ترجمة وتحرير نون بوست
تمكنت القوات النظامية وحلفاؤها، بعد مضي فترة طويلة من الصراع للسيطرة على مدينة حلب، من استرجاع معظم المناطق التي كانت تتحصن بها المعارضة.
وفي هذا الصدد، اعتبرت القوات النظامية بقيادة بشار الأسد، التقدم الذي أحرزته على حساب المعارضة في حلب، فوزًا تاريخيًا ليس بالنسبة لها فقط، بل أيضًا لأبرز حلفائها روسيا وإيران، ويأتي هذا الانتصار للحلفاء الثلاثة كتتويج لمساعيهم للقضاء على المعارضة في المدينة.
وفي الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت روسيا عن استئناف المحادثات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، عن الوضع في حلب، وفي هذا الإطار، التقى كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأمريكي جون كيري، للتباحث بشأن سبل فك الحصار عن حلب وإيجاد حل جذري للحرب في سوريا عمومًا.
وكما كان متوقعًا منذ إعلان المحادثات بين الطرفين، عجز كليهما عن التوصل لنتائج فعلية للأزمة.
في حال عجزت إيران عن مواجهة التهميش الروسي، ستفقد كل الأسلحة الدبلوماسية التي تمتلكها وقدرتها على المناورة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا
وفي 12 من كانون الأول/ ديسمبر، أُعلن أن الحوار القائم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية عن الشأن السوري وصل لطريق مسدود، والجدير بالذكر أن مباحثات السلام السابقة بين الدبلوماسيين باءت أيضًا بالفشل.
وفي الواقع، يبدو أن طهران اُستثنت مجددًا من المباحثات الدبلوماسية الروسية بشأن سوريا، مما يثير العديد من التساؤلات عن موقع إيران الفعلي من استراتيجية الكرملين الدبلوماسية بخصوص الوضع في سوريا.
وبخصوص المحادثات الروسية الأمريكية الأخيرة، أفاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، بأنه قد تم إعلام إيران باقتراحات الولايات المتحدة الأمريكية، في المقابل، نفت إيران تمامًا أنه تم إبلاغها بأي معطيات عن الموضوع.
وفي نظرة معمقة لأسباب عودة الحوار الروسي الأمريكي، يمكننا تفسير موافقة روسيا على الدخول مع الولايات المتحدة الأمريكية في جولة جديدة من المحادثات، على أنها تحمل في طياتها دوافع خفية، ولم تكن تهدف جديًا لإيجاد حلول سلمية.
أولاً، أعلنت روسيا عن قرارها باستئناف المحادثات بعد فترة وجيزة من إعلان إدارة الرئيس باراك أوباما عن استعدادها لتقديم المزيد من الدعم للمعارضة، بالإضافة إلى مواصلة إمدادها بأسلحة متنوعة ومتطورة.
ثانيًا، تزايدت الضغوطات الدولية على موسكو وسياستها السورية، في أعقاب نقضها للقرار المقترح من قبل مجلس الأمن الدولي للسماح بوصول المساعدات الإنسانية لمدينة حلب المحاصرة، في الخامس من كانون الأول/ ديسمبر.
وبالتالي فإن رغبة روسيا في إعادة جسور التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الشأن السوري، كانت مجرد خطوة تكتيكية لتوهم العالم بأنها على استعداد للتوصل لحل سياسي في سوريا، في حين أنها كانت تماطل، حتى تربح الوقت لحدود انتهاء ولاية أوباما وتولى الرئيس المنتخب الجديد مسؤولياته، والذي سيكون أفضل حليف لها.
وتعقيبًا على التكتيكات الدبلوماسية والسياسية الروسية، فضلت طهران أن تخفي أي شعور بالمعارضة تجاه المحادثات الروسية الأمريكية، نظرًا لنجاعتها في تمكين روسيا وإيران ونظام الأسد من السيطرة على حلب.
وفي الوقت نفسه، ساهمت هذه الاستراتيجية الروسية في كبح أي نوايا للولايات المتحدة، في التقدم فعليا لإيجاد حل للأزمة في حلب.
فما هي الخطوة القادمة بالنسبة للحلفاء الثلاثة؟
ناقشت صحيفة “المونيتور”، في عدد سابق صدر خلال هذه السنة المعضلة السورية، وبينت أن الدافع الرئيسي للتحالف الروسي الإيراني، كان المصلحة المشتركة بينهما، حيث تسعى كلا الدولتين إلى الحفاظ على النظام الاستبدادي الحاليّ، مع الحرص على منع المعارضة بشتى الطرق من الوصول إلى دفة الحكم.
علاوة على كل ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن كلا الدولتين لهما أهداف ذاتية ومتناقضة في المنطقة.
وفي هذا السياق، بينما تتحرك كل دولة في مسارها الخاص وتقترب أكثر نحو تحقيق أهدافها الفردية، يُتوقع أن تظهر في الأيام القادمة للعيان، دلائل الاختلاف الشاسع في الرؤى بين روسيا وإيران على الصعيد الدبلوماسي والسياسي.
وفي الإطار ذاته، تعمقت مخاوف إيران بخصوص تنامي الأطماع الروسية في سوريا، ولعل أبرز الدوافع التي من شأنها أن تزيد من قلق إيران بشأن مخططات الكرملين في سوريا، عودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين أنقرة.
