرين (2001-2004)، والتي تشير إلى أن الأجهزة الأمنية كانت مدركة منذ عام 2008 لتزايد الاحتقان الشعبي لدى السنة والشيعة، وأن التغطية الإعلامية الغربية وخاصة البريطانية تجاهلت وجود التمثيل السني في احتجاجات التي عاشتها البحرين.
ودون أن يقلل من حجم التمثيل الشيعي في المظاهرات الاحتجاجية التي عاشتها البحرين، يشير الكاتب إلى أرقام تفيد بأن 120 ألف سني شاركوا في أول مظاهرة احتجاجية ضد الحكومة البحرينية كما شارك حوالي 400 ألف سني في مظاهرة أخرى، مؤكدا أن التغطية الإعلامية بالإضافة إلى الخطة الأمنية أدت إلى حدوث انقسامات طائفية بين المحتجين الذين جمعت بينهم مطالب الإصلاح.
ويشير الكاتب إلى أن رئيس اللجنة المختارة للشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني ريتشارد أوتاوي تحجج بـ”تحقق بعض التقدم في الإصلاحات التي لن تحدث في ليلة وضحاها”، حتى يرفض ويعارض فكرة التوقف عن بيع السلاح للإمارات والبحرين، بالرغم من منظومة القوانين البريطانية التي تعتبر الأكثر تشددا في العالم في ما يتعلق بتصدير السلاح.
وفي الوقت ذاته، تشير تقارير رسمية إلى أن السلطات البحرينية استخدمت غاز سي أس المصنع بعضه في بريطانيا، وتشير تقارير أخرى إلى إصابات بالعمى والتشوّه، بسبب استخدام السلطات البحرينية لهذه القنابل داخل القرى عوضا من استخدامها لتفريق المتظاهرين في الأماكن المفتوحة، بالإضافة إلى توثيق حالات تعذيب للمعارضين وأحكام غير عادلة بالسجن تجاه المعارضين والمطالبين بالإصلاح.
وبينما يتخذ من التقرير الذي أعدته اللجنة المستقلة للتحقيق في أحداث آذار/ مارس 2011 في البحرين، ومن تقبل حكومة البحرين لنتائج هذا التحقيق، ذريعة للإبقاء على تجارة الأسلحة القائمة بين بريطانيا والبحرين، يشير ناشطون إلى أن 17 توصية تضمنها التحقيق لم تطبق أو تم خرقها، كما ترى منظمة أمنستي أن ترحيل محامين بريطانيين سافروا إلى المنامة لمراقبة محاكمات بعض المتهمين، يعتبر مؤشرا على الطريقة التي تريد حكومة البحرين من خلالها تطبيق الإصلاح.
وأما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فيقول اليستر سلون أن “الإنتهاكات التي تقوم بها العائلة الحاكمة أقل وضوحا، لكنها ليست أقل شرا”، مشيرا إلى أن التعذيب يحصل بشكل روتيني في السجون الإماراتية، كما يشير روري دوناغي، مدير مركز الإمارات لحقوق الإنسان في لندن إلى أن “السلطات الإماراتية تفضل الإستعانة بغير المسلمين للعمل في الأمن، وتستعين بمرتزقة كولومبيين لمساعدتهم في الأمن الداخلي”.
وذكر التقرير الذي نشرته “ميمو”، إلى أن 94 إصلاحيا، ينتمي أكثرهم لجمعية الإصلاح الإماراتية، حوكموا وتعرضوا للتعذيب، بالإضافة إلى وجود “أكثر من 100 سجين سياسي” في دولة لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، مما يجعل الإمارات الأعلى نسبة في المنطقة بقياس عدد السجناء السياسيين نسبة إلى عدد السكان.
وقدم التقرير شهادة الناشط الإماراتي أحمد منصور، الذي سجن 3 أشهر تعرض خلالها للتعذيب، بالإضافة إلى شهادة عن تعذيب ثلاثة سياح بريطانيين في دبي في عام 2012 باستخدام عصي كهربائية في مناطق حساسة. كما أن تحقيقا أجرته مؤسسة ربريف التي تدافع عن السجناء البريطانيين في الخارج بالاشتراك مع مركز الإمارات لحقوق الإنسان انتهى إلى أن ثلاثة أرباع السجناء في سجن دبي المركزي تعرضوا للتعذيب.
ورغم أن أن رئيس الحكومة البريطانية، دايفيد كاميرون، طرح الموضوع مع المسؤولين في دبي، فإن السلطات هناك لم تقم بتحقيق مناسب، وهو ما اعتبره دونالد كامبل من مؤسسة “ربريف” أمرا “مخزيا”.
وتطرق التقرير كذلك إلى موضوع العمالة الأجنبية في الإمارات والبحرين وإلى تعرض العمال من سريلانكا وبنغلاديش والفلبين والهند لمعاملة سيئة، حيث يتعرض العمال للاستغلال من الشركات التي تجد لهم الوظائف وأثناء العمل يعيشون في ظروف بائسة تصادر فيها جوازاتهم، وينامون بأعداد كبيرة في غرف ضيقة داخل معسكرات تقام خصيصا لاستيعابهم.
كل هذه التجاوزات تحدث في الإمارات والبحرين في وقت يشارك فيه المتحف البريطاني بعشرات ملايين الدولارات في مشروع مربح في جزيرة السعديات، لبناء فروع لمتاحف اللوفر وغاغينهام، وأماكن ترفيه وفنادق خمسة نجوم، وكذلك في مشروع آخر لتطوير متحف الشيخ زايد الذي سيحتوي على مقتنيات تاريخية أعارها المتحف البريطاني للحكومة في أبو ظبي بأسعار عالية، في ظل تواصل الكشف بصفة مستمرة عن أوضاع بائسة للعاملين في هذه المشاري.
ونقل “ميدل إيست مونيتور” أن المتحف أمر موظفيه بعدم الحديث للإعلام، وأن المتحف البريطاني يغض الطرف عن أوضاع العاملين في المشروع.
ويقدم التقرير شرحا للعلاقات البريطانية الخليجية، ذات الطابع التجاري، حيث يعيش في الإمارات أكثر من 100 ألف بريطاني، كما تتمركز في دبي وحدة استطلاع جوي تابعة لسلاح الجو البريطاني، في حين زادت نسبة الصادرات البريطانية إلى البحرين بنسبة 25 بالمائة خلال سنة 2012.
وفي الفترة ما بين 2010- 2013 أصدرت الحكومة البريطانية 118 رخصة تصدير أسلحة للإمارات تصل قيمتها إلى 21 مليون جنيه استرليني، نقل بعضها باتجاه مصر كي يستخدم في القمع هناك، بالإضافة إلى تقارير تقول بأن المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق قام بشحن أسلحة بريطانية من دبي إلى مصر.
وفي إطار جهود الإمارات لتحسين صورتها لدى الغربي، تقوم المملكة بصفة مستمرة بالتبرع للمؤسسات الجامعية، قدر آخرها ب2.5 مليون جنيه استرليني لفائدة مدرسة لندن للإقتصاد، والتي قامت في المقابل بإطلاق اسم الشيخ زايد على إحدى قاعات المحاضرات، كما قام الجيش البريطاني بإطلاق اسم ملك البحرين على إحدى قاعات كلية ساندهيرست.
وينهي الكاتب تقريره بالقول: من الواضح أن حقوق الإنسان ليست جوهر السياسة الخارجية البريطانية، وبدعمها لدولتين ديكتاتوريتين في المنطقة، فقد فضلت بريطانيا مصالحها التجارية على الأخلاق.