في شهر أبريل/ نيسان الماضي من هذا العام، هزت لبنان فضيحة اكتشاف شبكة للإتجار بالبشر، تقوم باستغلال اللاجئات السوريات للعمل في شبكات الدعارة أو شبكات “الإتجار بالبشر”، بحيث زاد عدد النساء المعرضات لأن يتم استغلالهن في تلك الشبكات منذ بداية الحرب السورية في عام 2011 خاصة في كل من لبنان والأردن، بحيث يتم استقدامهن كعاملات في المحلات والمطاعم، ومن ثم يجدن أنفسهن في غرف مغلقة، لا يسمح لهن بالخروج منها حتى يأتيهن زبائنهن.
إنها عبودية الجنس الذي لا يتحدث عنها أحد، والتي انتقلت في عام 2016 من الشوارع إلى صفحات الإنترنت، ليصبح لها صفحات خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي، يلتقط بها أصحابها الضحايا المختارين بإغوائهن حتى يقعن في المصيدة التي يقع فيها الملايين غيرهن من النساء حول العالم.
تأتي تجارة البشر في المركز الثالث عالميًا في أكثر التجارات المربحة بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح، لتحتل تجارة الجنس نسبة ضخمة من أرباح الإتجار بالبشر، حيث يعتمد عليها أكثر العاملين بها، ويشكلون شبكات عالمية متصلة ببعضها البعض، تقوم بتهريب الفتيات والأطفال من بلاد مختلفة، فالإتجار بالبشر هي تجارة الـ32 بليون دولار سنويًا، حيث تأتي بلاد الخليج العربي وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول المستقبلة، في حين تحتل معظم الدول الفقيرة وبلدان العالم النامي وشرق أوروبا مرتبة الدول المصدرة للبشر.
عبيد الجنس من عيون الناجيات
“اسمي أنيكا لوكاس، أنا أم وأحب تربية الحيوانات، وأنا إحدى الناجيات من العبودية الجنسية”، أنيكا واحدة من بين الناجيات التي يتم تصويرهن في حملة بعنوان “نساء حقيقيات، وقصص حقيقية” على موقع يوتيوب، بهدف التوعية بالجرائم التي ترتكب في حق المرأة أو الأطفال حول العالم، وكان أهمها بالفعل العبودية الجنسية.
تروي أنيكا البلجيكية قصتها الخاصة وتقول إنه تم استغلالها في تجارة الجنس، فبعد عيد ميلادها السادس مباشرة باعتها والدتها، لتستمر أنيكا في هذا العالم “القذر” لمدة خمس سنوات ونصف، قابلت خلالها وجوهًا مألوفة للعامة، سياسيين وبرلمانيين، وكذلك بعضًا من أفراد العائلة المالكة، حيث تتابع أنيكا بأنها ترى الجزء الأسود من عالمهم الذي لا يراه العامة أبدًا.
أشارت أنيكا في حديثها إلى أن القوة التي تتحلى بها الناجية تضاعف القوة التي تتحلى بها أي امرأة أخرى تشق طريقها للنجاح في ظروف طبيعية، ولكن العالم ما زال ينظر للأخيرة بنظرات إعجاب وتقدير، أما الناجية، فلا يتذكرها أحد دون ذكر كلمة العار الذي تحمله معها أينما ذهبت، فحتى لو اعتبرها الناس قد تعافت جسديًا، فالناجيات يحتجن الكثير من الوقت لكي يتعافين نفسيًا.
“اسمي بروك، تم بيعي وأنا في عمر السابعة لأحد تجار الجنس في الولايات المتحدة”، تتابع بروك في الفيديو الخاص بها ضمن الحملة المذكورة بأن اغتصابها لأول مرة كان مدخلها لهذا العالم المظلم الذي لا يضم سوى القلوب المريضة والضمائر الميتة، تتابع بأنه تم استغلال جسدها في عمر صغير في صناعة الأفلام الإباحية، وتم حبسها في غرف بالأيام دون الإذن لها بالخروج، تقول بروك إنها شعرت بأنها عديمة القيمة ولا تستحق حياة كريمة، لذلك وجدت نفسها مع غيرها من الأطفال بين هؤلاء التجار والزبائن المختلفين، تتابع بأن في كل مرة كان يتم اغتصابها كانت تتلو الصلوات التي علمتها إياها مربيتها عن عقاب الله للمخطئين، كانت تظن بروك أنها المخطئة، وكانت تفكر في العقاب الذي يتوعدها الله به، هكذا ظنت وقتما كانت طفلة صغيرة.
