إطلاق مفاوضات جديدة للتوصل لاتفاق بين النظام السوري والمعارضة حصيلة ما خرج به اجتماع الدول الثلاثة روسيا وتركيا وإيران في اجتماع وزراء خارجيتها (لافروف وأوغلو وظريف) بعيدًا عن مسار جنيف الذي وصل لطريق مسدود كما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، وفشل الولايات المتحدة ومجموعة الدعم الدولية لسوريا في إيجاد حل للأزمة مع تأكيد لافروف على دور الأمم المتحدة في آلية الحل هناك.
خارطة طريق جديدة في سوريا
ذكر بوتين في تصريحات سابقة له أن المرحلة القادمة في سوريا سيكون العمل فيها من أجل وقف شامل لإطلاق النار وإطلاق مفاوضات جديدة، ويبدو أن هذه المرحلة بدأت تظهر ملامحها بعد اجتماع موسكو في الأمس والتي سيُبنى عليه الاجتماع الرئاسي المقبل في 27 من الشهر الحاليّ بين الدول الثلاثة المعنية روسيا وإيران وتركيا.
إذ أعلنت موسكو عن طرحها لخارطة طريق لإعادة إحياء المباحثات السياسية في سوريا بين المعارضة والنظام بعد إعلان وقف إطلاق نار شامل في البلاد بحيث تكون كل من أنقرة وطهران وموسكو راعية لهذا الاتفاق وأطرافًا ضامنة لتنفيذه.
وحسب بيان موسكو اتفقت الدول الثلاثة على تأكيد احترام سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية كدولة ديمقراطية علمانية متعددة الأعراق والأديان ولا وجود لحل عسكري للأزمة في سوريا، ودعا البيان إلى مواصلة الجهود المشتركة في شرق حلب من أجل الإجلاء الطوعي للسكان المدنيين والخروج المنظم للمعارضة المسلحة وضرورة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق وتمكين المدنيين من التنقل بحرية داخل البلاد.
وقد أكدت الدول الثلاثة عزمها المضي في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وفصل بقية فصائل المعارضة المسلحة عن هذين التنظيمين، وصرح لافروف في المؤتمر الصحفي المنعقد عقب انتهاء الاجتماع أن بيان موسكو ينص على إطلاق مفاوضات سياسية شاملة وتلك المفاوضات يجب أن تشمل كل المكونات العرقية في سوريا وأن أولوية الدول الثلاثة في سوريا هي لمكافحة الإرهاب لا إسقاط حكومة النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وأضاف أن الإطار الثلاثي الروسي التركي الإيراني هو الأكثر فاعلية لحل الأزمة السورية.
يُذكر أن جانب عدم الإطاحة ببشار الأسد لا تزال تركيا تعارضه بشدة حسب التصريحات التركية المتكررة إلا أنه سبق لها أن أبدت بعض المرونة في هذا بالقبول ببشار الأسد في المرحلة الانتقالية، بينما تتمسك إيران وروسيا بالحل الذي يبقي بشار الأسد في السلطة.
بالنسبة لأمريكا التي تعد خارج الاجتماع فقد علمت بنتائجه من خلال اتصال لافروف بنظيره الأمريكي جون كيري ليطلعه على نتائجه، وشدد لافروف على أنه لا يجوز التخلي عن نتائج الجهود الروسية الأمريكية لتسوية الأزمة السورية، وأضاف أن الدول الثلاثة تدعو الدول الأخرى للانضمام إلى جهودها لتسوية الأزمة السورية.
بينما لم يتم إطلاع الائتلاف السوري على نتائج الاجتماع حسبما ذكر يحيى المكتبي للجزيرة قائلاً إن ما تم إعلانه هي مبادئ عامة، وأشار أن المعارضة السورية تثق بتركيا ولكنها لا تثق بإيران وروسيا.
أكدت الدول الثلاثة عزمها المضي في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وفصل بقية فصائل المعارضة المسلحة عن هذين التنظيمين
ومن جهته أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن حل الأزمة في سوريا يتطلب تعاونًا من جميع الأطراف المؤثرة في الصراع هناك وأن تركيا وإيران وروسيا سيلتزمون بدعم إعلان موسكو بشأن إحياء محادثات السلام السورية بما يضمن وحدة أراضي سوريا، وأن الدول الثلاثة تتعهد بمحاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتحالفة معهما بصورة مشتركة.
أما أوغلو فأشار أن الحل السياسي هو الأنسب لحل الصراع المستمر في سوريا منذ 2011 الذي قتل فيه أكثر من 300 ألف شخص، وأشار إلى وجود مجموعات أخرى في سوريا كأحد الأطراف الرئيسية في الصراع في سوريا في إشارة إلى حزب الله اللبناني وطالب بضرورة وقف دعم الحزب.
إعلان موسكو
وبالتزامن مع اجتماع وزراء الخارجية الثلاث كان هناك اجتماعًا آخر على مستوى وزراء الدفاع، حيث أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على هامش الاجتماع أن خبراء روس صاغوا وثيقة “إعلان موسكو” التي ترقى لأن تكون خريطة لإنهاء الأزمة السورية، حيث تهدف لوقف إطلاق النار في سوريا، وأشار شويغو أن محاولات الولايات المتحدة وشركاءها فشلت لأنه ليس لأي منهم نفوذ حقيقي على الأرض.
الواضح من الخطوات الروسية أنها تستعجل خلق بيئة مناسبة لحل الأزمة السورية وتحاول أن تستثمر الظروف المتاحة أمامها في المنطقة سياسيًا بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، مستغلة الظرف الأمريكي في الفترة الانتقالية بين الإدارتين، ومن جهة أخرى قطف ثمار تهجير حلب الشرقية بالإضافة إلى حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة، حيث تهدف من خلال امتلاكها لهذه الأوراق تعزيز قبضتها على مفاصل الأزمة في سوريا وزيادة ضرب من تصنفهم إرهابيين هناك، أما إيران فتحاول برأي محللين أن تسعى لتنفيذ مخططها الأيديولوجي الذي تجري من خلاله تغييرًا ديموغرافيًا في المنطقة.
أما تركيا فهي تدرك أن لروسيا دورًا فاعلاً وحاسمًا في الصراع السوري وهذا ما يجعلها تتحالف معها، وتريد حل الصراع السوري لأن تعقيد الوضع أكثر سيؤدي إلى انفجار طائفي في المنطقة وتحفيز منظمات تعتبرها إرهابية على الانفصال بما يهدد أمنها القومي، ومن جانب آخر فهي تختلف مع إيران وتحرص على إفشال مخططاتها الأيديولوجية في التغيير الديمغرافي في المنطقة.