“في ثانية واحدة تراجع من 18.15 جنيه إلى 18.75 جنيه دفعة واحدة” كان هذا ملخص ما حدث لسعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في البنوك الحكومية بمصر أول أمس، فقد تراجعت العملة المصرية بشكل حاد، وقادت ثواني أخرى السعر إلى نحو 19.5 جنيه، بعد يوم ماراثوني من الهبوط السريع في البنوك، وسط الطلب على العملة الصعبة المتزايد من المستوردين والشركات الأجنبية والمواطنين كذلك.
بنكا الأهلي ومصر – أكبر بنكين في البلاد – يقومان بمهمة البنك المركزي في صناعة السوق
بنكا الأهلي ومصر – أكبر بنكين في البلاد – يقومان بمهمة البنك المركزي في صناعة السوق، وذلك من خلال خفض ورفع السعر، رفعا السعر بشكل مفاجئ أول أمس، وهو ما أدى إلى قفزات قوية وسريعة في سعر الدولار، كان مبررها بحسب ما قال مصرفي بقطاع الخزانة في أحد البنوك الخاصة لوكالة أنباء “رويترز” إن هناك طلبات للشراء بأي سعر وخاصة في البنوك التي لديها عملاء أجانب لتحويل أرباحهم للخارج قبل موسم العطلات ولذا كانت القفزة الكبيرة في السعر الآن.
وتيرة الصعود التي لم تتوقف خلال الـ47 يومًا منذ التعويم سوى ساعات قليلة، صنعت لدى الجميع حالة من اليقين أن منحنى سعر الدولار لن يتوقف عن الصعود، الأمر الذي دفع حائزي العملة الخضراء للاحتفاظ بها للحصول على مكاسب أكثر، وزاد الطلب أيضًا على الدولار بسبب القلق الذي بات يسطر على الجميع بشأن تدهور الجنيه أكثر وارتفاع أسعار السلع والخدمات المتفاقم بعد أن تجاوز التضخم مستوى الـ20% مسجلاً أعلى مستوى في 8 سنوات، بحسب بيانات البنك المركزي.
البعض يرى أن التقلبات الشديدة التي تحدث في الأسعار أمر طبيعي، فنظام الصرف الحاليّ حر، وآخرون يرون أن ما يحدث هو سباق بين البنوك لرفع السعر لجذب العملة وتوفير احتياجات العملاء، وبين هذا وذاك كنا قد ذكرنا في مقال سابق بعنوان “الصعود الإجباري لسعر الدولار في مصر” أن هناك أربعة أسباب لارتفاع الدولار وهذه الأسباب ما زالت موجودة، لذلك لا عجب من استمرار الصعود:
أولاً: البنوك تبيع كل ما تحصل عليه من الدولار أولاً بأول بحسب التصريحات الرسمية، وفي ظل السعر المنخفض لن تستطيع البنوك تحصيل مزيد من العملة الصعبة لذلك هي مضطرة لرفع السعر، وذلك لتحفز من يملكون الدولار على البيع.
ثانيًا: أقل التقديرات ذكرت أن السوق السوداء للدولار تبلغ نحو 40 مليار دولار، وتقديرات أخرى أكدت أن السوق السوداء بها نحو 70 : 80 مليار دولار، والبنوك لم تجمع منذ التعويم 10% من هذه الأرقام مما يعني أن السعر الحاليّ حتى الآن غير مغرٍ للسوق السوداء، لأنها تنتظر أكثر.
ثالثًا: الحِمل الواقع على كاهل البنوك من تمويل استيراد السلع الأساسية وغير الأساسية، بالإضافة إلى تحويلات الشركات الأجنبية، تعجز البنوك عن تلبيته في ظل الموارد الحالية الهزيلة، مما يرجح كفة الطلب على العرض فيرتفع السعر أكثر.
رابعًا: عودة السوق السوداء للمشهد يعد أيضا أبرز الأسباب التي ستدفع البنوك لرفع السعر في محاولة للتغلب على السوق السوداء التي لا زالت حتى الآن أقوى من السوق الرسمي، حيث أن المتعاملين باتوا يدركون أن قرض النقد الدولي وغيرة من القروض التي تزحف إلى مصر في الآونة الأخيرة لن يتم ضخها في السوق حيث أنها ستتجه لعلاج اختلالات أخرى أبرزها الديون مستحقة السداد، لذلك لا يعتبر لها تأثير يذكر، لأنها لن تدخل السوق لن تغير في العرض والطلب.
إذا ما هو الحل؟
بعيدًا عن أن الحكومة لم تستخدم أي حل لتجاوز الأزمة سوى مزيد من القروض، لكن على ما يبدو فإن البنوك هي الأخرى ستلجأ لنفس الحل لتلبية احتياجات العملاء، فقد أعلن بنك مصر عن إنه وقع مذكرة تفاهم مع البنك الصناعي والتجاري الصيني لاقتراض 500 مليون دولار، وأرجع البنك، في بيان نشر عبر صفحته على فيسبوك، توقيع الاتفاق إلى أنه يستهدف “دعم السيولة الدولارية لتلبية احتياجات العملاء وذلك لتمويل مشروعات مشتركة بين الجانبين الصيني والمصري”.
حل الاقتراض رغم إنه سريع المفعول إلا أن نتائجه كارثية في كل الأحوال كما أن نتائجه لا تسمر سواء أيام، حيث أن احتياجات البلاد من النقد الأجنبي متجددة مقابل موارد تواصل التراجع، وهو الأمر الذي يُفاقم الأزمة.
وبالتالي فلا سبيل لتوقف البنوك عن رفع سعر الدولار إلا بوجود حالة من التوازن بين العرض والطلب، وهذا الأمر لن يحدث إلا من خلال عودة مصادر الدولار للانتعاش وعلى رأس هذه المصادر “السياحة – الصادرات – قناة السويس – التحويلات – الاستثمارات الأجنبية”، وأي حل بخلاف ذلك لن يكون له أي قيمة تذكر.