بعد أن أصبحت بروك محامية، تقول بأن أكثر الأشياء التي علمتها إياها المحاماة، أن مواجهة الحقيقة هي بداية الطريق للحرية، “لذا فإن الحديث عن تجارب الناجيات السابقة لا يجب أن تذكرهن بالعار، ليس هناك عار في جريمة ارتكبت ضدهن، يجب علينا أن نلقي الضوء على كل ما سبق، حتى نستطيع خلق العدالة التي تليق بنا”، هكذا أنهت بروك رواية قصتها مع عبودية الجنس.
لا عجب أننا في نهاية عام 2016 من الألفية الحديثة، ولا زال هناك أسواقًا للعبيد، للأمة التي كانت من أوائل الأمم تحرم العبودية وتمنعها بالقوانين والأعراف والأحكام الدينية، هناك في العراق، يجعل أفراد داعش من غير المسلمات مرشحات لعبودية الجنس التي استساغوا حلالها بالنسبة إليهم كمجاهدين، فترى النساء الأيزيديات يبعن مثلما تباع الخضروات واللحوم في الأسواق، كما ترى الطفلة منهن تباع بدل المرة عشر مرات.
داعش وعبودية الجنس للأيزيديات
مع قطعهن للرؤوس واستمرار عمليات الذبح، زادت داعش كذلك من معدلات زواج القصر، والعبودية الجنسية بحق النساء الأيزيديات، وكل هذا تحت شعار الدولة الإسلامية، حيث قامت النسخة الإنجليزية من مجلة داعش على الإنترنت بعنوان “دابق” بنشر “إحياء العبودية من جديد لنساء الكفار والزنادقة” بنشرهم “ينبغي على المرء تذكر أن استعباد نساء الكفار من جوانب الشريعة الراسخة”.
حيث نشرت المجلة اعترفًا من داعش بسبي النساء الأيزيديات، فقد قام أفراد التنظيم بإرسال خُمس المقبوض عليهن من القرى الأيزيدية إلى سلطات الدولة بحسب ما نشرت مجلة “دابق”، ومن تبقى منهن تم توزيعه على المقاتلين في صفوف التنظيم للتمتع بهن لأنفسهم بعد معارك “سنجار”.
من لاجئات إلى عبيد
يبدو أن ويلات الحرب تتابعهن حتى ولو استطعن الفرار منها، فمَن هربن من ويلات الحرب على أرض سوريا، لم يجدن السعادة والأمان في بلاد الملجأ، ليقتص منهم الملجأ كما فعلت الحرب كذلك، فتقول الناجيات من اللاجئات السوريات ممن تعرضن للتهديد والتعذيب للعمل مع تجار الجنس في البلاد المجاورة كلبنان والأردن بأن الفتاة أو الطفلة لا تملك حرية القبول أو الرفض، ربما يكون ذلك سبيلها الوحيد للبقاء في تلك الدولة وعدم إرسالها مجددًا إلى سوريا، وربما هو مصدر الرزق الوحيد لها بعدما يرفضها عشرات الموظفين بسبب كونها لاجئة، أو ربما يكون كل ذلك تحت التهديد بالقتل والتعذيب، وهو ما يبقى مئات من الفتيات في حالة استسلام تام للتجار.
تقول نانا إحدى ناجيات العبودية الجنسية في لبنان في هذا التقرير بأنها كرهت أن جسدها قد تم بيعه للكل، وليس لشخص أو لشخصين، فكانت مجبرة أن ترى عشرة زبائن على الأقل أسبوعيًا، كما لم تعرف الثمن الذي دفعه التاجر للحصول عليها، ولكنها تعرف أن جسدها أصبح متاحًا للجميع بعد تلك البيعة.
لا تتلقى الفتيات أي أجر مقابل وجودهن تحت رحمة تلك الشبكات، إلا أنهم يقدمون لهن الطعام والملبس والسكن الذي يجبرن على عدم مغادرته تحت رقابة خاصة، فهن في سجن يقوم بتشغيلهن كالنحل دون توقف.
تظن الفتيات أنهن مقدمات على العمل في المطاعم أو محلات الملابس، ليُفاجأن بأن من ظنوه رجلًا طيبًا يريد المصلحة العامة لهن ولذويهن، ما هو إلا تاجر، يرى في جسدهن قيمة ربحية له ولشبكته الكبيرة، لتقع الفتيات ضحية الشبكات والقوانين التي تجرم العمل في الدعارة، وضحية المجتمعات التي تحملهن العار طول حياتهن.