ترجمة وتحرير نون بوست
“هنقول نعم ونقول نعمين، دستورنا حلو وفلة وزين” تغني واحدة من الراقصات الأكثر شهرة في مصر وهي تتمايل بإغراء على شاشة التليفزيون مرتدية علم مصر كفستان ضيق، حيث تحدد سما المصري في أغنيتها عددا من أهم النقاط في الدستور الجديد الذي صوت عليه المصريون في استفتاء يوم الثلاثاء ١٤ يناير.
في حالة أن المشاهد ركز على الراقصة ولم يسمع ما كانت تقوله بخصوص مميزات الدستور الجديد، فلن يخسر شيئا على الإطلاق، لأنه سيعرف ذلك لاحقا عبر إعلانات دعائية للتصويت بنعم تُبث على الشاشات كل خمس عشرة دقيقة يظهر فيها أحد المشاهير يدعو المصريين للتصويت بنعم. هذا فقط مجرد مثال على كيفية اتحاد العسكر في مصر مع رجال الأعمال ووسائل الإعلام والنخبة الداعمة للجيش في حملة لحشد التأييد للنظام العسكري الجديد في القاهرة.
جنرالات مصر أوقفوا العمل بالدستور السابق الذي وافق عليه المصريون أثناء فترة رئاسة محمد مرسي قبل أن يطيح به انقلاب عسكري دموي خلف آلاف القتلى والمعتقلين.
الحكومة المدعومة عسكريا قالت أن التصويت بنعم يعني الموافقة على خارطة الطريق التي قدمها السيسي في الانقلاب العسكري، في حين قال السيسي نفسه مطلع الأسبوع أنه سيرشح نفسه للرئاسة إذا كان هناك مطلب شعبي، فلم يترك شيئا للصدفة، ورتّب كل شيء. وهذا هو دور إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة المصرية.
إدارة الشؤون المعنوية هي المسؤولة عن تحسين الصورة العامة للجيش لدى المصريين وتخوض حربا بلا هوادة عبر الأثير لإقناع المصريين للتصويت بنعم. وعبر سلسلة من الفيديوهات القصيرة التي يشارك فيها أحيانا أطفال ملائكيون أو شباب أو فتيات في أغنية حماسية يقولون فيها “انزل وشارك يلا كمل ثورتك” في إشارة لتظاهرات ٣٠ يونيو التي سبقت الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تموز الماضي.
الأغنية من تأليف الملحن عمرو مصطفى، الذي اشتهر بادعاءه أن ثورة يناير ضد مبارك كانت صنيعة “الفوتوشوب” واتهم شركات بيبسي وفودافون وكوكاكولا بالتحريض على التظاهرات!
استخدام الأطفال لتوصيل رسالة الشؤون المعنوية للناس أمر معتاد. فهناك فيديو آخر يصور عددا من الشباب يرتدون الزي العسكري ويسيرون في موكب حول الأهرام والنصب التذكاري للجندي المجهول ويغنون “مصر تحتاج كل الأيادي متوحدة، مثل الحديد”.
ورغم بعض التحسينات الشكلية التي رحبت بها بعض المنظمات الحقوقية خاصة المتعلقة بحقوق المرأة، فإنه لو كان هناك فصيل واحد سيستفيد من الدستور فهو الجيش بلا شك.
فالتصويت بنعم على الدستور يعني أن الجيش سيقنن صلاحياته وامتيازاته. المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيعين وزير الدفاع القادم الذي سيستمر لفترتين كاملتين ولا يحق للرئيس عزله. المحاكمات العسكرية للمدنيين مقننة كما كانت، وميزانية الجيش ستبقى سرية.
عندما جاء مرسي والإخوان المسلمون إلى السلطة، كثفت الشؤون المعنوية من إنتاج المواد المؤيدة للعسكر، وكان هدفها هو تحسين صورة الجيش بعد سنة انتقالية صعبة انهارت فيها صورة الجيش. كان أحد الفيديوهات الأولى التي عرضتها القوات المسلحة فيديو مدته ثلاثين دقيقة يصور عبدالفتاح السيسي كوزير دفاع مخلص للغاية، الأمر الذي قاد في النهاية إلى أن يكون هناك وزير دفاع صورته على الشوكولاته واسمه على المجوهرات وملابس النساء الداخلية!
إدارة الشؤون المعنوية هي واحدة من أهم الإدارات في الجيش المصري، وترتبط ارتباطا وثيقا بالمخابرات الحربية، وبينما تتمتع بمميزاتها المتزايدة من الجيش، تستفيد أيضا من دعم رجال أعمال مصريين حيث دفعتهم مصالحهم السياسية والمالية للانضمام إلى حملات القوات المسلحة ودعمها بالكثير من الأموال.
نجيب ساويرس الذي أغرق الحملة بملايين الدولارات، وهو الذي نمت ثروته في السبعينات بسبب العقود العسكرية، اعترف العام الماضي بدعم حملة تمرد التي نظمت تظاهرات المطالبة بعزل مرسي.
هناك بالطبع مجال للرأي الآخر في قسم الشؤون المعنوية، يتضح ذلك بجلاء في أغنية سما المصري ذاتها التي تقول فيها “لمن سيقول لا: اخرج خارج بلادنا”!!
من مقال الصحفية بل ترو – مجلة فورين بوليسي