إن أول ما يثير حفيظة طهران ضد روسيا، هو تعمق العلاقات التركية الروسية على إثر المصالحة بين بوتين وأردوغان، والتي أثرت بشكل واضح على الأزمة السورية.
ولعل أبرز تجليات المصالحة الروسية التركية، التقدم الملحوظ للقوات المدعومة من قبل تركيا في شمال سوريا، في اتجاه منطقة “الباب”، والتي تمثل موقعًا استراتيجيًا وحساسًا سيمكن تركيا في المستقبل من لعب دور محوري في تحديد مستقبل سوريا.
وفي الوقت نفسه، تعتبر منطقة “الباب” نقطة استراتيجية بالنسبة لتركيا، ستمكنها من التفاوض بخصوص الشأن السوري وكسب امتيازات سياسية في المستقبل.
وضمنيًا، ليس تقدم تركيا لمنطقة الباب هو ما يثير قلق إيران فقط، بل المخطط الأشمل للعملية، فتركيا لم تقدم على “عملية الباب”، إلا بعد سلسلة من اللقاءات المتواصلة بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانب التركي ونظيره الروسي، وذكرت هذه المعطيات، بحقيقة أن تركيا لم تكن لتطلق “عملية الباب”، إلا بعد أن تعطيها موسكو الضوء الأخضر، ولو ضمنيًا.
وتجدر الإشارة إلى أن المناورات الرامية للسيطرة على منطقة الباب، تعتبر أول سبب جدي لتنامي مخاوف إيران بشأن الخطط المستقبلية لروسيا في سوريا.
فمن وجهة نظر إيران، تعني هذه العملية أن موسكو وأنقرة قد تتوصلان في الفترة القادمة إلى اتفاق يضمن لكل طرف على المدى الطويل، أن يعترف الطرف المقابل “بمنطقة نفوذه” في سوريا.
وبالتالي سيكون ذلك بداية تراجع قوة وسيطرة حكومة الأسد على البلاد، مما سيؤدي إلى تقلص التدخل الإيراني في سوريا، الذي يعتمد بالأساس على علاقة إيران ببشار الأسد.
فضلاً عن كل ذلك، الدافع الثاني الذي يبرر شعور إيران بالتوتر من مصير وجودها في سوريا، هو تواصل روسيا مع مجموعات معتدلة من المعارضة، فمنذ بداية الحرب في سوريا سنة 2011، تمكنت روسيا من مد جسور التواصل بينها وبين المعارضة السورية المعتدلة.
وفي الآونة الأخيرة، نُشرت تقارير تؤكد حدوث مفاوضات بين روسيا وممثلين عن المعارضة السورية في تركيا.
يبدو أن طهران قد اُستثنت مجددًا من المباحثات الدبلوماسية الروسية بشأن سوريا، مما يثير العديد من التساؤلات عن موقع إيران الفعلي من استراتيجية الكرملين الدبلوماسية بخصوص الوضع في سوريا
وفي السياق ذاته، عمدت روسيا لتوثيق أواصر التعاون مع الأكراد السوريين، حتى إنها سمحت لهم بفتح مقر لحزبهم في موسكو.
وبعبارة أخرى، في الوقت الذي غامرت روسيا بخلق تنوع في علاقاتها، والتي ستمكنها من التمتع بالمزيد من الخيارات فيما يتعلق بمستقبل سوريا، نأت إيران بنفسها عن الأطراف الرئيسية والبارزة في سوريا، واقتصرت علاقتها على نظام الأسد.
وبالتالي فإن أي تغيير تشهده بنية الحكومة السورية في المستقبل ستكون تكلفته باهظة جدًا لإيران مقارنة بروسيا.
وأما السبب الثالث الذي يثير شكوك إيران، فيتمثل في التعاون بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإمكانية توطد العلاقة بينهما مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
في الواقع، فإن آفاق التعاون بين موسكو وواشنطن، تمهد لعصر جديد محتمل في العلاقات الأمريكية الروسية، ولعل أبرز مؤشر على ذلك، اختيار ريكس تيلرسون الصديق المقرب من الرئيس الروسي فلادمير بوتين، ليتقلد منصب وزير الخارجية الأمريكية في إدارة ترامب.
وفي هذا الإطار، إذا ما لجأ الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتطبيق مخططاته القائمة على بناء علاقة شراكة مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب، فإن ذلك سيكون كإعلان رسمي من الطرفين على “حل الأزمة بين القوى العظمى”.
وتعقيبًا على هذه الخطط، فإن مثل هذا التطور لن يستبعد فقط إيران من طليعة الأطراف المشاركة في إيجاد حل للأزمة السورية، بل أيضًا تنطوي هذه الاستراتيجيات على مظاهر قيام دولة فيدرالية على أنقاض البلاد التي مزقتها الحرب، في المقابل، ترفض إيران رفضًا قطعيًا أن تصبح سوريا دولة فيدرالية.
وفي ظل تنامي التهديدات والمخاطر التي تثير مخاوف إيران بشأن وجودها في سوريا ومخططات روسيا، قد تعيد طهران النظر في خياراتها المتاحة في سوريا، بالإضافة إلى أنها ستحاول جاهدة خلق قنوات اتصال متنوعة تربطها بصانعي القرار داخل وخارج سوريا.
وفي حال عجزت إيران عن القيام بذلك، ستفقد كل الأسلحة الدبلوماسية التي تمتلكها وقدرتها على المناورة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا.
المصدر: المونيتور