إن كلمة دعم لسفاكي الدماء ومزهقي الأرواح لن تضر السوريين شيئًا ولن تزيد أهل حلب موتى ولن تحيي من نظام بشار ركنًا وهو الأداة بين يدي القيصر الروسي والشاه الإيراني، ولكن عبارات الدعم والتشجيع ستقتل ضمائر من تفرجوا ودعموا آلة الحرب التي حصدت أنفسًا وأزهقت أرواحًا ودمرت بيوتًا وشردت بشرًا وانتهكت كل المواثيق والأعراف الدولية.
حتمًا ستكون هذه الحرب لعنة على كل من باركها واستبشر بحصادها الفاضح، ستكون لعنة على من شنوها بقدر ما سفكت فيها من دماء وبقدر ما أزهقت فيها من أنفس وبقدر ما انتهكت فيها من أعراض وبقدر ما استبيح في الإنسان من كرامة، إنني أقول لهؤلاء أنكم تخسرون معركة أخلاقية عنوانها كرامة الإنسان، مطلق الإنسان أيًا كان دينه أو عرقه أو طائفته.
إن من يدعم بشار تحت لواء روسي قيصري أو تحت لواء إيراني شيعي فهو يدعم ألوية مهزومة في معركة الأخلاق الآن، ومهزومة بعد حين في معركة تحرير الأرض والإنسان.
ما وقع في حلب وفي كثير من أوطاننا المكلومة لم يكن كارثة طبيعية ولا هو نتيجة حرب متكافئة بين دفتين أو متخاصمين بل كانت حربًا عرجاء على مجموعة من البشر يقطنون أحد مدن سوريا ويطالبون كما طالبت الشعوب من حولهم بحقهم الطبيعي في الحرية، هم كانوا على يقين أن ضريبة الحرية الدم والألم، ولكن أي ألم هذا؟
لم تكن حلب وحدها من تعرضت لغطرسة النظام الأسدي الفاشي في مسيرة الثورة السورية ولكن حجم الهمجية في حلب زاد عن اللزوم واستفحلت رائحة الموت ولم يعد هناك قانون يحمي الإنسان – مطلق الإنسان – أو يردع المجرمين عن فعلتهم.
لكنْ من باب الوفاء للآلام، ومن باب احترام خيارات من أقدموا عليها طائعين مختارين مدركين لمآلاتها، يصبح البحث عن معنى للألم واجبًا أخلاقيًا، يصح هذا حتى ولو كان الفقد عشوائيًا واعتباطيًا، مثل موت في حادث سير أو في كارثة طبيعية، فكيف لا يصح إن كان بخصوص ثورة تاريخية لم يتوقع أحدٌ أن تقوم بعد إجرام النظام عبر تاريخه، والسطوة الأسطورية لأجهزة أمنه؟ وكيف لا يصح هذا بشأن ثورة لم يتوقع أحدٌ أن تستمر بعد قمع النظام الشديد، ومجازره الرهيبة، واستخدام السلاح الكيمياوي، ودخول حلفائه ساحة المعركة من الدول الكبرى إلى قطعان الشيعة المدججين بأيديولوجيا قتل تصل إلى مستوى الغريزة الحيوانية في رسوخها وغياب أي عقلٍ يردعها؟
وحديثنا عن معنى الألم في هذا المقام ينطوي على اعترافٍ لا بد منه لهؤلاء المكلومين بأنهم ليسوا أقل من غيرهم، وبأن هذه الأمة ليست أقل من غيرها في استعدادها، طوعًا واختيارًا أو تصبرًا واضطرارًا، لتحمل قدرٍ هائلٍ من الألم لتكتمل إنسانيتها التي انتقصتها نظم الظلم والتبعية أيما انتقاص.
لن تكون حلب هي المدينة الأخيرة التي ذاقت آلام الحرب والدمار كما لم تكن الأولى أيضًا وكلفة الدم العالية التي دفعتها حلب وغيرها من المدن السورية واليمنية، هذا كله ينطوي على انتقاص مريع من إنسانيتنا كأمة موحدة وكشعوب لها الحق في العيش الكريم ومن استحقاقنا لمآلات إرادتنا ومصير خياراتنا.